في احتفال مصر بذكري المولد النبوي الشريف منذ عامين، طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، المؤسسات الدينية بالعمل بكل جهد لتجديد الخطاب الديني، لحماية الشباب من التطرف، وتصحيح المفاهيم ومراعاة الوقع، ◄ د. بكر عوض : المؤتمرات تعقد دون إعداد علمي والتنافس سيد الموقف ◄ د. نجيب عوضين: الجامعات المدنية تزخر بعلماء أزهريين يتم تجاهلهم فهل استجابت المؤسسات الدينية الرسمية لهذه الدعوة بشكل علمي دقيق؟ وهل نجحت في تجديد الخطاب الديني؟ أو حتى وضعت خطة علمية للتجديد، وهل قامت هذه المؤسسات بعقد ورش عمل للكفاءات والعقول المستنيرة، من الأساتذة والعلماء بكليات أصول الدين والشريعة والدعوة؟ تصاعد وتيرة الإرهاب يشهد بأن هذا لم يتحقق على أرض الواقع! ولأنها قضية دين ووطن ومستقبل أمة، نناقش في هذه الحلقة من ملف: «صناعة الفكر المتطرف وآليات المواجهة» قضية تغييب الكفاءات والعقول المستنيرة علي الساحة الدينية، وبكل جرأة ومسئولية، نفتح هذا الملف، الذي يعد أحد الأسباب المباشرة في جمود الخطاب الديني، ولذا عرضنا القضية علي عدد من العلماء أبناء المؤسسة الأزهرية. في البداية يقول الدكتور بكر زكي عوض عميد كلية أصول الدين السابق بجامعة الأزهر، كم كرر الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، الدعوة إلي تجديد الخطاب الديني، وكنا نتوقع أن يُدعي أرباب الفكر وأصحاب العقول النيرة إلي المؤسسات الدينية الرسمية، لوضع تصور زمني عاجل وطرح رؤية مستقبلية يستشرفون من خلالها غدا أفضل لمسيرة الدعوة في مصر، وقد اعتادت الدول العربية والإسلامية أن تقلد مصر في مسيرتها الدعوية، إلا أن الواقع غير ذلك، فلم توجه المؤسسات الدينية دعوات رسمية إلي أي شخص مهتم أوله دور فى تجديد الخطاب الديني وتصحيح المفاهيم ومحاورة الجماهير، ولكن سمعنا عن مؤتمرات عٌقدت علي عجل دون إعداد أو ترتيب علمي أو منهج موضوعي، وإنما هو السبق بين المؤسسات من أجل تسليط الضوء وخطف الكاميرا. الغيرة والخوف ويضيف: وكان الأولي أن يُدعي أهل المدرسة العقلية، من أحفاد الدكتور محمد البهي في كليات أصول الدين، ومن أحفاد الشيخ شلتوت في كليات الشريعة، ومن أحفاد الدكتور محمد رجب البيومى في كليات اللغة العربية علي مستوى الجمهورية، ويلحق بهؤلاء أحفاد الدكتور عبد الغفار عزيز في كلية الدعوة الإٍسلامية، لتكون النهضة العلمية الدعوية، كما يريدها الله عز وجل، ويرضي عنها سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم، فهل تحقق هذا؟! يبدو أن الغيرة لها دورها، وربما يخشي كثير من الجالسين علي الكراسي، أن يظهر نجم هذا أو ذلك، وإن أُذن لها أن تظهر فإنه يقضي علي ظهورها في أسرع وقت ممكن، لأن الخوف علي الكرسي في بعض الأحيان أشد من الخوف من الله عند البعض، كما أن بطانة السوء تحذر أصحاب الصدارة من هذا أو ذاك، ونحن نسأل: ألم يكن رسول الله يستشير أصحابه؟، ألم يكن الصحابة يطرحون رأيهم علي الرسول الكريم، فيقبل الكثير منه كما حدث في بدر وأحد والخندق، فمن أعلم من رسول الله حتى ينفرد باتخاذ القرار وإصدار الأمر وإلزام الحاضرين بقوله؟! فمتى كان إقصاء الكفاءات خيرا؟ ومتى كان حجب المواهب وتأديب من يبدي رأيه فخرا؟ ومتى كانت إحالة ذوى الرأي للمحاكمات شرفا؟! ثقافة الوساطة والمحسوبية وفي سياق متصل يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إنه فيما يتصل بالإقصاء وتهميش الكفاءات، أو من لهم خبرة، فيعود إلي ثقافة العالم الثالث، فلغة المصالح للأسف هي السائدة، وثقافة الوساطة والمحسوبية، أدت إلي عدم استفادة أي مجتمع وأي دولة من الكفاءات، لكن هذا كله نبه عليه القرآن الكريم، فالله عز وجل أخبر أن أهل الكفاءة والاختصاص هم الذين يُعهد إليهم بدقائق أمور الدين، فقال تعالي:«وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْس وفي الواقع التطبيقي كان النبي صلي الله عليه وسلم، يختار أهل التخصص في العمل الديني والدعوي والبلاغي، وعلي سبيل المثال، فقد اختار علي بن أبي طالب رضي الله عنه في القضاء، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه في القراءات القرآنية، وأبا هريرة في الحديث، وعبد الله بن عباس في التفسير، وزيدا في المواريث، وكان يدقق في اختيار السفراء، وكان أيضا يدقق في أهل المشورة، ممن تتوافر فيهم العدالة والموضوعية والواقعية. ويشير إلي أن هناك علماء سواء في جامعة الأزهر، أو هيئاته الأخرى، مشهودا لهم بالكفاءة، لكن هناك حواجز بين هؤلاء الأعلام وهم كثر وبين صناع القرار، سواء في المجال التعليم الديني الأزهري، أو في المجال الدعوي بالأوقاف، والغريب والعجيب أن دولا تنتفع بعطاء وخبرة هؤلاء المبعدين، بينما تُحرم مصر من عطاء هؤلاء. نصح وليس هجوما وأضاف: إذا كان هناك عالم غيور علي تجديد الخطاب الديني، ووجد الأبواب موصدة، فلجأ إلي التنبيه عبر وسائل الإعلام، فهل يُرحب به أم يُعاقب؟ وإذا كان داعية لديه غيرة محمودة علي سلامة وجودة الأداء الدعوي وفعل الشيء نفسه، هل يُبحث عنه أم يصر علي الاستبعاد؟ ولقد كان كثير من أئمة الأزهر يرحبون ويقربون إليهم أهل الكفاءة، وعلي سبيل المثال حينما تم اكتشاف الموهبة عند الإمام الراحل الشيخ الشعراوى، أصروا علي أن يكون مديرا لمكتب الإمام الأكبر في ذلك الوقت، وغيره كثيرون، وعلي هذا الدرب كانوا يبحثون عن أهل الكفاءة، لكن حينما تكون الأمور بمثابة المجاملات، فان الأعمال لن تغير من واقع مترد شيئا، ويجب تفعيل النصح واحترام الدستور، الذي نص علي حرية الرأي والفكر، ويجب علي أجهزة الدولة، الإفادة من هؤلاء الأعلام، لأن مواقفهم ليست موجهة للمؤسسات بذاتها، سواء الأزهر أو الأوقاف أو دار الإفتاء، لكن هذه المواقف موجهة إلى المصلحة العامة. تقديم الكفاءات ضرورة من جانبه يقول الدكتور محمد نجيب عوضين أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، إن أصحاب الخبرة والكفاءات غابوا عن الساحة تماما، لعدم وجود من يساندهم في القنوات الخاصة أو في البرامج التليفزيونية الرسمية، وتحرم مناقشات وورش الإصلاح من هؤلاء، ولعل ما يؤكد هذا أن هناك مشروعات للقوانين مست الحاجة لوجود هؤلاء العلماء المتخصصين، كقوانين الأحوال الشخصية التي نسمع عنها في هذه الأيام، ونجد أن الاختيار لمن يمثل الجانب الديني هم الوجوه نفسها التي تتحدث في أي قضية، دون وجود للعلماء المتخصصين من أهل الخبرة والكفاءة، لكنهم يتعففون حتى لا يقال إنهم أصحاب مصلحة، مع أنه من واجب الفرض العيني وليس الكفاية، أن يكون هناك دور واضح وحقيقي لهؤلاء العلماء المتخصصين. المتاجرة بالزى الأزهري ويشير الدكتور عوضين، إلي أن هناك ندوات ومؤتمرات تعقد بالمؤسسات الدينية الرسمية، وتتجاهل تماما أبناء الأزهر، الذين هم بمنزلة السفراء في الجامعات المدنية والجهات الدينية غير التابعة لهم، فلا يكون لهم أي مكان ولا يستمع أحد لرأيهم، بالرغم من ممارستهم لهذه التجربة بكفاءة، ولهم مؤلفات علمية بارزة ودور دعوي، ويتعاملون مع أعداد من الطلاب، أضعاف ما يقوم به الموجودون في المؤسسات الدينية، بل وصل الأمر في التمييز في الاختيار، أن العالم الأزهري الذي درس طوال حياته بالأزهر، إذا كان يعمل خارج الأزهر في مؤسسة أو جامعة مدنية، ليس من حقه أن يشارك في مجال التنوير أو تجديد الخطاب، في الوقت الذي وصل فيه الأمر للمظهر الخارجي، وتحول كثير من العلماء الراغبين في الظهور لارتداء الزى الأزهري، بعد أن كانوا يرتدون زيا مدنيا، لمجرد حاجتهم للظهور في المؤسسات الدينية. التضييق الإعلامى ويضيف: ويظهر ذلك أيضا في عدم الاستعانة بهذه الكفاءات ذات الخبرة والعلم، في ممارسة إدارة شئون الدعوة والقضايا الدينية، لاعتقاد المنظمين أن هؤلاء ليسوا من المشاهير، وعلي سبيل المثال، هناك كفاءات علمية نادرة لعلماء الدين المتخصصين، يعملون في جميع الكليات بالأزهر وفي الجامعات المدنية، وفي أقسام الشريعة بكليات دار العلوم والحقوق والآداب، وهؤلاء لا يتم الاستفادة منهم، ويظهر واضحا في اختيار من يتحدثون في البرامج الدينية اليومية، وأيضا في خطب الجمعة، وقصر هؤلاء المتحدثين علي مجموعة من الشباب ليست لديهم الخبرة الكافية، ولا الدراسات العميقة، وبالتالي نصطدم بالآراء التي تصدر منهم بحجة الاكتفاء بهم، تفاديا للآراء العلمية التي قد تصدر من العلماء المتخصصين، والمسألة ليست غريبة، فهناك كشوف بأسماء العلماء الذين لا ينبغي التعامل معهم في هذه البرامج، وعرض الأسماء المقترحة علي المسئولين إداريا لكي يقبلوا هذه الأسماء أو يرفضوها، حتى في خطبة الجمعة وغير ذلك من المناسبات الدينية.