مصر تفخر بانتمائها للقارة السمراء, وتزهو بتاريخها الفرعوني وتعتز بعروبتها, ولكن يبقي لإفريقيا التي يتدفق منها مياه النيل شريان الحياة الرئيسي في البلاد مكانة خاصة في القلب ولشعبها مشاعر مودة لاينازعهما فيها أي قومية أخري. وهناك العديد من الحكايات التي تجسد العشق الإفريقي المصري المتبادل ومنها حكاية السيدة سعاد محمد الروبي, وزوجها المناضل الغاني الحاج صالح سناري. التقيت والسيدة سعاد بمنزل ابنها سعيد سناري سفير غانا الحالي بالقاهرة لتروي لي اروع ملحمة حب وكفاح وتضحية عاشتها مع زوجها لأكثر من نصف قرن. والسيدة سعاد أو كما يطلقون عليها أم مريم هي أول مصرية تتزوج من غاني وصرحت بمعلومة تكشف عنها لأول مرة وهي أنها كانت السبب في زواج كوامي نكروما أول رئيس لغانا بعد الاستقلال من مصرية. سعاد الروبى وتعود أحداث قصة حب سعاد وصالح إلي عام1949, حين كانت صبية عمرها18 عاما وهو طالب يدرس بالأزهر الشريف. كان اللقاء الأول في منزل زوج ابنة عمة العروس حيث كان صالح مدعوا لتناول طعام الغذاء, واندلعت شرارة الحب الأولي وطلب يدها, ووافقت سعاد علي الفور لأنه كما تقول: كان بداخلي رغبة لرؤية هذا العالم, رغم معارضة عمي الذي صور لي الأفارقة علي أنهم أكلي لحوم البشر لكنني توكلت علي الله وأصررت علي موقفي, ولم أندم للحظة في حياتي علي هذا القرار. وكان والد صالح شيخ قبيلة كبيرة تربطه علاقة صداقة بكوامي نكروما وكان يعتبره ابنا له, وكان نكروما يتردد علي عائلة صالح كثيرا في منزله وهو الذي نصحه بالزواج من مصرية ولاقت الفكرة قبولا لدي نكروما. وكان نكروما مضربا عن الزواج في الفترة التي كان صالح يدرس فيها العلوم الشرعية بالأزهر معتقدا أن الزواج سيشغله عن قضيته الأسمي وهي تحرير غانا. ولكنه استمع لنصح صالح والذي رغبه في الزواج من أم إفريقيا, كما كان يحب أن يدلل بلده الثاني مصر. وبدأت مرحلة البحث عن عروس واستمرت ستة أشهر كانت ترسل له خلالها سعاد صور البنات المصريات حتي وقع الاختيار علي فتحية. وتمضي سعاد في سرد القصة غير التقليدية لتوثيق العلاقات بين مصر وغانا قائلة, كان زواج نكروما من فتحية مفاجأة للجميع, وحين أعلن خبر الزواج في الراديو الغاني كذبه الناس خاصة أنه لم يكن قد شاور أحد من وزرائه وكل عائلات غانا كانت تطمح إلي تزويج الزعيم لإحدي بناتهم. وعندما تأكد الخبر أطلقوا علي فتحية عروس النيل, لأنها كانت جميلة وشعرها طويل. وأوضحت سعاد أن زوجها كان صديقا لعبد الناصر, وهو الذي قدم إليه نكروما, وعندما علم ناصر بمشروع الزواج اعتبر نفسه بمثابة والد نكروما وتكفل بكل مصاريف الزواج وأهدي العروسين فيلا بالمعادي للإقامة. وأكدت سعاد أن كل الوقائع التي كتبت عن قصة زواج فتحية ونكروما غير صحيحة وأن الحقيقة أن فتحية لم تر عريسها قبل الزواج, والكلام لسعاد:عمي كان يقيم في حي الزيتون وقدمنا إلي عائلة فتحية, وبعدها التقينا بالرئيس عبد الناصر, والذي لولاه لما تمت هذه الزيجة, حتي أن عبد الناصر أهدي فتحية بعد وصولها بشهر طاقم ألماس هدية هذه الزيجة. سعاد الروبى فى حوار مع مندوبة الاهرام استقبال أسطوري لناصر في أكرا وتتذكر سعاد زيارة الرئيس عبد الناصر للعاصمة الغانية أكرا, والاستقبال الأسطوري الذي أعد له والذي لم يتكرر لأحد غيره, وتقول: تصوري الناس طلعت فوق الشجر من فرحتها به, لكن حدث موقف أغضب ناصر خلال مأدبة العشاء التي أقامها نكروما علي شرف الزعيم حيث تصادف وجود السفير الإسرائيلي علي نفس طاولة عبدالناصر الذي غادر المكان من فوره دون تناول العشاء وبادر نكروما بالاعتذار عن هذا الخطأ غير المقصود. ويتوالي سيل الذكريات المفعمة بالمشاعر الدافئة ويتهدج صوت سعاد وهي تتذكر أحداث انقلاب عام1966: كان زوجي صديقا مقربا ومستشارا موثوقا لنكروما لذلك اعتقل وعذب عندما وقع الانقلاب, ولا أذيع سرا إذا قلت ان الرئيس المصري ارسل طائرة إلي أكرا وطلب مني مغادرة البلاد فورا والعودة إلي مصر, لكنني رفضت ترك زوجي أثناء محنته, وعادت الطائرة حاملة أبنائي, وسلمتهم زوجة السفير المصري في غانا في ذلك الوقت إلي رئاسة الجمهورية, وتولي عبدالناصر كل شئونهم, وألحقهم بمدرسة هليوبوليس الداخلية, حتي خرج زوجي من السجن بعد ثلاث سنوات.. السيدة سعاد لعبت دورا مهما في توثيق العلاقات بين غانا ومصر, كما مهدت الطريق للكثير من المصريات اللاتي جئن إلي غانا بعدها وتزوجن من أهل البلد رجالا تقلدوا أعلي المناصب مثل السيدة نجوي بقطر التي تزوجت جنرالا في الجيش. ومثلما أحبت هي غانا, أحب صالح مصر بنفس القدر, فبات منزلهما مقصدا لكل مصري يحط علي غانا. هذه السيدة تستحق التكريم والتقدير علي مشوار كفاحها الذي اثمر ثمانية أبناء منهم الطيار وعضو البرلمان ورجل الأعمال والسفير الحالي في مصر. ومن فرط حبها هي وزوجها للزعيم أطلقا أسمي جمال وناصر علي اثنين من أبنائهما. ولم تخب أبدا جذوة حب مصر المشتعلة في قلب صالح حتي وفاته منذ ثلاث سنوات عن عمر يناهز مائة عام, ومن شدة تعلقه بوطنه الثاني صب مياه النيل في نهر أوكوسومبو في غانا حتي تمتزج مياه النهرين مثلما امتزجت دماء أهل البلدين وقال: لقد باتت مصر وغانا الآن كيانا واحدا ولا يمكن أن يفترقا أبدا مثلي أنا وسعاد.