يحتفل الشعب الأيرلندى فى دبلن بمرور مائة عام على ثورته على الاستعمار الانجليزى فى عام 1916 ، وذلك بعرض مجسد لأحداث تلك الثورة التى تقابل ثورة 1919فى مصر ضد المحتل نفسه فى مكتب عموم البريد فى مدينة»دبلن»التى صارت فيما بعد عاصمة جمهورية أيرلندا. وقد اختير هذا الموقع لاندلاع تلك الثورة أثناء عيد الفصح منذ مائة عام حيث كانت انجلترا منشغلة بأحداث الحرب العالمية الأولى ، خاصة أنه يقع فى وسط «دبلن»، فى الشارع الرئيسى بتلك المدينة الذى أطلق عليه اسم «أوكانيل»، أحد كبار المدافعين عن حقوق الأيرلنديين بالطرق القانونية بعيدا عن العنف الثورى الذى اتسمت به تلك الانتفاضة المستعرة على المحتل البريطانى . وقد كانت هذه الانتفاضة الثورية نتيجة لما أصاب الشعب الأيرلندى من خسائر فادحة فى الأرواح بسبب سياسة السوق الحرة التى انتهجتها بريطانيا، والتى أدت لوفاة ما يزيد على المليون أيرلندى فى منتصف القرن التاسع عشر، وهجرة ما لا يقل عن المليون مواطن من تلك الجزيرة حيث لجأ معظمهم إلى الولاياتالمتحدة بسبب فساد محصول البطاطس الذى كان يشكل الغذاءالأساسى للشعب الأيرلندى. هذا فى الوقت الذى كانت تشحن فيه المحاصيل الزراعية من الأراضى التابعة «للسادة» البريطانيين فى أيرلندا لتباع فى الأسواق الأوروبية، بينما كان الشعب الأيرلندى يتضور جوعا حتى الموت، وهو ما حدث مثله فى الهند تحت الاستعمار البريطانى البغيض، حيث أجبر المحتل الهنود على استهلاك المخزون من المحاصيل التى كان يحتفظ بها الشعب الهندى ليستعين بها على الحياة توقيا للسنوات العجاف فى محاصيله الزراعية. وقد ترتب على ذلك أنه حين جاء عام فسد فيه المحصول الزراعى فى الهند قضى جوعا ما لا يقل عن المليون مواطن هندى. لكنه على غير السبيل غير العنيف لمقاومة المحتل الذى سلكه غاندى فيما بعد، قامت ثورة شعبية فى أيرلندا سمتها العنف لتباغت المحتل البريطانى فى يوم عيد الفصح من عام 1916. وكان من بين قادة خيار المقاومة السلمية للمحتل البريطانى فى أيرلندا آنذاك «دى فاليرا» بتعطيش الفاء الذى ألف عنه الراحل فتحى رضوان كتابا بالعربية نظرا لتعاونه مع جماعة سعد زغلول التى كانت بدورها تسعى للحصول على الاستقلال عن المستعمر نفسه، ولكن عن طريق المفاوضات، وليس عن طريق ثورة الشعب المصرى فى 1919. وكما فشلت ثورتنا آنذاك فشلت أيضا الانتفاضة الثورية للشعب الأيرلندى فى عيد الفصح قبلها بثلاثة أعوام. لكن ما جاء بعدها من أحداث أدى بكل من مصر وأيرلندا للتخلص من المستعمر البريطانى، وإن أنجبت أيرلندا أهم الأدباء الناطقين بالانجليزية، لغة المستعمر التى صارت طاغية فى تلك الجزيرة، حيث لم يعد يتحدث اللغة الأيرلندية فى موطنها سوى خمسة بالمائة من سكان تلك الجمهورية، بينما يكاد أن يفهمها فقط، دون أن يتحدثها، خمس وعشرون بالمائة هناك. ومرجع ذلك ليس الاحتلال البريطانى وحده، وإن كان قد لعب دوره البغيض فى ذلك المضمار، وإنما كانت هناك أيضا هيمنة آليات السوق العالمية التى عصفت باللغة القومية لتحتل لغة ذلك المحتل والسوق العالمية معا مكانها. ولعل هذه هى الإشكالية اللغوية التى نجد لها نظيرا فى الهند على الرغم من التواجد العريض للغاتها القومية المختلفة ، كالبنجالية، والأوردية.. الخ، حيث صارت الانجليزية وسيلة لتوحيد التفاهم بين مختلف الثقافات فى تلك القارة مليارية السكان. أما بالنسبة للأيرلنديين فقد صار لهم لغة انجليزية متميزة عن تلك المنتشرة فى انجلترا، ناهيك عن الولاياتالمتحدة . وجدير بالذكر أن أشهر كتاب الانجليزية وشعرائها خاصة فى القرنين الأخيرين أنجبتهم أيرلندا وعلى رأسهم «برنارد شو» ( 1856-1950 ) ، و«وليام بتلر ييتس» ( 1865-1993) ، و«جيمس جويس» (1882-1941) ، و«صامويل بيكيت» . ( 1906 – 1989 ). وكان آخرهم «شيماس هينى» (1938 – 2013 ) الذى تعرفت عليه فى دبلن فى مطلع التسعينات قبل أن يحصل على جائزة نوبل فى الأدب فى عام 1995 كما التقيته هناك عدة مرات بعد حصوله على تلك الجائزة. وكان «شيماس هينى» يكتب بالانجليزية والأيرلندية -لغته الأم - معا . كما ترجم إلى الأيرلندية بعض قصائد مواطنته الشاعرة «نولا نى غونيل» التى ربطتنى صداقة بها وبأسرتها فى السنوات الأخيرة من القرن العشرين. وجدير بالذكر أن معظم هؤلاء الكتاب الأيرلنديين الكبار كانوا مناصرين لثورة الشعب الأيرلندى على المستعمر الانجليزى، بل انخرط بعضهم فيها مثل الكاتب المسرحى الأيرلندى الشهير «شون أوكيزى»..ومع ذلك فهل على الكتاب والفنانين أن يكفوا عن تحمل مسئوليتهم التاريخية ؟!