عزز قرار جموع المصريين بالخروج فى 30 يونيو ثم التفويض، وما أعقب ذلك من استحقاقات انتخابية لخارطة الطريق ارتكاز تلك الخطوة التاريخية على رؤية شاملة تصدت للمخاطر الخارجية وللحصار الاقتصادى والتشويه الإعلامى بوحدة الصف الداخلى بجانب الحصافة السياسية ومناعة القوات المسلحة. وفى المقابل بنى الإخوان مخططهم وحساباتهم على امتلاكهم ميليشيات على الأرض، ومساندة الغرب وإسرائيل لهم ضد إرادة الشعب المصري، فواجهت القاهرة بالفعل إدانات، و«حظرا سياسيا» على حركة السياحة، وقطعا للمعونات، وابتزازا وصل إلى حد تجميد عضويتنا فى الاتحاد الأفريقي، والمطالبة بمحاكمة لقيادات مصرية تم بالفعل تجاهلها، فكيف تمت إدارة تلك الأزمات دبلوماسيا؟ وكيف اجتزنا معظم آثارها السلبية بأقل خسائر؟ تجاوزت مصر مخططات كبرى سعت لبث الفتنة الداخلية لإيجاد ذريعة لتصعيد تدريجى يقود لتدخل أجنبي، كما تجاوزت مخططات للإيقاع بين مصر والدول المساندة لها بزعم وجود تسريبات تتحدث عن تلك الدول باستخفاف، ثم انطلق مجموعة من النشطاء المصريين يهتفون «مصرية ..مصرية» فور وقوع «جريمة ريجيني»، واتهموا -بلا دليل- عناصر أمنية، فقط لإحراج الحكومة المصرية. بالنظر للملف الليبى سنجد أن الإرهابيين كادوا يقتلون قادة الجيش الليبى تباعا وهددوا مصر ذاتها على غرار سيناريو مماثل أيضا فى غزة، لكن بعد نجاح الشعب الليبى فى انتخاب ممثليه المعتدلين الأقرب للمواقف المصرية، وقد تم استهداف البؤر الإرهابية داخل ليبيا عندما دعت الحاجة إلى ذلك كدفاع شرعى عن النفس. وفيما له علاقة بالملف السورى نجد أن مصر 30 يونيو لم تنزلق إلى هذا المستنقع، ودعت مرارا إلى الحفاظ على الدولة السورية الموحدة. الملف الخاص بمياه النيل من القضايا الحساسة وقد تحركت فيه مصر بكل حنكة وحذر، ومنحت جهود تطبيق اتفاق إعلان المباديء فرصا للتطبيق، وفى نفس الوقت وطدت علاقاتها مع دول الجوار لإثيوبيا، وصعّدت مؤخرا من نبرة تصريحاتها حول حقوقنا فى ماء النيل بشكل مواز لزيارة هى الثانية من نوعها للرئيس عبد الفتاح السيسى لأوغندا خلال بضعة أشهر. والملفات السابقة جميعا تتداخل فيها أطراف إقليمية منها تركيا التى تم التعامل مع عدائياتها ضد مصر بحكمة، حيث عرضت على سبيل المثال استضافة فتح الله كولن فى مقابل احتضان تركيا لعناصر مصرية مطلوبة للعدالة، ومنها الجانب الإسرائيلى الذى قام بالتعاطى معه على عدة أسس منها: منح فرص لإبرام سلام مع الفلسطينيين، مع تأكيد أن التزامات مصر فى كامب ديفيد يجب ألا تمنعها أو تقيد حركتها فى مكافحة الإرهاب، وفى الوقت ذاته تأكيد أن السعى الإسرائيلى والمطالبة المستمرة لتل أبيب بخصوص التطبيع مع القاهرة لن تمر إلا من خلال بوابة رد حقوق الشعب الفلسطيني. أسلوب التصدى المصرى للجموح القطرى له دلالاته فالدوحة -ذات العلاقات الوطيدة مع إسرائيل- سعت للتدخل مؤخرا فى ملف مياه النيل بشكل فج، بعد أن كان التدخل من خلال قناة الجزيرة مباشر مصر (تم إغلاقها عام 2014)، تبنت الدول الخليجية الرؤية المصرية بدءا من 5 يونيو الماضي، مع منح مهلة أخيرة لتلبية المطالب المحددة. ويحسب ل30 يونيو أيضا التحركات المتوازنة فى اليمن، وفى التعامل مع السودان والتى عكست عدم رغبة فى فتح جبهات صدام كثيرة فى نفس الوقت والسعى للاحتواء مما أهلها لشغل مقعد فى مجلس الأمن لمدة عامين. الخلاصة هى أن مسيرة مصر 30 يونيو لم تكن سهلة وقد أدارت القاهرة سياساتها الخارجية باقتدار، نجحت فى 4 سنوات فى تجاوز الكثير من الأزمات،، وهناك إمكان لمزيد من التحسن على الصعيد الخارجى حينما يتحسن الاقتصاد المصرى ويزيد الإنتاج، ويتحد المصريون فى مواجهة الفساد، ودعاة الفتن والبلبلة. لمزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور;