تعود أصول إثيوبيا الحديثة إلى تاريخ طويل يمتد حتى مملكة أكسوم التاريخية، التى كانت بقعة صغيرة فى شمال الدولة الموجودة حالياً. إثيوبيا التى تقع فى منطقة القرن الأفريقى، وتحيطها جيبوتى وإريتريا وكينيا والصومال والسودان وجنوب السودان، مفترق طرق واسع، للتجارة والتبادل الثقافى بين أفريقيا جنوب الصحراء وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وما وراءهم، فى هذه البقعة نشأت حضارتها القديمة أكسوم، التى يمكن إرجاع تأسيسها وظهور أسرة ملكية فيها إلى القرن الثانى قبل الميلاد. ووصلت المسيحية إلى إثيوبيا فى ظل حضارة أكسوم، وأعقبها الإسلام بعدة قرون، وكانا من العوامل المهمة التى حافظت على تواصل سكان هذا البلد المغلق مع العالم، مع المبشرين البرتغاليين، والحرفيين الأوروبيين والآسيويين، ومع التجار المسلمين والمعلمين الذين يزورون الممالك والإمارات المختلفة التى تتشكل منها اليوم إثيوبيا. وإثيوبيا دولة غنية بتنوعها اللغوى والثقافى، الذي يشمل تراثا ماديا وغير مادي، وأشكالا عديدة للتعبير الثقافى التقليدى والحديث، ولعل صناعاتها الثقافية التقليدية من أقدم الحرف والمصنوعات اليدوية فى العالم حيث تعود إلى قرون بعيدة، وتتنوع أشكال التراث غير المادى بين الاحتفالات والمهرجانات والطقوس والتعبيرات والرقصات الحية المختلفة، وأدرجت اليونسكو تسعة مواقع تراثية وطبيعية إثيوبية ضمن مواقع التراث العالمى، للحفاظ والتعريف بقيمتها العالية والاستثنائية، ويعزز هذا التنوع وجود اليهودية والمسيحية والإسلام والديانات التقليدية الأخرى، ولا شك أن استناد هذا التنوع والغنى الثقافى إلى حضارة أكسوم يعزز أصالة فنونها وآدابها. ولا شك أن الثقافة كانت لها مكانة رفيعة فى هذه الحضارة، حيث كانت لأكسوم عدة أبجديات يستخدمها المثقفون كما يستخدمها رجال البلاط فى تصريف شئون الدولة، فاللوحات التذكارية الموجودة الآن، عليها نقوش بلغة واحدة، سواء كانت سبئية أو جعيزية أو يونانية أحياناً، كما توجد نقوش باللغات الثلاث مجتمعة وإن كانت نادرة. وكانت اليونانية كما الإنجليزية اليوم فى إثيوبيا لغة التعامل في ذلك العصر، ولساناً أجنبياً دخل إلى أكسوم نتيجة لعلاقات المملكة الثقافية والاقتصادية والسياسية مع الإمبراطورية البيزنطية، إلا أن لغة الجعيز أصبحت منذ القرنين السادس والسابع، بعد التطوير التى شهدته، اللغة الوطنية الرسمية للأكسوميين.والثقافة الإثيوبية تقوم على أصول مستمدة من الكتاب المقدس والدين المسيحى، فمنذ أن وطدت المسيحية أقدامها فى إثيوبيا، أصبح الكتاب المقدس منبع كل معرفة، ولم يكن العلامة الإثيوبى الجدير بهذا النعت هو ذلك المتبحر فى العلوم اليونانية الرومانية أو فى الفلسفة، بل كان هو العارف بالكتاب المقدس وبمؤلفات البطريرك كيرلس والقديس يوحنا خريسوسطوموس وغيرهما من مؤسسى الكنيسة، وهو كذلك الذى يستطيع أن يعلق على مختلف النصوص ويفسر على نحو مقبول وملائم أسرار التجسد والثالوث المقدس. وأضفت الدوائر المسيحية على هذه الثقافة سماتها الجوهرية منذ البداية، ومنذ القرن الرابع الميلادى، وسادت لغة الجعيز فى البلاط الملكى وفى الكنيسة، وأصبحت هى اللغة التى تنقل إليها الأعمال المترجمة التى تشغل مكاناً مهماً فى التراث الإثيوبى، وبطبيعة الحال، كانت الكتب الأولى ترجمات الكتاب المقدس. ولعل أبرز النصوص التى تشكل جزءا رئيسيا من تاريخ إثيوبيا، هو كتاب «كبرا نجست» أو «مجد الملوك»، هذا الكتاب الذى جمع فى القرن الثالث عشر تقريبا، يؤسس لما عرف بعد ذلك فى تاريخ إثيوبيا بالأسرة السليمانية، حيث ضم أساطير شعبية ونصوصاً مقتبسة من الكتاب المقدس والتلمود والقرآن تم التوليف بينها وتطويعها لأداء رسالة خلاص مقدسة، حيث يروى كيف قامت ملكة سبأ التى تقول الأسطورة الشعبية أنها مدفونة أسفل تل من التراب والحجارة فى أكسوم والتى تعتبر تجسيداً لأثيوبيا نفسها، برحلة إلى أورشليم لتتعلم الحكمة من سليمان، وأنجبت منه ولداً هو منليك، الذى ولد بعد عودتها إلى إثيوبيا وأصبح فيما بعد أول ملك إثيوبى، وعندما زار منليك أباه فى أورشليم فيما بعد استحوذ على تابوت العهد، أهم الرموز المقدسة فى العالم، وعاد به إلى إثيوبيا، وحُفظ التابوت بعد ذلك فى كاتدرائية أكسوم الشهيرة، حيث كان يتم تنصيب الأباطرة الإثيوبيين. ويقسم »كبرا نجست« العالم بين الإمبراطوريتين المقدستين روما وإثيوبيا المنوط بهما إنشاء مملكة المسيح، ورسخ «كبرا نجست» بطريقة فنية بارعة، كل الخيوط التى من شأنها أن تسمو بمكانة الشعب الإثيوبى المسيحى وأسرته المالكة، فمن نسب الأباطرة المنحدرين من صلب سليمان وداوود النبى وصاحب المزامير، إلى تابوت العهد رمز الحضور الحقيقى لله بين البشر، إلى إثيوبيا. وارتبطت إثيوبيا فى تلك الفترة ببقاع العالم المختلفة، القريبة والبعيدة، وببلدان نائية كأوروبا، ليس فقط من الناحية الاقتصادية بل من الناحية الثقافية، فكانت للأديرة الإثيوبية فى القدس وقبرص صلات نشيطة مع أوروبا، وكان الرهبان الإثيوبيين، وهم حينذاك الركيزة الأساسية للتعليم والفن والعلم، يتلقون تعليمهم فى مصر ويشاركون فى الحياة الثقافية القبطية والإسلامية، وظل الانتاج الأدبى مزدهراً حتى عام 1650 على الأقل، فى مجالى الدين والتاريخ دون سواهما، وانتعشت الفنون التخطيطية التى تعد المخطوطات المزينة أهم ما بقى منها نتيجة الاتصال بالشرق المسيحى وأوروبا، واقتبست موضوعات مهمة فى فن التصوير الدينى، وأدخل عليها مزيداً من التطوير، وتتضمن الحوليات الإثيوبية كذلك إشارات عرضية إلى وجود حرفيين وفنانين إيطاليين وإسبان، فوجود أطلال لكنائس وقصور كانت المعرفة بها محدودة من قبل، يعد دليلاً على ماتميزت به هذه الفترة من ثراء وإبداع فنى. ويمكن القول أن القرون التالية لعصر الإزدهار، لم تشهد تغيرات جذرية فى طبيعة الثقافة الإثيوبية، فقد مرت إثيوبيا بما سمى عصر الفوضى، وشهدت الإمبراطورية مناوشات مستمرة بين الملوك والأباطرة والإقطاعيين، ومع بداية القرن العشرين، كان نشر الأمهرية أحد التطورات الاجتماعية والثقافية الهامة التى حدثت، فمع غزوات الإمبراطور منليك الثانى، زادت عملية الأمهرة نتيجة التنصير الإجبارى الذى مارسه، وفرض الإدارة الإمبراطورية والتعليم المسيحى فى المدارس الإثيوبية، مما جعل الأمهرية بمثابة اللغة الوطنية للإمبراطورية، فقد أدى التحول الحضرى المتزايد إلى اجتذاب مهاجرين من مناطق أخرى إلى دائرة الثقافة الأمهرية، وإلى استخدام اللغة الأمهرية والزى والتقويم الأمهريين، ورسم عهد الإمبراطور هيلاسيلاسى (1941-1974) مسار إثيوبيا الحديثة، ليس فقط على مستوى بناء الدولة، لكن بين صفوف المثقفين الإثيوبيين، وفى الأدب، والفن، والموسيقى، فى هذه الأثناء، وبعد انتهاء مرحلة الحرب الإثيوبية الإيطالية، دخلت أفريقيا وإثيوبيا مرحلة النضال ضد الاستعمار، وارتفع مستوى وعى الشعوب مع توسع إبداعات المثقفين الأفارقة فى المسرح والأدب والفن، وسعت إثيوبيا بنشاط لإيجاد مكانة ثقافية وسياسية، سواء فى إطار القومية الأفريقية أو فى إطار الوحدة السياسية مع الاجتماع التاريخى لرؤساء الدول الأفارقة فى أديس أبابا عام 1963. وتتكون الثقافة الإثيوبية المعاصرة من مجموعة من الأشكال والممارسات، وتأثرت هذه الممارسات فى الريف والحضر، بشكل ملحوظ بالأحداث السياسية والاجتماعية، وبتدفق الأفكار الجديدة. وقد حدث هذا التأثر خلال ثلاث فترات متميزة، الأولى هى ما يمكن أن نسميها بفترة الأنظمة الإمبراطورية من عهد الإمبراطور منليك الثانى إلى الإمبراطور هيلاسيلاسى (1889 - 1974)، أما الفترة الثانية فهى فترة حكومة الدرج (1974 1991)، والفترة الثالثة هى فترة مابعد الاشتراكية وتبدأ من عام 1991 حتى الآن.