في لحظات روحانية خالصة تفيض بالخشوع والانكسار، أدى الحجاج طواف الوداع في المسجد الحرام، مودعين الكعبة المشرفة بقلوب دامعة وأرواح مفعمة بالإيمان، بعد أن أتموا مناسكهم وأيامهم المباركة في مكةالمكرمة، حيث وقفوا في حضرة البيت العتيق للمرة الأخيرة قبل مغادرتهم. وفي أروقة الحرم المكي، امتزجت مشاعر الرهبة بالمحبة، والفرح بالحزن، فبينما يشعر الحاج بالسعادة لأداء الفريضة، تتسلل إلى قلبه مشاعر الأسى وهو يغادر أطهر بقاع الأرض، وقد علت وجوه كثير منهم علامات التأثر، وسالت دموعهم في صمت وهم يطوفون ببطء حول الكعبة، كأنهم لا يريدون أن تنتهي هذه اللحظة العيون شاخصة إلى الكعبة والقلوب ترتجف بالدعاء، ومن بين الزحام تتعالى الأصوات الخافتة للرجاء والاستغفار، بعض الحجاج يرفع يديه إلى السماء متضرعًا ألا يكون هذا هو الوداع الأخير، والبعض الآخر يكتفي بالنظر الطويل وكأنه يودّع حبيبًا لا يعلم متى يلقاه من جديد رغم الزحام، ظل الحرم المكي غارقًا في هدوء مهيب، لا يُكسره سوى صوت الحجاج وهم يرددون الأذكار والآيات، في مشهدٍ يجمع بين قدسية الزمان وبهاء المكان إنها لحظة وداع لا تشبه أي وداع، حيث يغادر الحجاج مكة وقد تركوا فيها جزءًا من أرواحهم ودعاءً لا ينقطع الطواف حول الكعبة