والسؤال إذن: ما وظيفة «الواو» الواردة فى عنوان هذا المقال؟ مع بداية الجواب يلزم التنويه بأن «الواو» هى الحرف السابع والعشرون من حروف الهجاء. وعندما تكون مفردة تأتى على أحد عشر وجها. وفى مقدمة هذه الأوجه واو العطف بمعنى المصاحبة. ومن هذا الوجه يمكن القول إن ثمة مصاحبة بين الصالون الثقافى والدكتور أسامه الأزهرى، إذ هو صاحب هذه المصاحبة فى مقاله المنشور فى جريدة الأهرام بتاريخ 23/7/2017 تحت عنوان «بداية حوارات مع الدكتور مراد وهبه» استجابة لمقالى المنشور بنفس الجريدة بتاريخ 18/7/2017 تحت عنوان «بداية حوارات مع الدكتور أسامة الأزهرى». ثم استطرد قائلاً: أنا مستعد لاستضافة هذا الصالون، وتكون الغاية منه مناقشة الأطروحات الواردة فى تفسير ارهاب مما نتجاوز فيه الخطاب الإعلامى والتفسيرات السطحية إلى أن نغوص فى جدل علمى دقيق يستعرض تلك الأطروحات بالنقد والتأمل». والسؤال بعد ذلك: ما الذى كان يدور فى عقله إثر انتهاء الحوار حتى ينتهى إلى اقتراح بتأسيس «صالون فلسفى»؟ أظن أنه قد التقط بعقله الثاقب وتأمله الصامت قضية من قضايا الحوار اعتبرها قضية محورية وهى بالفعل كذلك وأعنى بها قضية العلاقة بين المطلق والنسبى، وعلاقة هذه القضية بالارهاب، إذ قال فى عبارة محكمة منطقياً إذا جاز أن نقول إن كل قاتل قائل بالمطلق فلا يجوز أن نقول إن كل قائل بالمطلق قاتل. وهنا أود الإشارة إلى أن قضية العلاقة بين المطلق والنسبى كانت هى القضية المحورية فى كتابى المعنون «قصة الفلسفة» (1968) وطبع منه ست طبعات وبلغ عدد نسخها 85٫000 وفى تقديمى للكتاب اختتمته بهذه العبارة : «نحن لا نفهم معنى المطلق إلا فى مقابل النسبى». ثم تساءلت: وما الصلة بين المطلق والنسبى؟ سؤال فلسفى الجواب عنه يحكى قصة الفلسفة. وفى هذا السياق أود أن أسرد حادثة كان لها مغزى غامض فى القرن العشرين وأصبح واضحاً فى القرن الحادى والعشرين. فى عام 1967 عينت مستشاراً ل «دار المعارف» بقرار من الدكتور اسماعيل صبرى عبد الله الذى كان مديراً لها فى ذلك الوقت بقرار من الرئيس جمال عبدالناصر. ألفت فى حينها ذلك الكتاب وسلمت المخطوط لرئيس تحرير سلسلة «اقرأ» التى كانت تصدر عن الدار ويرأسها الشاعر السورى الكلاسيكى عادل الغضبان. مضى عام ولم ينشر الكتاب فاستفسرت منه عن سبب التأخير فجاء جوابه مقتضباً ومفاجئاً. قال: «هذا هو مخطوطك. أنصحك بتعديله لكى تؤثر السلامة». وجاء جوابى مقتضباً أيضاً، ولكن لا أعرف إذا ما كان مفاجئاً. قلت له: «هات المخطوط لأنشره كما هو فى دار أخرى لأنى لست معتاداً على التعديل بعد الانتهاء من التأليف». ذهبت بعد ذلك إلى «دار الثقافة الجديدة» التى يملكها ويديرها محمد الجندى فقبل النشر بلا تردد. ثم أخبرت الدكتور اسماعيل صبرى بما حدث وبما فعلت فانفعل قائلاً: أرجو إحضار المخطوط الآن لأنى سأضع الدار بين خيارين: «إما النشر أو الاستقالة». وفى اليوم التالى صدر القرار بطبع الكتاب. وتأسيساً على ذلك كله يمكن القول إن الصالون الفلسفى المقترح تأسيسه من قِبل فضيلة الشيخ الدكتور أسامة الأزهرى لن ينطوى على أى ترف من أى نوع كان لأنه سيكون صالوناً مهموماً بتناول قضايا تكون على علاقة عضوية بالارهاب من أجل تأسيس مشروع فلسفى مشترك بين أعضاء الصالون مهمته فى نهاية المطاف تغيير ذهنية الإرهابى مع تغيير ذهنية المربى لذلك الارهابى حتى لا تنفرد القوات المسلحة وقوات الشرطة البواسل بمحاربة الارهابيين لأن انفرادها يكلفنا ثمناً باهظاً لا يقف عند حد استشهاد الجنود بل استشهاد الحضارة ذاتها التى هى غاية الارهابيين الأصوليين، وهى غاية كان قد أعلنها سيد قطب فى كتابه المعنون «الاسلام ومشكلات الحضارة» من أن صانعى الحضارة لم يكن لديهم العلم بحقيقة الانسان وخصائصه، كما أنه لم تكن لديهم الرغبة فى احترامه وتكريمه. ومن هنا أصيبت هذه الحضارة بمرض أطلق عليه مصطلح «الفصام النكد» فى كتابه المعنون «المستقبل لهذا الدين» وهو مرض عقلى يفصل الإنسان عن الحياة، ويفصل الدين عن الدنيا. وفى رأيه أن هذه الحضارة قد أصيبت بذلك المرض يوم أنتجت عصر الإحياء (عصر النهضة) وعصر التنوير وعصر النهضة الصناعية. فهذه العصور الثلاثة صرفت الإنسان عن منهج الله كله. وهنا يلزم التنويه بلمحة أبداها الدكتور أسامة الأزهرى أثناء حوارنا وهى أن ثمة علاقة بين سيد قطب والشيعة. وأتوقع أن يفَصل لنا هذه اللمحة فى حواراتنا القادمة، لأن مجرد ذكر الشيعة يذكرَك بخومينى زعيم الثورة الإيرانية الأصولية. وبناء عليه يمكن القول إن الصالون الفلسفى هو الترياق اللازم للقضاء على الفصام النكد الذى أصاب سيد قطب وأصاب معه الإرهابيين الأصوليين الذين يريدون تدمير الحضارة. وبناء عليه أيضاً يمكن القول إنه إذا كان الارهاب يتسم بالكوكبية فيلزم أن يتسم الصالون الفلسفى المقترح بأن يكون هو الآخر كوكبياً. وبذلك تتحقق دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أن تكون مواجهة الإرهاب مواجهة فكرية وكوكبية. ويترتب على هذه الدعوة إعادة النظر فى المؤسسات الدولية التى نشأت إثر الحرب الباردة ابتداء من عام 1945 وما تلاه من أعوام والتى كان قد أعلنها كل من المعسكر الشيوعى والمعسكر الرأسمالى. وقد انتهت هذه الحرب بانهيار الكتلة الشيوعية فى عام 1991. إلا أن إعادة النظر فى هذه المؤسسات الدولية تستلزم تأسيس مؤسسات جديدة تدخل فى سياق مع مقتضيات الكوكبية. ومن هنا يكون الصالون كوكبياً فلا يقف عند حد تأسيسه فى مصر. لمزيد من مقالات مراد وهبة;