بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة

القيادات الامريكية المختلفة تنحاز لعسكرة ادارة العلاقات الدولية

بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وصعود أصوات الحركات الفاشستية فى أوروبا، يمثل انتخاب ترامب معلما بارزا يثبت واقع الانفجار السارى لنظام النيوليبرالية المعولمة.
ويحدث ذلك فى قلب المنظومة، أى فى الولايات المتحدة وأوروبا. وكان انتصار اليسار فى اليونان تحت راية حزب سيريزا وصعود أصوات بوديموس فى إسبانيا يمثلان ايضا معلمين واضحين لحقيقة هذا الواقع. ولو أن هذين الحادثين قد انخرطا فى تطلع نقدى، على خلاف ماهو عليه الأمر بالنسبة إلى المؤشرات السابقة الذكر.
وسيواصل هذا التطور مسيرته، حيث إن التغلب على عوامل تفكك نمط النظام السائد عالميا منذ أربعة عقود أصبح أمرا مستحيلا. ولن تتيح محاولات «إصلاح» النظام حظوظا لاستمرار تماسكه. فهو نظام كنت أراه دائما غير قابل للدوام أصلا.
ليس تفجر النظام النيوليبرالى مرادفا لتتقدم فى سبيل بناء بديل أفضل. فليس هناك تزامن تلقائى بين أفول الرأسمالية «خريفها» و«ربيع الشعوب» كما يقال. بل هناك مسافة زمنية تفصل الظاهرتين، وهى حقبة تحمل فى طياتها مخاطر صارمة. بيد أن التفجر الجارى يمثل فى حد ذاته ولأنه لا يمكن تجنبه فرصة تاريخية للشعوب حيث إنه يفتح الأبواب على تقدمات ممكنة نحو بناء بديل حقيقى على الصعيدين الوطنى والعالمى. والمقصود: أولاً على صعيد إدارة الاقتصاد الوطنى بإبطال قواعد الليبرالية لمصلحة مشروعات وطنية شعبية تعمل حقًا من أجل التقدم الاجتماعى؛ وثانيا على المستوى العالمى بالتوجه نحو نمط عولمة قائمة على مفاوضات حقيقية تتيح إقامة نظام متعدد القطبية.
بيد أن التقدم على هذين المستويين الموازيين يتطلب من قوى اليسار إثبات القدرة على رسم استراتيجيات فعالة، كما يفترض قدرة هذا اليسار الجذرى على تعبئة القوى الشعبية وتنظيمها فى جبهة موحدة الاهداف. علما بأن هذه الشروط غير متوافرة الى الآن للأسف كما توضحه فى الغرب ردات حزب سيريزا فى اليونان، والالتباس الذى يحيط بالاستفتاء البريطانى والانتخابات الإمبريالية وخجل ورثاء الشيوعية الاوروبية.
«2»
يقوم النظام السائد فى بلدان الثلاثية الإمبريالية على أساس انفراد الاوليجاركيات المالية الوطنية فى مزاولة حكمها المطلق. فهى تدير المنظومات الانتاجية فى كليتها بعد أن خفضت مقام صغار ومتوسطى المنتجين إلى وضع المنتج من الباطن لمصلحتها. كما تتحكم هذه الاوليجاركيات فى إدارة السياسة بعد أن تم تدجين الأحزاب السياسية اليمينية واليسارية، وإن كانت ممارسة الديمقراطية الانتخابية قد أخذت تفقد مصداقيتها. وأخيرا بسطت تلك الأوليجاركيات رقابتها على وسائل الإعلام التى صار مديروها فى مقام إكليريوس فى خدمة الأرستقراطية المالية.
ولم تعارض الحركات الاجتماعية النشطة إلى الآن هذه المواقع التى تضمن استمرار انفراد حكم الأوليجاركيات، لاسيما فى الولايات المتحدة.
كما أن أوليجاركيات الثلاثية الامبريالية تسعى أيضا إلى إبقائها فى موقع احتكار السلطة على صعيد عالمى. وذلك من خلال نمط العولمة الليبرالية وانفرادها فى تحديد شروطه.
بيد أن هذه الممارسات تصطدم هنا بمقاومة أقوى مما هى عليه فى مراكز النظام. فإذا كانت أضرار هذا النمط من العولمة ظاهرة فى المراكز، فإن أضراره مضاعفة فى بلدان التخوم. حتى صارت نظم الحكم فى كثير من الاحوال فاقدة مشروعيتها فى نظر شعوبها. وبالتالى صارت غير جديرة بالثقة من وجهة نظر أسياد النظام العالمى. الأمر الذى يؤدى بدوره إلى عسكرة ادارة السياسة الدولية وانتزاع الإمبريالية لنفسها «حق» التدخل فى شئون بلدان الجنوب، بما فيه أشكاله العسكرية إن لزم الامر. وتصير هذه الاوليجاركيات كيانات لها طابع «الصقور» كما يحتل حلف الناتو أداتها العسكرية مكانة الصدارة بين المؤسسات التى انشأتها الإمبريالية لادارة الكوكب.
والدليل على ذلك قائم. ففى خلال زيارته لأوربا «نوفمبر 2016» ركز الرئيس أوباما على مصدر اضطراب القارة، ألا وهو احتمال تراجع واشنطن فيما يتعلق بدور القائد لحلف ناتو. فلم يخص الأمر احتمال إعلان «استقلال اوروبا» من طرف السيد الامريكى، وهو استقلال لا تدعو إليه حكومات الحلفاء الاوروبيين التابعين! بل على عكس ذلك تكريس استمرار قيادة واشنطن دون مشاركة.
بالطبع لم يصف أوباما دور ناتو العدائى الحقيقى، فكرر الخطاب المعروف حول وظيفته زالدفاعيةس المزعومة. الدفاع ضد من؟
اولاً: ضد مشروعات روسيا التوسعية التى لا تمل وسائل الاعلام الغربية من تكرارها. الحقيقة مختلفة تماما. فقد عبر الرئيس بوتين فقط عن رفضه المشروع تمام المشروعية للانقلاب الاوروبى النازى فى أوكرانيا واستيلاء عصبة مجرمين على زمام الحكم فى جورجيا.
ثانيا: ضد «الإرهاب» الذى تقوم به المنظمات الجهادية باسم الإسلام. بيد أن مسئولية الغرب لا تُذكر فى هذا الصدد، حيث إن الغرب هو من ساند نشأة هذه المنظمات الارهابية واستمر فى مساندتها. وقد اعترفت الصحافة الامريكية بصدق حديث ترامب الذى اتهم هيلارى كلينتون بأنها قد شاركت مشاركة حاسمة فى تأسيس داعش.
وبهذا الصدد لا بد أن نلفت النظر إلى أن هذه الحركات تخدم تماما أهداف الامبريالية. فهى من جانب تحقق تدمير كيانات الدولة والمجتمع فى البلدان المسلمة المعنية تدميرا شاملاً ما يجعلها عاجزة تماما عن أن تصبح فى المستقبل فاعلا فى العالم المعاصر.
من الجانب الآخر توفر ممارساتها المبرر للتدخل الإمبريالى حتى يصير خطاب السلطة الغربية فى هذا المضمار مقنعا لدى الرأى العام عندها.
أضيف أن خطاب الناتو عن دوره فى نشر الديمقراطية صار مهزلة فى مواجهة حقيقة الأمور.
«3»
فى هذه الظروف يمثل سقوط هيلارى أكثر من انتصار ترامب خبرا سعيدا، إذ إنه يشير إلى تراجع مشروع مجموعة «صقور» الأكثر شراسة.
هل يمكن تصور أن الرئيس ترامب يفتح سبيلا جديدا مختلفا على صعيد إدارة شئون الولايات المتحدة الداخلية من جانب، وممارسات واشنطن فى الفضاء الدولى من الجانب الآخر؟
أزعم أن هذا الاحتمال قائم ولكن فى حدود ضيقة، بحيث إن السياسة الجديدة المتوقعة لن تختلف من حيث الجوهر عما هى عليه إلى الآن. وذلك لأسباب عديدة.
أولاً : لأن الرأى العام الامريكى لا يطالب بمثل هذا الانقلاب. فلا يختلف التياران الممثلان فى السلطة فى أغلب المواقف التى يتخذانها، عدا مجالات ذات ثانوية. فقد تختلف هذه الآراء فيما يخص بعض المجالات المجتمعية «مثل موقفها من قضايا المرأة أو العنصرية». بيد أن الحزبين الجمهورى الديمقراطى يتفقان فى احترامهما دون تحفظ للمبادئ الأساسية التى تقوم عليها بنية الرأسمالية الامريكية، وبصفة خاصة منح الملكية الخاصة «بما فيه ملكية الاحتكارات العملاقة» طابعا مقدسا. فلم يمثل كون شخص ترامب نفسه مليارديرا عائقا فى سبيل انتخابه، بل كان عنصرا لصالحه. ولم تذكر فى الحملة الانتخابية تلك السياسات الليبرالية بسوء وهى سبب المشاكل التى تعانى منها جماهير الكادحين!
ثانيا : لم يمس الجدال مجال السياسة الخارجية، عدا فى صورة لمحات ظرفية سريعة ومحدودة الوقع. فالجماهير المعبأة فى مظاهرات ضد ترامب بعد انتخابه تؤكد معارضتها مواقف الرئيس المنتخب تجاه قضايا المرأة والعنصرية والأقليات. ولكنها ظلت صامتة عندما اتخذت ادارة اوباما وهيلارى مبادرات عسكرية مدمرة حتى صار ضحاياها بالملايين من البشر فى بلدان الجنوب المستهدفة. فالرأى العام الأمريكى لا يهمه الجرائم المرتكبة باسمه خارج حدود الولايات المتحدة.
كانت حملة ساندرس الانتخابية قد أثارت آمالاً عظيمة، حيث تجرأ بطرح تطلع اشتراكى علما بأن الكلمة تكاد تكون مرادفة للشيطان فى لغة الحزبين الديمقراطى والجمهورى. فكان هناك إذن احتمال البدء فى تسييس الجدال الأمريكى، وهو أمر ليس أقل أو أكثر صعوبة مما هو عليه فى بلدان العالم. لذلك فإن تراجع ساندرس وانحيازه لصف هيلارى مثل تطورا مؤسفا.
وبغض النظر عن الرأى العام فإن الطبقة الحاكمة الأمريكية لا تفكر مطلقًا فى رأيى فى التنازل عن الأهداف المعتمدة منذ إقامة حلف الناتو قبل 70 عاما والتى تبغى استمرار انفرادها بالسيادة على صعيد الكوكب.
يقال عادة إن أجهزة الحزبين الديمقراطى والجمهورى تضم فى صفوفها «حمائم» و«بصقورا». بيد أن توصيف «الحمائم» مبالغ فى أمره. حيث تنحاز جميع القيادات الأمريكية لممارسات ذات طابع صقورى. بمعنى أنها تتبنى نفس المشروع، ألا وهو ضمان انفراد السيادة الأمريكية، وبالتالى عسكرة إدارة العلاقات الدولية. بيد أن االحمائمب فى حقيقة الأمر هم أولئك الذين يفكرون أكثر من غيرهم قبل الدخول فى مؤامرة جديدة، فيعملون حسابا للكلفة وحظوظ النجاح أو الفشل لا أكثر.
يجب إذن ألا نجتر آمالا مبالغا فيها. على أن هناك فرصة قائمة تتمثل فى استغلال الشرخ فى بنية السياسة الأمريكية، والذى يمنح حظا أكبر لتقدمات نحو إصلاح العولمة على أسس تحترم سيادة الدول والشعوب ومقتضيات ضمان السلم.
وعند هذه النقطة يصبح ضروريا لفت الانظار الى الملتبسات بل التناقضات فى اقوال ترامب بما يخص مستقبل سياسته الخارجية.
فمن جانب يميل الرئيس المنتخب الى تفهم مشروعية مخاوف بوتين إزاء مشروعات الناتو العدائية فى أوكرانيا وجورجيا، كما اعترف بأن روسيا تحارب بالفعل الإرهاب الجهادى فى سوريا. ولكن من الجانب الأخر أظهر ترامب نفورا ازاء ايران وهددها بإنهاء اتفاقية لوزان بخصوص المسألة النووية. كما أننا لسنا على علم بما هى رؤية ترامب نحو اسرائيل. هل سيتبع منهج المساندة بلا قيد ولا شرط على نمط ماهو عليه إلى الآن؟ أم سينظر فى وسائل من شأنها أن تخفف شراسة هذه المساندة؟
«4»
يجد انتصار ترامب مكانه فى إطار مجموعة المعالم التى تشير الى تفاقم أزمة النظام العالمى الجارية والمستمرة. فلبعض ردود الفعل فى مواجهة الازمة طابع محافظ، بمعنى أنها لا تنازع مواقف الطبقة الحاكمة، فهى ردود فعل نابعة من داخل فئات من هذه الطبقة بعينها، وليس من ضحايا النظام. ومنها خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبى وانتخاب ترامب وصعود أصوات الفاشست فى أوروبا. وتستهدف هذه الردود إخضاع الطبقات الشعبية بالاستناد الى مناظرات قذرة اخلاقيا مثل تعبئة شعور العنصرية وكراهية الأجانب، وذلك حتى تتجنب فتح الجدل حول القضايا الصحيحة التى تعانيها طبقات الشعب.
على سبيل المثال لم تنازع حملة الاستفتاء البريطانى جوهر خيارات بريطانيا فى مجال إدارة الاقتصاد الليبرالى واستمرار ممارساتها الامبريالية. بيد أن الخروج من الاتحاد الاوروبى يفتح لبريطانيا هامشا للتحرك الحر فى إدارتها للعلاقات الدولية. بعبارة اخرى: ما يشير إليه هذا الخيار ليس إلاّ دليلا على رفض بريطانيا لمشروع «أوروبا الألمانية». وفى رأيى أن هذا الوجه من الإشكالية يعد مكسبا ايجابيا.
كذلك تتموضع الحركات الفاشستية فى أقصى اليمين. فلا تنازع سيادة الأوليجاركيات المالية الحاكمة، بل تقدم نفسها على أنها قادرة على خدمة هذه السيادة بفاعلية تفوق ماهى عليه بالنسبة للقوى والأحزاب السياسية الأخرى. ولذلك تستند هذه الحركات على وسائل ديماجوجية قذرة من أجل إخضاع الجماهير وإقصائها عن الجدال فى قضاياها الصحيحة.
يجد انتصار ترامب مكانه فى هذا التطلع. فله طابع محافظ وكاذب، ولجوؤه الى «الوطنية» المزعومة يساعد الهدف تماما، وهو استمرار سيادة الولايات المتحدة على الصعيد العالمى.
هل يمكننا تصور اتخاذ ترامب بعض المبادرات التى من شأنها أن «تحمى» مصالح أمريكا فى مواجهة المنافسة الدولية المفتوحة؟ أزعم أن هذا الخيار محتمل. بيد أن جميع الحكومات الامريكية قد سبق لها اتخاذ مبادرات مماثلة، وذلك دون إعلان. فقد فرضت الولايات المتحدة قراراتها من طرف واحد على شركائها، وذلك دون منح الحق لهؤلاء بالرد بالمثل.
يبدو من أقوال ترامب أن الإجراءات التى يفكر فيها تستهدف الصين بالدرجة الأولى. علما بأن أوباما وهيلارى قد سبقا ترامب فى إعلانهما معاداة الصين. وذلك من خلال قرارهما بنقل مركز ثقل القوات الأمريكية من الشرق الأدنى إلى شرق آسيا. فلهذه المعاداة وجهة عسكرية إلى جانب وجهتها الاقتصادية. بيد أن الصين قادرة على إبطال فعل المشروع بأن تعيد توجه تنميتها نحو الداخل والبحث عن شركاء آخرين فى الجنوب يحلون محل دول الغرب المتقدمة. وأزعم أن لرد فعل كهذا جانبه التقدمى المأمول.
هل يمكننا تصور اتخاذ ترامب مبادرة جريئة بإلغاء معاهدة السوق المشتركة لأمريكا الشمالية كما ألمح فى خطبه الانتخابية؟ أزعم أنه لو صدرت مبادرة كهذه فإنها ستكون فى صالح شعبى المكسيك وكندا! لأن هذا الإجراء يمنح الاستقلال لهاتين الدولتين ويفتح لشعوبها سبيل التوجه نحو تطوير مشروع وطنى شعبى يستحيل تحقيقه فى إطار اتفاقية النفتا «NAFTA».
وماهى النتائج التى قد تترتب على موقف ترامب من الاتفاقية العالمية الخاصة بتغيير مناخ الكوكب؟ علما بأن ترامب قد أظهر نفوره من هذه الاتفاقية. أزعم أن هذا السؤال ليست له تلك الأهمية التى يعلقها أصحاب الفكرة الأكثر تحمسا. ذلك لأن الاتفاقية ستظل فى جميع الأحوال حبرا على ورق، حيث إن الدول الغنية لن تفى بالمطلوب منها ماليا لترجمة الرغبات إلى واقع.
هناك رموز أخرى تشير إلى أن المنظومة الليبرالية المعولمة آخذة فى الأفول. وأقصد ما حدث فى قلب النظام من انتصار حزب سيريزا فى اليونان وصعود بوديموس فى اسبانيا. كما أقصد تطورات عديدة حدثت وتحدث فى تخوم النظام لاسيما فى أمريكا اللاتينية وفى شرق وجنوب آسيا.
لم يحقق انتصار سيريزا أهدافه وهى رفع إجراءات التقشف الدائم المفروض على اليونان من قبل الاتحاد الأوروبى. ويرجع الفشل إلى أن الرأى العام اليونانى يجمع معا ميولاً متناقضة. فمن جانب يدين سياسة التقشف، ولكنه من الجانب الآخر لا يزال يحمل آمالا فى إمكانية تطوير مؤسسات أوروبا نحو الأفضل. وهى آمال غير واقعية فى رأيى.
يختلف الأمر بالنسبة إلى التقدمات التى أُنجِزت فى بعض بلدان أمريكا الجنوبية، بالرغم من حدودها. ففى العديد من أقطار امريكا الجنوبية، حققت حركات اجتماعية تقدمية صاعدة إنجازات بارزة للعيان خلال العقد الأول من القرن الحالى، حتى أنها استطاعت الانتصار فى الانتخابات وتولى مسئولية ادارة الحكومة، الأمر الذى غذى بدوره آمالاً عظيمة. بيد أن اتجاه التطور اللاحق خلال السنوات الأخيرة قد انقلب. فنجحت كتل اجتماعية رجعية فى مبادراتها وفرضت ردات ظاهرة، لاسيما فى فنزويلا والبرازيل.
يبدو لى ان السبب الذى يفسر انقلاب الأمور هو ان الحركات التقدمية المعنية قد أخطأت فى تقييمها لواقع قناعات الفئات الوسطى. فلم تدرك أن هذه الفئات قد اتخذت على الدوام مواقف رجعية، فلم تقبل يوما ما مشاركة الطبقات الشعبية فى ثمار التنمية. وظلت تفضل نمط التبعية الذى يضمن لها الانفراد فى الاستفادة من ثماره، ولو أن هذا النمط هو بعينه المسبب فى استمرار عملية إفقار أغلبية الشعب.
لن أعود هنا إلى ما سبق أن كتبته بصدد مشروع «البزوغ» لاسيما بالنسبة الى الصين وروسيا فتظل هذه المشروعات إلى الآن ملتبسة الهدف. فهل الهدف هو مجرد اللحاق بالدول الرأسمالية المتقدمة فى إطار عولمة متعددة القطبية؟ أم سوف تتجه هذه المشروعات نحو ما هو أفضل، أى تطوير مشروعات وطنية شعبية مستقلة ذات مضمون اجتماعى تقدمى؟