هكذا بادرني قائلا وأنا أقف علي باب بيته أحمل بين يدي هدية عيد ميلاده!. «تعالي بسرعة» .. نحيت الهدية جانبا وتوجهت معه الي الشرفة وأنا أخطو علي أطراف أصابعي حتي لا أحدث صوتاً. لم أندهش كثيرا من مقابلته المفاجئة فهو لا يحب المقدمات .. يحب أن يبدأ الحوار من أية نقطة ما دام يوصلنا لماهية الحوار! فجأة فتح باب الشرفة بهدوء ثم ألتقط طبقا كبيرا ملأه بحبوب الأرز ... نثر الحبوب علي سور الشرفة وجزء من أرضيتها ثم أغلق الباب واقفا خلفه يترقب شيئا! وقفت بجواره وأنا أكتم انفاسي خوفاً من إزعاج هذا الشيء الغامض الذي ينتظره ...كانت أشعة من ضوء الشمس تنفذ من فتحات الباب الخشبي منعكسة علي وجهه ولحيته وجلبابه الأبيض ..بدا لي كملاك أبيض هبط لتوه علي الأرض يؤدي مهمة سرية لا أعرف لماذا لم أقل له آنذاك أن هالة النور التي تميز حضوره الإنساني تشع دفئا وووهجا وأمنا فيتبدد الحزن والقلق والكآبة! قلت له هامسة :كل سنة وحضرتك طيب يا أنكل بهجت ....النهاردة عيد ميلادك . .ابتسم للحظة ثم همس : انظري! فجأة وقف عصفور صغير علي حافة الشرفة ينظر يمينا ويسارا كأنه يستكشف المكان ..قال لي : هذا هو القائد حضر ليطمئن أولا ثم يعطي الأشارة! بعد لحظات حضرت مجموعة صغيرة من العصافير وبدأت في تذوق الحبوب التي قدمها لهم صاحب البيت!.. يبدو أن سرب العصافير الذي كان ينتظر علي الأشجار قد أدرك أن المكان آمن وأنه مرحب به فإذا بالشرفة تمتليء عن آخرها بالضيوف الذين ملأوا المكان ضجيجا وصياحا ..كانت أصواتهم أشبه بالزغاريد!. كنت أرقبه وهو يبتسم وعلي وجهه رضا وسعادة ..قلت له : العصافير سبقتنا واحتفلت بعيد ميلادك! كنت أعرف أنه لم يحب تربية العصافير في بيته ..ذات مرة أهداه أحد الأصدقاء زوجا من عصافير الكناريا فاذا به يفتح لهما باب القفص! .فهو لا يحب رؤية أي عصفور مقيد الحرية! الطيور حدودها السماء كما يقول ..لقد فطرت علي الحرية والطيران فكيف نحبسها نحن؟ أما الهدهد الذي اصطحبه ذات يوم الي منزله وأطلقه في فضاء غرفته فقد لاحظ أنه منكسر النفس وسرعان ما أضرب الطائر المسكين عن الطعام والشراب ومات في اليوم التالي لأسره ..وكتب عنه أحمد بهجت في كتابه الرائع (قصص الحيوان في القرآن ) لم أعرف ماذا أفعل وهو يحتضر ..أخرجت القرآن الكريم ورحت أقرأ له قصة سليمان والهدهد وخيل الي أنه مات راضيا وهو ينصت لأمجاد جده البعيد ! فجأة قال لي منبها اياي من شرودي : افتحي الباب علي بسرعة .فاذا بأسراب العصافير تنطلق الي أعنان السماء تكاد تخفي قرص الشمس كانت تظاهرة حب تشكر الله تعالي الرزاق وتحيي صاحب البيت علي استضافته الكريمة ..كانت أصوات الزقزقة هذه المرة تملأ المكان بهجة وسرورا وفرحا . قلت له ممتنة : فعلا .سيظل هذا المشهد البديع في مخيلتي ما حييت ممكن بقي اقدم لك هديتي المتواضعة ؟ واليوم في ذكري ميلاده لا أعرف ماذا أقدم له غير الدعاء وبعضا من قصصي وحكاياتي البسيطة أماطاقة النور التي ملأ بها حياة وقلوب كل من قابلوه أو عرفوه من خلال كتبه ومقالاته فهي منحة منه لا ترد.فستظل طاقة النور توهج وتدفيء أرواحنا الي الأبد!