على مر سنوات، أنفقت دول ومنظمات وأجهزة مخابرات ووسائل إعلام مليارات الدولارات من أجل الوصول إلى عنوان مثير ومفزع مثل «هروب جماعى للمسيحيين من شمال سيناء». وها قد تحقق الهدف، ولو جزئيا على أرض الواقع، وتركت عشرات الأسر «المصرية» منازلها وأراضيها فى شمال سيناء، أو فى منطقة العريش تحديدا، بعد تعرضها لتهديدات طائفية من جانب العناصر الإرهابية التى تبذل قصارى جهدها لتحقيق الهدف المرجو منها. ولهذا، كان من الطبيعى أن تستغل وسائل الإعلام الأجنبية المعادية لمصر الحوادث الصغيرة التى وقعت فى شمال سيناء، لتعمل على تضخيمها، وتحويلها إلى كارثة كبرى، إلى أن ثار الرعب بالفعل فى نفوس تلك الأسر القبطية، ونزح عدد كبير منها إلى الإسماعيلية وإلى محافظات أخرى فى مشهد أقلق جميع المصريين. ولعلنا نذكر جيدا أن الأوضاع فى شمال سيناء كانت عادية إلى حد كبير إلى أن بثت وكالة « رويترز» تقريرها الشهير الذى نقلت فيه حرفيا ما جاء فى بيان ما يسمى بتنظيم داعش عن بدء استهداف الأقباط، والذى كان بثه بمثابة كلمة السر، أو الشرارة الأولى، التى انطلقت بعدها جميع حوادث الاعتداء على الأسر القبطية فى شمال سيناء، والتى كان الإعلام الأجنبى متابعا وسباقا فى نشرها، وكأنها كانت أحداث منتظرة منذ زمن بعيد! وعلى الرغم من حق وسائل الإعلام الأجنبية فى الحديث عن «نزوح» للأسر القبطية من العريش، فإن الذى ليس من حقه هو الحديث على هذا «النزوح» على أنه هروب من سيناء بأكملها، دون الإشارة بأمانة ونزاهة إلى أن النازحين جاءوا من منطقة العريش وحدها. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الأجنبية لها الحق أيضا فى الحديث عن وجود تهديدات حقيقية يتعرض لها الأقباط فى شمال سيناء، فإن هذا لا يبرر تركيز التقارير الإعلامية على قضية الأقباط وحدهم، دون أن يكون هناك تركيز مماثل على فكرة أن الإرهاب يستهدف المصريين بأكملهم، مسلمين ومسيحيين معا، بدليل أن هناك أسر مصرية مسلمة أيضا تعرضت للتهديدات نفسها، بل ونزح عدد منها أيضا من شمال سيناء للسبب نفسه. بتاريخ 20 فبراير 2017، بثت شبكة سى إن إن الاخبارية الأمريكية خبرا بعنوان «فيديو منسوب لداعش يظهر شخصية الانتحارى المفترض بهجوم الكنيسة البطرسية»، حول بث تنظيم داعش تسجيل فيديو لشخص مقنع يدعى التنظيم الإرهابى مسئوليته عن الحادث المشار إليه، ويتوعد خلاله بتحرير سجناء التنظيمات الإرهابية المحتجزين فى مصر. وبثت وكالة « أسوشييتدبرس» التقرير نفسه، ولكن مع الإشارة إلى تهديدات التنظيم باستهداف المسيحيين فى مصر كلها، باعتبارهم «الفريسة المفضلة» للجماعة الإرهابية. كما بثت» أسوشييتدبرس « يوم 24 فبرايرالماضى تقريرا ساخنا بعنوان «المسيحيون يفرون من سيناء بعد استهداف المتشددين لهم»، وهنا تبدأ اللاموضوعية، إذ أن الإرهابيين صاروا مجرد «متشددين»، والمسيحيين صاروا يفرون من سيناء بأكملها، دون تحديد أى منطقة بالتحديد، مع تجاهل حقيقة أن التهديدات طالت المسيحيين وغير المسيحيين، وهو ما أكده البابا تواضرس نفسه فى تعليقه على تلك الأحداث المؤسفة. ولم تكتف أسوشييتدبرس بذلك، بل ونقلت تصريحات لمسئولى أمن زعمت أنهم «تحدثوا لها شريطة عدم نشر أسمائهم خشية انتقام المتشددين منهم» وتضمنت تفاصيل التهديدات التى تلقاها المسيحيون فى شمال سيناء ودفعتهم للرحيل تباعا. والطريف أنه فى غمرة هذه الإثارة، انفردت وكالة أسوشييتدبرس بالكشف عن قيام شبكة فوكس التليفزيونية الأمريكية بعرض لقطات عن هجوم إرهابى متصور وقوعه فى مصر، إلا أنه تبين فى وقت لاحق أن هذا الحادث سبق وأن وقع فى كينيا، وهو الحادث المأساوى الذى وقع فى مركز تجارى عام 2013، وأدى إلى مقتل 67 شخصا، وهو ما استوجب اعتذار مسئولى الشبكة عن هذا الخطأ، الذى كشف مدى «رغبة» الإعلام الأجنبى الكاره لمصر فى إشعال الأمور، وتفجير الموقف، حتى وإن كان ذلك باللجوء إلى وسائل غير أخلاقية، وكأننا نتحدث عن إرهاب سابق التجهيز!