جرت العادة في كثير من الدول عند تحديد بنود الإنفاق بالموازنة الحكومية, أن تبدأ مرحلة تحديد أولويات الإنفاق من القري, بحيث تتحدد حسب الإحتياجات من المرافق والخدمات الصحية والتعليمية وغير ذلك, ثم تتبلور الأولويات صعودا حسب كل مركز اداري, ثم الي المحافظة ثم الي المستوي المركزي لعموم البلاد. وهو أمر وعد بتنفيذه أكثر من وزير مالية قبل سنوات, خاصة مع وجود مراكز معلومات التنمية المحلية بالقري, التي ترصد بشكل دقيق كافة احتياجات القري والنجوع من كافة أنواع الخدمات, التي كثيرا ما تم ترجمتها في تقارير التنمية البشرية بالمحافظات. إلا أن وزير المالية عند وضع أولويات الموازنة يجد نفسه محاصرا بما يطلق عليه الحتميات, وأبرزها الأجور ومخصصات الدعم للسلع التموينية والمشتقات البترولية, وفوائد وأقساط الديون الداخلية والخارجية, وشراء مستلزمات سير دولاب العمل الحكومي, ليجد نفسه عاجزا عن تلبية الأولويات الحقيقية التي تحقق العدالة الاجتماعية في توزيع الخدمات. ومع وجود نحو650 جهة حكومية مكدسة بالموظفين, يتوزع قدر كبير من المصروفات علي تلك الجهات لتغطية أجور العاملين بها ومكافآتهم وبدلاتهم المتعددة الأشكال, ونفقات قياداتها من معاونين وسيارات وانتقالات وغير ذلك, ونفقات المباني التي تشغلها تلك الجهات من صيانة ومرافق ومستلزمات. وكانت هناك جهات محظوظة في توفير المخصصات من خلال رعاية قيادات نافذة لها, مثلما كان يحدث مع حرم الرئيس المخلوع, أو تابعة لوزراء كان لهم حظوة. وهكذا ورثنا أوضاعا مختلة في أولويات الإنفاق الحكومي تحتاج الي إعادة نظر, فمع كامل الاحترام لدور الأوبرا فلا يتسق مع أولويات التنمية أن تحصل دار الأوبرا وصندوق تمويلها, بموازنة العام المالي الجديد علي126 مليون جنيه, بينما حصلت اكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا علي123 مليون جنيه. كذلك تخصيص113 مليونا لأكاديمية الفنون مقابل107 ملايين لمركز بحوث الصحراء في ضوء فجوة غذائية طاحنة, وحصول استاد القاهرة علي49 مليون جنيه, مقابل أقل من14 مليونا لجهاز بناء وتنمية القرية المصرية. وحصول مكتبة الاسكندرية علي197 مليون جنيه مقابل188 مليونا للهيئة القومية لمحو الأمية. وبلوغ مصروفات الهيئة العامة للاستعلامات258 مليونا مقابل250 مليونا لهيئة الطاقة الذرية, وحصول المجلس القومي لحقوق الانسان علي أربعة عشر مليون جنيه, مقابل ثلاثة ملايين جنيه فقط لجهاز الصناعات الحرفية المعني بتطوير أكثر من مائة وعشرين حرفة وصنعة في أنحاء البلاد. ومن غير المعقول أن تزيد نفقات مجلس الشعب البالغة347 مليون جينه, عن مخصصات تطوير العشوائيات البالغة311 مليون جنيه. وكذلك نجد نفقات مرتفعة لبعض الجهات تحتاج الي تفسير, مثل بلوغ نفقات هيئة الأرصاد الجوية87 مليون جنيه, ونفقات دار الافتاء29 مليون جنيه. ومعهد التخطيط القومي28 مليونا, ومجمع اللغة العربية أكثر من عشرة ملايين والمجالس القومية المتخصصة سبعة ملايين, بينما يبلغ نصيب قطاع شئون الهجرة والمصريين بالخارج, أقل من ثلاثة ملايين جنيه وهو ما يوازي472 ألف دولار, وذلك لرعاية أكثر من سبعة ملايين مصري بالخارج, يقومون بتحويل أكثر من14 مليار دولار سنويا للداخل. كما يحتاج الأمر لدراسة امكانية دمج عدد من الجهات الحكومية لترشيد الإنفاق, ففيما يخص الصادرات هناك خمس جهات هي: هيئة الرقابة علي الصادرات والواردات ومركز تنمية الصادرات, وصندوق تنمية الصادرات ونقطة التجارة الدولية وقطاع التمثيل التجاري, والغريب أن الواقع يشهد إضافة جهات حكومية جديدة, حسب هوي الوزراء وليس ترشيدا لعددها. يقتضي الأمر أيضا قياس فاعلية النفقات لكثير من الجهات الحكومية, فكم يستفيد المجتمع عمليا ورقابيا من جهاز المحاسبات الذي سيحصل علي910 ملايين جنيه, أومن هيئة النيابة الإدارية التي ستحصل علي571 مليون جنيه. أو من هيئة الرقابة الإدارية التي ستحصل علي216 مليونا. أو مجلس الشوري البالغ نفقاته152 مليونا, أو هيئة قصور الثقافة البالغ نفقاتها382 مليون جنيه, وغير ذلك من جهات توفير البيانات. مما سبق يتضح إمكانية ترشيد كثير من أوجه الإنفاق الحكومي وبالتالي تقليل العجز بالموازنة, او إعادة توجيه أولويات الإنفاق بحيث تحصل المناطق المحرومة من الخدمات الأساسية, حتي يتحقق السلام الإجتماعي ونبدأ بالتدريج بالفعل في تنفيذ مشروع النهضة. المزيد من مقالات ممدوح الولى