فى جلسة مغلقة لمجلس العلاقات الخارجية الامريكى مع وفد حزب الحرية والعدالة المحظور تصادف ان كان مقعدى الى جوار إليوت إبرامز الخبير الشهير وأحد صقور المحافظين الجدد وكنت قد تسللت للجلسة بدعوة من خبير بارز فى المجلس بعد ان أبديت رغبة فى معرفة ما يجرى فى كواليس اول زيارة لوفد الاخوان إلى واشنطن بحكم عملى مراسلا للأهرام وقتها.. المهم أن حديث شباب الإخوان ورسائلهم المحددة لصناع القرار الأمريكى قد راقت الى السيد «إبرامز»، فالتفت ناحيتى قائلا «رائع جدا» معلقا على عبارات شابة اخوانية كانت تتحدث عن تسليم قيادة الجماعة الى جيل شاب لا يحمل قدر التشدد ذاته فى التعامل مع الغرب- على حد قولها! تخيل، واحد من فريق وثيقة «مشروع القرن الامريكى الجديد» وهى الوثيقة التى دفعت أمريكا للحرب فى العراق يتحدث بإعجاب عن أفكار مزركشة خادعة من فريق الإخوان فى واشنطن فى زيارة أعقبها حصد البرلمان والرئاسة فى مصر وقد قابلت عبارته بدهشة وابتسامة خفيفة حتى لا أعلق بما لا يليق فى الجلسة. المشهد الثانى قبل أيام قليلة، يظهر اليوت ابرامز، الذى رفض الرئيس الامريكى دونالد ترامب توليه منصب نائب وزير الخارجية قبل شهرين، أمام لجنة فرعية للمخصصات بالكونجرس مهاجماً الحكومة المصرية بسبب رقم المساعدات المقدم الى القاهرة فى موازنة المساعدات الخارجية الامريكية قائلا ان وزن مصر قد تراجع فى منطقة الشرق الاوسط فلماذا ندفع اليوم اموالا، مشيرا الى ما قاله نائب الكونجرس «الراحل» توم لانتوس قبل 10 سنوات «هل تحتاج مصر الى دبابات أكثر أم إلى مدارس؟» وإلى جانب ابرامز، جلست ميشيل دن الخبيرة فى وقفية كارنيجى وأحد أشد خصوم ثورة 30 يونيو فى العاصمة الامريكية التى جل همها فتح المجال أمام تمويل المجتمع المدنى من خلال قنوات لا تمر عبر الحكومة المصرية وإقترحت سياسة جديدة تقوم على عدم تحديد رقم ثابت للمساعدات العسكرية وتقويم التهديدات الفعلية للمصالح الامريكية وللأمن فى مصر، ومنها وجود جماعات مسلحة فى سيناء والحدود مع غزة وليبيا، ثم جاء الدور على توم مالينوسكى مساعد وزير الخارجية الأمريكى الأسبق ليؤكد فكرة «إبرامز» أن واشنطن يجب أن تتعامل مع مصر «كما هى اليوم» حيث التحالفات الماضية تحتاج الى مراجعة وبالتالى لا ينبغى ان تحصل على نفس حجم المساعدات اليوم. إبرامز ودن ومالينوسكى يتحدثون لغة واحدة رغم اختلاف إنتماءاتهم الأيديولوجية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار حيث يرون أن وسيلة الضغط اليوم، بغض النظر عما تتعرض له مصر من مخاطر وتهديدات، هو التلويح بتقليص المساعدات العسكرية والاقتصادية ووضع مشروطية على الدعم الاقتصادى بحيث يفتح الباب لوضع جديد يتجاوز سياسات ترامب الحالية فى التهدئة مع مصر وبناء علاقة جديدة تقوم على التفاهم والحوار الاستراتيجى بين البلدين. من نصوص الشهادات الثلاث امام الكونجرس هناك جمل متطابقة تقول إن مصر تفعل القليل من أجل الاستقرار الاقليمي، كما لو كان عدم تورط مصر فى مغامرات عسكرية فى المنطقة العربية هو أمر يحسب ضدها وليس لها وربما يكون القصد هو أن تتورط مصر فيما لا ترغب فيه مثل العمليات العسكرية فى مناطق الصراعات الاقليمية وأن تنفذ أوامر بعينها حتى ترتفع وتيرة الفوضى الاقليمية! الغريب أن شخصيات مثل إبرامز ودن سبق لهما دعم الحرب ضد العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل وكان إبرامز فى طليعة ادارة جورج دبليو بوش فى إخفاقها العظيم فى غزو العراق واليوم يتحدث عن أسس جديدة للعلاقات مع بلد حذر من الفوضى الاقليمية واطلاق وحش الجماعات المتطرفة فى حال هدم دول قومية فى المنطقة. إبرامز انتقد بعنف إسقاط الإخوان فى ثورة شعبية عظيمة و«دن» فعلت المثل بدعوى حماية ما سمته بالتجربة الديمقراطية تحت حكم الجماعة ومرشدها، وكلاهما لم يتح لنفسه فرصة أن يتفهم ملابسات خروج شعب ضد جماعة لا تمارس الديمقراطية الإ فى الحوارات التجميلية مع النخب الغربية من أجل كسب الود ثم التأييد. بمعني، أن الشهادات السابقة كان يمكن أن تكون محايدة أو موضوعية لو كانت قد جاءت من شخصيات لا يحمل سجلها الهفوات السابقة. قبل شجب ما جرى فى الكونجرس، حيث الشجب لا يفيد غالبا، علينا أن نفهم كيف تم تصميم جلسة تجمع هؤلاء مع أغلبية جمهورية فى لجنة المخصصات بحيث يتم توصيل رسالة بعينها إلى البيت الأبيض تقول إن السياسة الحالية تجاه مصر لن تمر عبر الكونجرس وأن الأفضل التروى قبل إقامة علاقة وثيقة مع السلطة الحالية. هناك أحاديث فى واشنطن عن ظهور تيار «المحافظين الجدد» من جديد فى محاولة لتوجيه السياسة الخارجية وجهة جديدة بعد أن تبين أن الرئيس ترامب لا يملك سياسة متماسكة بالمعنى الحقيقي، وهو ما دفع باتريك بوكانين السياسى والمعلق الشهير إلى مهاجمة ما يحدث وقال «إن تخلى الرئيس ترامب على ما يبدو عن السياسة الخارجية الرافضة للتدخل الخارجى هو المفاجأة الكبيرة فى الأيام المائة الأولى، والأكثر إثارة للقلق. أى حرب جديدة يمكن أن تفسد ولاية ترامب وتستهلك رئاسته. فمن وراء تحول ترامب لتبنى أراء الصقور؟ إن الجنرالات، ونيتانياهو وصقور الكونجرس مع عقول الحرب الباردة، يفوزون بالمعركة على عقل الرئيس!». ووفقا لسوزان جلاسر من صحيفة بوليتيكو، فإن بول وولفويتز أحد مهندسى حرب العراق قد أطل برأسه مجددا فى عملية ضرب سوريا مؤخرا وقالت إن الفضل ينسب إليه فى هذا العمل. فى مقابلة معه توجه الكلام إليه: «بول، كنت قد قفزت مرة أخرى إلى ساحة المعركة، على ما يبدو بمنطق أن تأتى متأخرا خير من لاشئ، حيث يتعين آن يقوم دونالد ترامب بالمضى قدما والقيام بشيء ما فى سوريا، وقلت فى صحيفة وول ستريت جورنال إنه يجب التدخل عسكريا بطريقة ما للرد على ضربة الأسلحة الكيميائية. ربما، فاجأ ترامب الكثيرين فى العالم من خلال المضى قدما وأخذ نصيحتك والقيام بذلك!».. وولفويتز رد بتواضع وقال إنه ليس متأكدا من أن ترامب قد أخذ بنصيحته لكنه مسرور بما فعله لأنه يعنى عودة الولاياتالمتحدة إلى العمل. تطورات كثيرة فى واشنطن .. تنشد تغير توجهات كثيرة وبناء قواعد جديدة للاشتباك.. ومصالح مصر فى حوارات متعمقة مع كل الأطراف فى واشنطن بمن فيهم الصقور الجدد! [email protected] لمزيد من مقالات عزت ابراهيم;