إشتد الضغط العسكرى على تنظيم "داعش" بكل من العراقوسوريا وتناثرت "الأقاويل" حول مصرع زعيم التنظيم ذاته فى غارة روسية وقعت قبل نهاية شهر مايو 2017، ليبدأ المشهد فى التبدل على المستويين الميدانى والإستراتيجى. وكان لابد أن تتابع الأممالمتحدة بوجه عام ومجلس الأمن تحديدا التغيرات التى تجرى فى ميدان الصراع ضد تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات المسلحة المرتبطة به والتى تنشط فى أنحاء العالم. فقدم انطونيو جوتيريس أمين عام منظمة الأممالمتحدة تقريره الخامس عن التهديد الذى يشكله تنظيم "داعش" للسلام والأمن الدوليين خاصة بعد معلومات تشير إلى أن أبا بكر البغدادى أمر أتباعه فى وقت سابق بالسفر إلى ليبيا بدلا من سورياوالعراق. مرحلة تحول تناول التقرير حالة التحول التى يمر بها تنظيم "داعش" منذ مطلع عام 2016 وحتى نهاية شهر مايو2017. وأشار إلى تعرض "داعش" فى العراق والشام، لضغط عسكرى مستمر منذ يناير 2016، وإصابته بعدة انتكاسات فى سورياوالعراق. ولكن التنظيم ما برح يقاوم، لا سيما فى الموصل بالعراق، والرقة بسوريا. ونظرا للضغوط التى تعرض لها التنظيم تم الإنتقال إلى مرحلة جديدة منذ العام الماضى نظرا لتعقد الحالة العسكرية، حيث أعاد التنظيم هيكلة بنيته العسكرية، فنقل مسئولية صنع القرار إلى مستويات أدنى وعهد بها إلى القادة المحليين. وعقب الانتكاسات التى منى بها التنظيم فى منطقة النزاع، تم التركيز على تحويل التنظيم إلى مصدر "تمكين" و"إلهام" لمجموعة من الهجمات شنت خارج منطقة النزاع. وكدليل قاطع على وجود دعم خارجى للتنظيم المحاصر فى المنطقة تمت الإشارة إلى أنه تمكن رغم الضغط العسكرى المتواصل من تطوير قدرات أشبه ما تكون بالقدرات الصناعية لتجميع الأجهزة المتفجرة واستغلال عدد كبير من "الطائرات بدون طيار" البسيطة فى أغراض متنوعة منها الدعاية والاستطلاع وتوجيه النيران غير المباشرة وشن الهجمات الجوية!! والسؤال الذى لم يجب عنه التقرير هو :كيف ومتى وصل العتاد وتلك الطائرات ومن قبلها السيارات إلى تنظيم محاصر من تحالف دولى بقيادة أمريكا وتحالف إقليمى بزعامة روسيا بالإضافة إلى القوات الحكومية بكل من العراقوسوريا؟! وقد لوحظ أن تكرار الهزائم أدى إلى انخفاض شديد فى عدد مقاتلى التنظيم فى الأشهر الستة عشر الأخيرة، لتتراوح قوته البشرية بين 12 ألفا و 20 ألف مقاتل. كما تباطأ تدفق المقاتلين الأجانب القادمين إلى العراقوسوريا من مناطق عديدة. تقرير الأمم المتحد لم يغفل زيادة خطر التنظيم باستخدامه لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى ببراعة لنشر رسائل إلكترونية إلى جمهور دولى واسع. ولكن تم رصد تراجع حجم الأنشطة الدعائية للتنظيم فى الأشهر الستة عشر الأخيرة، وتحول مضمون الرسالة الدعائية العامة نحو التدليل على تحقيق التنظيم نجاحات فى "اشتباكاته" العسكرية بعد أن كان من قبل يسعى إلى ترسيخ انطباع يوحى "بإقامة دولة". وعلى الرغم من هذا التراجع على المستوى الدعائى، يكمن خطر تلك الرسائل فى قابليتها للإستمرار مع استمرار أنصار التنظيم الموجودين خارج مناطق النزاع فى جمعها وإعادة توزيعها. من الإقليمى إلى العالمى!! وألقى التقرير الضوء على التطور الذى طرأ على تهديدات تنظيم "داعش" على المستوى العالمى. حيث اشار إلى تراجع مستواها التنفيذى من هجمات معقدة ومتعددة الأهداف، مثل هجمات باريس وبروكسل التى اعدها أفراد أوفدهم التنظيم الرئيسى إلى أوروبا خصيصا، إلى هجمات أكثر بساطة. ومع ذلك، استخدم تنظيم "داعش" مواده الدعائية واتصالاته لتشجيع مناصريه فى أوروبا على شن هجمات فى البلدان التى يقيمون فيها، مما أدى إلى تنفيذ هجمات متعددة فى روسيا وألمانيا وبلجيكا وتركيا والسويد وفرنسا وبريطانيا وأيرلندا الشمالية. ونفذ العائدون بعض الهجمات، بينما اضطلع بالبعض الآخر أفراد محليين لم يسبق لهم السفر إلى مناطق النزاع، وتم فيها الإستناد إلى أسلوب "الأطراف المنفردة" الشهير إعلاميا بأسلوب "الذئاب المنفردة". وعلى الرغم من أن هذه الهجمات لم تتسم بالتعقيد إلا أنها أسفرت عن خسائر كبيرة فى الأرواح. وفى عدد من الحالات كان المنفذون قبل تنفيذ الهجمات، بل وفى أثنائها، على اتصال مباشر عبر شبكة الإنترنت بمسئولى "داعش" مستخدمين تطبيقات مشفرة. وعلى مستوى التوزيع الإقليمى والعالمى اشار التقرير إلى نشاط "داعش" فى عدد من المناطق والذى جاء كما يلى : 1 شمال أفريقيا: أفادت معلومات قدمتها إحدى الدول بأن أبا بكر البغدادى أمر أتباع التنظيم والمتعاطفين معه فى وقت سابق بالسفر إلى ليبيا بدلا من سورياوالعراق. وقد أثبتت الجماعات المنتسبة إلى "داعش" قدرتها على الصمود حتى الآن، وهى جماعات وصفها الأمين العام بأنها تشكل تهديداً خطيراً يراد به تأمين استمرار التنظيم فى ضوء الضغط المستمر الذى يتعرض له فى العراقوسوريا. وتمت الإشارة إلى ضعف التنظيم فى ليبيا بعد فقدانه جزءاً كبيراً من الأراضى التى كان يسيطر عليها. 2 غرب أفريقيا: أكدت عمليات الرصد إصطدام المساعى التى يبذلها "داعش" للتوسع فى المنطقة بالكيانات المنتسبة لتنظيم "القاعدة" هناك لا سيما منذ إعلان هذه الكيانات أخيرا اندماجها تحت راية جماعة جديدة باسم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين". وفى نيجيريا، بايع فصيل من بوكو حرام البغدادى وأعلن قيام "ولاية غرب أفريقيا التابعة للدولة الإسلامية". 3 شرق أفريقيا: ظهرت كيانات جديدة تنشط فى بونتلاند وأجزاء من جنوبالصومال وتدين بالولاء ل"داعش" وهى تشكل تهديدا يتجاوز أراضى الصومال التى توجد بها قواعدها ويصل إلى دول الجوار حيث تسعى الكيانات المذكورة إلى تجنيد المقاتلين وإنشاء القواعد وشن الهجمات عبر الحدود. وتم التحذير من أن "داعش" يخطط لتعزيز وجوده فى الصومال بالاستيلاء على الشبكات القائمة التابعة لحركة الشباب واجتذاب المزيد من المقاتلين. 4 اليمن: تأكد فشل "داعش" فى اليمن وبات يضم أقل من 500 مقاتل من مختلف المناطق ويشن هجمات مميتة ومكثفة ذات أبعاد متعددة تستهدف القوات الحكومية والحوثيين. ولكنه حاليا يواجه خطر الانقسام إلى جماعات فرعية، خاصة وأنه لم يكسب دعم القبائل على نحو يتيح له الحصول على الملاذ الآمن وسط المجتمع اليمنى. وحاليا يحاول تنظيم "داعش" التوسع عن طريق تشكيل خلايا منفصلة فى عموم شبه الجزيرة العربية، ودعوة المتعاطفين معه فى المنطقة إلى البقاء فى بلدانهم لتنفيذ هجمات إرهابية فيها. 5 أفغانستان: عندما بدأت الدوائر تضيق على "داعش" فى سورياوالعراق عام 2016 فإن قياداته حاولت تأسيس وجود له فى عدد من المناطق بأفغانستان. وحاليا ليس للتنظيم وجود ملحوظ إلا فى ثلاث مناطق من مقاطعة ننكرهار الواقعة على الحدود مع باكستان. وتتباين التقديرات بشأن قوام التنظيم فى أفغانستان، حيث يشير نظراء إلى عدد يتراوح بين ألفين وأربعة ألاف فرد وإن كان هذا الرقم قد تناقص بسبب العمليات التى نفذتها القوات الأفغانية والدولية. وحاليا تدور شكوك حول إتجاهه إلى شمال البلاد او إلى دول الجوار فى شمال افغانستان. 6 جنوب شرق آسيا: تصاعد خطر "داعش" فى المنطقة فى ظل تركيز اهتمامه، وأنشطته الدعائية، نحو المنطقة بصورة متزايدة تزامنت مع نشأة العديد من الجماعات الجديدة وأعادت جماعات سابقة على وجود التنظيم تصنيف نفسها معلنةً انتسابها له. وقد أعقب ذلك وقوع المزيد من الهجمات المرتبطة ب"داعش" فى الفلبين وماليزيا وإندونيسيا. أما الخطر الحقيقى فيتمثل فى إقدام المقاتلين الأجانب من أبناء جنوب شرق آسيا الموجودين فى سوريا أو العراق على تمويل ودعم الهجمات المنفذة فى بلدانهم الأصلية. وهكذا بدا من الواضح أن كيان "داعش" الآخذ فى التهاوى بكل من العراقوسوريا قد خطط منذ أكثر من عام لمد أذرعه والإنتقال إلى عدة مناطق بديلة فى العالم أملا فى عودته إلى الحياة بشكل جديد. ويؤكد ذلك أن الصراع ضد الإرهاب بوجه عام وضد "داعش" تحديدا لن تحسمه الإنتصارات العسكرية فى سورياوالعراق فقط بل ستحسمه جهود شاملة ذات أبعاد إقتصادية وفكرية وإجتماعية إلى جانب الجهود الأمنية المسلحة.