أيرلندا.. الحليف الثائر من حضن المستعمر القديم يكرهون التبعية ويرفضون تشبيههم بالإنجليز سعد زغلول خطط مع الجيش الأيرلندي معارك الاستقلال ملف التجربة الأيرلندية بعد الانهيار الاقتصادي بين أيدي القاهرة الطبيب والصياد المصري أهم أفراد الجالية المصرية وزير خارجية أيرلندا في القاهرة الأسبوع القادم لأول مرة بعد الثورات أيرلندا دولة غير أطلنطية تعارض التحالفات وتؤيد حقوق الفلسطينيين تدعم مصر في مكافحة الإرهاب ونزع أسلحة الدما ر خاص للتحرير- دبلن: وليم والاس أو القلب الشجاع هو النموذج الذي يرون أنفسهم فيه عندما يسترجعون كفاحهم للاستقلال وإنهاء عقود الاستعمار الإنجليزي، ورغم أنها ملحمة صورتها السينما الأمريكية للكفاح الأسكتلندي ضد الاحتلال الإنجليزي، لكن هكذا يتوحد الأيرلنديون ويتعاطفون مع كل الشعوب التي كافحت ضد الاستعمار البريطاني كما كافحوا هم وخاضوا حرب ال900 عام حتى نالوا استقلالهم عن التاج البريطاني عام 1932، كما فعلت مصر وكافحت لإنهاء الاحتلال الإنجليزي الذي جثم على صدر المصريين أكثر من 70 عامًا منذ 1882، وما زال شمال أيرلندا تحت الاحتلال البريطاني يُبقي ذكريات الكفاح حية في عيون وذاكرة الآباء ينقلونها للأبناء، وتستطيع أن تلمح نبرة الفخر في حديث الأيرلنديين وهم يصرون أنهم مختلفون عن الإنجليز في كل شيء، وبالفعل هم كذلك. في منزلها بدبلن كان لقاء سفيرة مصر بأيرلندا، سها جندي، مع الوفد الإعلامي المصري وتدفق الحوار والبحث عن إجابة لسؤال: ماذا تعني أيرلندا لمصر؟ وما أهمية مصر لأيرلندا؟ علاقة نمطية كلاسيكية أم علاقات مميزة واستثنائية وراء التمثيل الدبلوماسي العالي والنشاط المكثف الملحوظ للبعثة المصرية في المحافل الدولية التي تنعقد في العاصمة الأيرلندية. أجابت السفيرة: "ربما لا يعلم الكثيرون أن علاقات مصر وأيرلندا ترجع إلى عهد الزعيم سعد زغلول مطلع القرن العشرين عندما انطلقت حرب الجيش الجمهوري الأيرلندي ضد الحكومة البريطانية وقواتها في يناير 1919، وبالفعل التقى سعد زغلول مع الأيرلنديين لينسق جهود الكفاح للحصول على الاستقلال لمصر وأيرلندا اللتين كانتا محتلتين آنذاك، وامتدت العلاقات حتى بعد استقلال البلدين وبسبب سلسلة التاريخ المشترك للكفاح السلمي والمسلح من أجل الاستقلال احتفظت علاقات البلدين بسمة مميزة جعلت من أيرلندا حليفًا لا تتغير مواقفه الداعمة لقضايا التحرر في منطقتنا". وواصلت: "سلسلة الخروج ومكافحة الاحتلال المشتركة بيننا تؤدي إلى شكل من أشكال التفاهم والمودة والتاريخ المشترك والتفهم من جانب أيرلندا لمشكلات المنطقة وتجدهم من أكثر دول شمال أوروبا تفهمًا للقضية الفلسطينية وتدافع بشراسة عن حق الفلسطينيين في دولة مستقلة وتقرير المصير وتهاجم إسرائيل في المحافل الدولية". قبل أيام قليلة وفي دأب لتلخيص ما يحدث من خطوات متسارعة للنمو الاقتصادي في أيرلندا وإرسالها للقاهرة، قامت السفيرة بزيارة غرفة التجارة بمقاطعة Dundalk شمال غرب دبلن، والتي تعد من أكثر المناطق التي تشهد نموًّا اقتصاديًّا في أيرلندا، وذلك بهدف الترويج الاقتصادي لمصر ودعم الصادرات المصرية والعلاقات التجارية والاستثمارية بين مصر وأيرلندا، وقدمت شرحًا وافيًا حول ما يشهده الاقتصاد المصري من تطور وما يحمله من فرص واعدة وطرحت مشاريع قناة السويس والطاقة والتنمية أمام المستثمرين الأيرلنديين. الاستفادة من التجربة الأيرلندية وخبرتها الاقتصادية الرائدة محط نظر البعثة المصرية في دبلن، إذ إن أيرلندا تحولت على مدى 20 عامًا من أفقر دولة في الاتحاد الأوروبي إلى ثاني أغنى دولة على مستوى دخل الفرد حاليًّا بعد أن تحولت من مجتمع زراعي إلى بلد صناعي وتقدم بقوة في مجال تكنولوجيا المعلومات. تقول السفيرة سها جندي: "نتابع هذه التجربة ونرسل تقارير إلى مصر عن كيف خرجت من كساد كامل إلى أعلى نسبة نمو، وهنا أشير إلى أن سبب الكساد الاقتصادي تزامن مع الأزمة العالمية، التي سببها بالأساس النظام الائتماني في الولاياتالمتحدة، فعندما وقع اقتصاد الولاياتالمتحدة في الأزمة العالمية وقعت كل الاقتصادات المعتمدة عليه ومنها أيرلندا التي كانت وما زالت أمريكا أكبر شريك لها". وتواصل جندي موضحة سر استعادة الاقتصاد الأيرلندي قوته: "صحيح أن الولاياتالمتحدة ساعدت أيرلندا لتتجاوز الأزمة لكن الفضل الأكبر يعود للأيرلنديين أنفسهم، سياساتهم الذكية في الإصلاح من القوانين الاقتصادية وتحويل المناخ إلى جاذب للاستثمارات المباشرة، ولم يهتم بفرض ضرائب على الأرباح بل بالعكس قلصها إلى 0.01%، على الأرباح ومنح المستثمر الأرض بأقساط طويلة وسلسلة من الإجراءات والحوافز وتسهيلًا لإجراءات بلا حدود لتدوير العجلة". "ومع ذلك فإن العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين تذبذبت خلال العقد الماضي"، كما توضح جندي: "وتأثرت صعودًا وهبوطًا بأزمات طارئة مثل أزمة جنون البقر الذي دفع بمصر ضمن دول عديدة لوقف استيراد اللحوم ورؤوس الماشية الحية من أيرلندا سنوات طويلة فتقلص ذلك من حجم معاملات البلدين التجارية، ومؤخرًا تم رفع الحظر قبل شهرين بعد أن قامت بعثة من وزارة الصحة المصرية بزيارة المزارع هنا في أيرلندا والتأكد تمامًا من خلوها من الفيروس القاتل". وتشير جندي إلى أن حجم التبادل التجاري قل بدرجة ملحوظة من 300 مليون إلى 180 مليون دولار قائلة: "هذه لا تعد أرقامًا ضخمة هنا في أيرلندا مقارنة بحجم تعاملاتهم مع روسياوالصين بالمليارات، ومثلًا الصين -تلك الدولة بحجم قارة- تستورد ألبان الأطفال من أيرلندا". على المستوى السياسي تأثرت العلاقات بعد ثورات الربيع وما أعقبها من تغيير لنظم الحكم في مصر، وخلال حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس وزراء أيرلندا، ايندا كيني، وبحثا دفع مزيد من التعاون خاصة في مجالات التكنولوجيا والاتصالات إضافة لتشجيع العلاقات التجارية بين البلدين. كانت آخر زيارة على مستوى رؤساء بين البلدين التي قام بها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عام 2006 ضمن جولة أوروبية شملت فرنسا وألمانيا. توضح السفيرة جندي: "تغيير نظم الحكم في مصر أكثر من مرة خلال السنوات الخمس الماضية أثر سلبًا على حماس الأيرلنديين للتعاون، وهذه ظاهرة عامة عملت الدبلوماسية المصرية على تجاوزها، ومنذ عام هنا في أيرلندا يركزون على قضية متهم فيها مصري يحمل جنسية أيرلندية هو إبراهيم حلاوة، ويحاكم حاليًّا وتطالب أيرلندا بالإفراج عن الشاب بصفته مواطنًا إيرلنديًّا ونحاول نحن بدورنا توضيح أن القضاء مستقل، ولا تدخل في أعماله، لكن هناك تأثير لمثل هذه الحوادث الفردية". تدريجيًّا وفي سبتمبر ٢٠١٤، التقى سامح شكري، وزير الخارجية، بوزير خارجية أيرلندا، وبحثا سبل تطوير العلاقات الثنائية بين مصر وأيرلندا، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية وتشجيع القطاع الخاص في البلدين لزيادة استثماراته في مصر للاستفادة من فرص الاستثمار المتاحة والمشروعات الكبرى التي يجري تنفيذها. واصلت السفيرة جندي: "بالفعل استعدنا حميمية العلاقات على المستوى السياسي ففي هذه الزيارة طلب الوزير شكرى دعم أيرلندا ترشح مصر لعضوية مجلس الأمن عام ٢٠١٦ وحصلنا عليه فأيرلندا من أكثر دول أوروبا دعمًا لمصر على المستوى السياسي". وتوضح جندي خصوصية الوضع السياسي لأيرلندا قائلة: "أيرلندا دولة غير أطلنطية أي غير عضو في حلف الأطلنطي وتتبنى سياسة الحياد، ونتيجة خضوعها للاحتلال قرونًا فهي ضد الدخول في تحالفات وتدعم الجهود المصرية في ذلك الصدد". وعلى المستوي الأوروبي أيرلندا من الدول الداعمة لمصر داخل الاتحاد الأوروبي في مختلف أوجه القضايا التي تخص مصر وتناقش بين دول الاتحاد، وكذلك في مجلس الأمن وعمليات الإصلاح داخل الأممالمتحدة تدعم أيرلندا الموقف المصري. وكشفت السفيرة سها جندي عن زيارة مرتقبة لوزير خارجية أيرلندا، تشارلز فلانجين، لمصر الأسبوع المقبل لبحث مجالات تعاون اقتصادي وسياسي أوسع بعد فترة من الخمول أبرزها مكافحة الإرهاب وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والقضية الفلسطينية. وأكدت جندي أن المباحثات الثنائية سبقها جولات من المشاورات على مستوى مساعدي الوزير كان آخرها في فبراير الماضي خلال زيارة نيار بورجيس، سكرتير عام الخارجية الأيرلندية لمصر، حيث استقبله السفير حسام زكي، مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية، بمقر وزارة الخارجية، وتركزت مباحثاتهما على القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام. وذكرت: "الجالية المصرية في أيرلندا صغيرة لا تتجاوز 5 آلاف مصري لكنها تحظى بمكانة خاصة لدى حكومة دبلن، هنا في أيرلندا يقدرون المصريين في مهنتين بشكل خاص: الأطباء والصيادين. فالفئة الأولى يعتبرهم الأيرلنديون من أكفأ الأطباء الذين يعملون في بلادهم، وتقدرهم الحكومة بشكل خاص في التعامل، أما الصياد المصري فرغم أن كثيرين منهم له مشكلات بسبب عدم تقنين عمله ووضعه كعمالة ونعمل في السفارة على متابعتها وحلها مع الحكومة، لكن الصياد المصري في مجال الصيد وصناعاته هنا يعد من أكفأ الصيادين وأكثرهم طلبًا للعمل من الأيرلنديين بسبب كفاءته الشديدة ومهاراته دون أدوات مساعدة تكنولوجية، ومحافظته على أدوات الصيد وإصلاحها بنفسه، وهذا غير معتاد عليه هنا، كما أنهم بالطبع أقل أجورًا". أما السياحة التي تنظر إليها مصر كأحد أهم مواردها للدخل فربما لا تكون أيرلندا من الدول ذات الكثافة السكانية لكنها تملك خصوصيتين توضحهما السفيرة سها جندي: "أولا الأيرلنديون شعب يحب التنقل والسفر ومستوى المعيشة مرتفع، ثانيًا لديهم جالية خارج بلادهم أضعاف السكان داخلها تقدر بنحو ٧٥ مليون أيرلندي يستقرون في كندا وأستراليا والولاياتالمتحدة ويتنقلون باستمرار بين أيرلندا ومواطنهم ويمثلون كتلة اقتصادية مؤثرة". ونظرًا لعدم وجود مكاتب تمثيل مصرية في دبلن فإن السفارة تقوم بترويج المنتج السياحي المصري بين رجال الأعمال والمجتمع الأيرلندى من خلال برامج سياحية لمدة 10 أيام تم تنظيمها بالتعاون مع المكتب السياحي المصري في لندن وعدد من وكلاء السياحة في مصر وأيرلندا. "هناك مساحة واسعة للتعاون في مجال الطيران، فهناك اتفاقية نقل وخدمات جوية وقعت بالأحرف الأولى في أكتوبر 2004، وقعها نائب رئيس سلطة الطيران المدني المصري وتسمح بعدد من الرحلات المباشرة إضافة لخدمات أخرى لكن لم تدخل حيز النفاذ فلا توجد حتى الآن أي خطوط مباشرة". وتواصل موضحة في حماس لافت: "هذه أول اتفاقيه للطيران وتعطينا مساحه متميزة جدًا لأن أيرلندا اليوم غيرها قبل 10 سنوات فتحولت إلى أسرع اقتصاد ينمو في الاتحاد الأوروبي ليس فقط في منطقة اليورو، وهي الدولة الوحيدة المتحدثة باللغة الإنجليزية في منطقة اليورو، كما أنها تحولت للمقر الأوروبي لكل الشركات المتعددة الجنسيات على مستوى العالم". "فاتفاقية الخدمات الجوية عند تفعيلها ستدعم التجارة والسياحة بين البلدين وشركة الطيران الأيرلندية مستعدة للتشغيل مع مصر لكن السلطات هنا نصحت بالانتظار للتصديق على الاتفاقية وعدم المغامرة بتشغيل الخط الجوي مع مصر قبل ذلك، وهو ما ننتظر أن يتم التطرق إليه خلال الزيارة المرتقبة لوزير خارجية أيرلندا للقاهرة الأسبوع المقبل".