عنوان هذا المقال كان عنوان الندوة الثالثة التى كان من المقرر أن يعقدها «مركز زايد العالمى للتنسيق والمتابعة» بمشاركة «الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير» و«جامعة الدول العربية» و«منظمة التحرير الفلسطينية». وقد تم اجتماع تحضيرى لهذه الندوة فى فندق سميراميس بالقاهرة فى 12/ 6/ 2003 على أن تنعقد اللجنة ذاتها فى 11/ 9 أما الندوة فتنعقد فى يناير 2004. وكان من بين الحضور هشام يوسف مندوب أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى وفاروق قدومى رئيس الدائرة السياسية بمنظمة التحرير الفلسطينية ومحمد صبيح سفير فلسطين فى الجمعة العربية وأسامة الباز المستشار السياسى لرئيس الجمهورية ومحمد خليفه المدير التنفيذى لمركز زايد ومنى أبوسنة أمين عام الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير وهالة مصطفى رئيس تحرير مجلة الديمقراطية. وقد حضر قبل بداية الاجتماع المستشار فتحى نجيب رئيس المحكمة الدستورية العليا ولكنه انصرف لموعد طارئ. وفى بداية الجلسة سردت قصة كان قد رواها لى أحمد بهاء الدين حين كان رئيس تحرير مجلة المصور فى نوفمبر 1970. قال: «كنت مشاركاً فى ندوة ببيروت لممارسة «لعبة الأمم»، أى توزيع الأدوار السياسية على أعضاء الندوة. وكان دورى ممثلاً «للقومية العربية»، وكان الآخرون يؤدون أدوار القوى الأخرى المنخرطة فى الصراع العربى الإسرائيلي. وفى نهاية الندوة أُدخل الحوار برمته فى الكمبيوتر لإخراج النتيجة، وكانت مذهلة بالنسبة لى وهى تصفية منظمة التحرير الفلسطينية». انتهت القصة وكان تعليق فاروق قدومى أن ذلك الكمبيوتر تابع للموساد، وأيده فى ذلك سفير فلسطين! وبعد ذلك انتقلنا إلى مناقشة جدول أعمال الجلسة التى انتهت إلى تحديد عنوان الندوة المزمع انعقادها تحت عنوان «دفاعاً عن الحضارة» بدعوى أن هذه القضية يمكن أن تكون امتداداً للندوة التى عقدها مركز زايد تحت عنوان «العقلانية جسر بين الشرق والغرب». وقد كُلفت، بقرار من اللجنة، بإعداد ورقة عمل، وقد كان، وهى على النحو الآتي: «قال آينشتين: بعد القاء القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكى تغير كل شيء ما عدا أسلوب التفكير». وهو قول يمكن ترديده بعد 11/9/2001. ففى ذلك اليوم تحولت طائرة مدنية إلى طائرة حربية بفعل إرهابى فدمرت مركز التجارة العالمى بنيويورك بأمريكا، وراحت وسائل الاعلام تحلل هذا الحدث الإرهابى بأسلوب تقليدي. فقيل على سبيل المثال لا الحصر أن ما حدث مرتبط ارتباطاً عضوياً بهيمنة القطب الواحد وهو أمريكا، أو بالعلاقة الوثيقة بالفجوة الاقتصادية بين الشمال والجنوب، أو بالصراع التقليدى بين الغرب والعالم الإسلامي، أو بمؤامرة صهيونية أمريكية، وهى أقوال كانت شائعة قبل 11/9. والسؤال المطلوب الاجابة عنه هو على النحو الآتى: هل هذا الأسلوب فى التفكير قادر على الكشف عن الأسباب الحقيقية الكامنة فى ذلك الحدث؟ إذا كان الجواب بالإيجاب فما المبرر للحديث عن ضرورة إحداث تغيير جذرى فى الأنظمة السياسية الراهنة فى كثير من دول العالم؟ ولماذا الحديث عن ابتداع وسائل جديدة لفهم أبعاد ذلك الحدث؟ ولماذا الحديث عن ضرورة إعادة النظر فى المنظمات الاقليمية والدولية؟ أما إذا كان الجواب بالسلب فعلينا تحليل ظاهرة الارهاب بمنظور غير المنظور التقليدى، أى بمنظور إبداعي، ذلك أن ثمة رعباً هيمن على سكان كوكب الأرض بغض النظر عن تباين الأنظمة السياسية والأنسقة الثقافية والاقتصادية الأمر الذى يؤدى بالضرورة إلى بزوغ تحالف كوكبى مضاد للإرهاب الكوكبي. والسؤال اذن: ما الغاية من هذا التحالف الكوكبي؟ هل هو دفاع عن كوكب الأرض فى مساره الحضارى المحكوم بالثورة العلمية والتكنولوجية؟ وإذا كان ذلك كذلك فهل تدمير مركز التجارة العالمى هو رمز على محاولة تدمير الحضارة بفعل إرهابى تسمح تداعياته بإحداث هذا التدمير؟ والسؤال اذن: ما الدليل على طبيعة هذه المحاولة؟ ويبقى بعد ذلك سؤال محوري: هل ثمة مبرر لعقد هذه الندوة تحت عنوانها «دفاعاً عن الحضارة»؟ إذا كان الجواب بالسلب فعلينا النظر إلى 11/9 على أنه يوم لا يختلف عن أى يوم آخر، وأن ما حدث فيه من دمار يخص أمريكا وحدها دون غيرها من دول ذلك الكوكب. وفى النهاية فإن اللجنة التنفيذية للندوة وهى تدعو إلى عقدها تنشد المشاركة الايجابية فى إحداث تغيير فى المفاهيم التقليدية من أجل البحث عن طريق جديد تواصل فيه الحضارة مسارها وهى خالية من الارهاب من أجل تقدم البشرية نحو الأفضل. وإذا أردت مزيداً من الحجج لتبرير انعقاد تلك الندوة فاقرأ كتاب سيد قطب المعنون «الاسلام ومشكلات الحضارة» (دار الشروق 1988، ص 110) حيث يقول «إن هذه الحضارة الحديثة - ولو أنها قامت ابتداء على أسس الاتجاهات التجريبية العلمية التى اقتبستها أوروبا من الأندلس ومن الشرق الإسلامي، النابعة ابتداء من التوجيهات القرآنية ومن روح الاسلام الواقعية إلا أنها حين انتقلت إلى أوروبا صادفت ذلك «الفصام النكد بين الدين والحضارة». وقد أسهب سيد قطب فى توضيح ذلك المصطلح فى كتابه المعنون «المستقبل لهذا الدين» (دار الشروق، 1989) ويقصد به عصر الاحياء وعصر التنوير وعصر الصناعة. وإذا كان «الفصام النكد» مرضاً عقلياً فمعنى ذلك أن أوروبا مريضة عقلياً ومن ثم ينبغى القضاء عليها وإعادة البشرية إلى عصر الزراعة أو عصر الصيد إن أمكن ولكن بهدف قنص الانسان وليس قنص الحيوان! هذه هى ورقة العمل التى قمت بتحريرها إلا أن الندوة لم تنعقد بل أُلغيت. والسؤال اذن: مَنْ الذى ألغاها؟ تساءلت وسألت ولكنى لم أعثر على جواب. لمزيد من مقالات مراد وهبة