هى اليوم إثيوبيا. وفى السابق اشتهرت بالحبشة، وقال البعض إنها فى اللغة الأمهرية حبش» «hbsh أى مختلط، نسبة إلى الأعراق المختلطة التى كانت تعيش فى تلك المنطقة، ويقال إن مجموعات صغيرة من المهاجرين من جنوب الجزيرة العربية نزحت إليها فى القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد، عبر البحر الأحمر، واستوطنت المنطقة واندمجت مع السكان المحليين واختلطت فكونت نسيج الشعب الإثيوبي. نشأت على أرضها «حضارة أكسوم» التى امتد تاريخها ألف عام بداية من القرن الأول الميلادي، فى الجزء الشمالى من الهضبة الإثيوبية، وكان مقرها «سفح جبال عدوة» شرق إقليم تجراي. ملوك أكسوم وتقول الأسطورة إن عبادة الثعبان «آروي» كان جنباً لجنب مع ممارسة شريعة موسي، وكان هذا الثعبان يعتبر أحياناً إلهاً تنيناً، وفى أحيان أخرى يعتبر أول من حكم من الملوك، وهو الملك «أروى – نجوس» والد ملكة سبأ، بلقيس، وهو زعم لا يمكن لأى قارئ حديث أن يأخذه على محمل الجد، ولاشك فى أن هذا الاعتقاد الشعبى مستمد من التاريخ الأسطورى لإثيوبيا القديمة ( المرجع : تاريخ أفريقيا العام، المجلد الثاني، اليونسكو). وتذهب المرويات الشعبية إلى إن كل أسرة كانت تقدم كبرى بناتها له مع كميات كبيرة من الخمر كقرابين، ويربطون الفتاة إلى شجرة ليلتهمها الثعبان، وقال البعض إن إحدى الفتيات وتدعى «ماكيدا»، بعدما ربطوها إلى الشجرة بادر شاب اسمه «انجابو» بقتل الثعبان وأنقذها منه وهربت، لكن رواية أخرى ذكرت أن فتاة اسمها «اتيجى أزاب» هى من قتلت الثعبان وخلَّصت نفسها، وفى أثناء قتلها الثعبان طارت قطرة دم منه على قدمها فحولتها إلى رِجل عنزة، وفى أقوال أخرى إلى رجل حمار، وحين رجعت إلى قومها لم يصدقوها حتى رأوا قدمها، فأصبحت بعد ذلك ملكة على الحبشة واليمن، وكانت مملكتها ثرية، وذاع صيتها. الأسرة السليمانية ونشأتها ويقال إن الفتاة/ الملكة «اتيجى أزاب» سمعت عن الملك سليمان وحكمته، فذهبت إليه وأكرمها، وطلب الزواج منها ورجعت إلى أرضها وهى تحمل فى أحشائها ولدا منه. وتذكر الرواية أن الولد حين بلغ مبلغ الرجال تاقت نفسه لرؤية أبيه، وذهب إليه فعرفه الملك سليمان وقال له «أنت ابن داوود»، وأجلسه على العرش وسماه «منليك»، ودُقَّت له الطبول، وقيل هذا «داوود بن سليمان بن داوود». كُبره بَحْسِت أما عن وجود اليهودية فى إثيوبيا فهناك عدة عوامل تثبت وجود جماعة تعتنق الدين اليهودى ويشير إليها تاريخ الملوك «تاريكه – نجست» بإيجاز، ومن المحتمل أن تلك الجماعة حكمت أيضاً لفترة معينة، وحتى إذا صرفنا النظر عن قصة «كبره – نجست» أى «أمجاد الملوك» الخرافية التى يعتبرها رجال الكنيسة الإثيوبيين مرجعا أساسيا فى التاريخ والأدب، والتى يزعم فيها أن جميع ملوك أكسوم يتصل نسبهم بسليمان وموسي، فإن بعض روايات التراث المتواترة عبر القرون تشير إلى وجود مؤمنين يعتنقون الدين اليهودى (المرجع: تاريخ أفريقيا العام، المجلد الثاني، اليونسكو). ويذكر «تاريخ ملوك إثيوبيا» أسماء الملوك الذين توارثوا عرش أكسوم بعد «منليك» الأول، وذكر 25 اسما آخرهم كان «بازن» الذى قيل إن المسيح ولد فى عهده، ما يعنى إن ال 25 ملكا هؤلاء حكموا تلك الأراضى لمدة 9 أو 10 قرون بمتوسط 40 عاما لكل منهم. ويقال إن قصة «كُبرا بَحْسِت» نتاج خليط روايات صيغت فى القرن السادس الميلادي، وربما وضعت بالقبطية ثم ترجمت فى عصور تالية إلى العربية، وأضيفت إليها تفاصيل أخرى ترجمت منها إلى الجعزية، ويرى فريق أن هذه الصورة النهائية كُتبت عقب ما يسمى عودة الأسرة السليمانية إلى العرش فى القرن الثالث عشر الميلادي. الدستور الإثيوبى (الأول عام 1931) ويبدو أن بعض الإثيوبيون، يعتقدون بصحة هذه الرواية، ومقتنعون بأن بيتهم المالك متسلسلا بلا انقطاع منذ «منليك الأول»، ابن ملكة سبأ وسليمان عليه السلام، وكان ذلك يبدو هذا جلياً فى نص المادة الثالثة من الدستور الإثيوبى الصادر سنة 1931 التى نصت وقتها على أن «حق الحكم الامبراطورى فى أسرة الامبراطور «هيلاسلاسى الأول» بن الملك «هيلاسلاسي» الذى يتصل نسبه من دون انقطاع بأسرة «منليك الأول» ابن «الملك سليمان» و«ملكة سبأ» المعروفة. وأعيدت صياغة هذه المادة فى الدستور الجديد الذى صدر سنة 1955 فنصت مادته الثانية على أن «يظل العرش بصفة دائمة محصورا فى نسل «هيلاسلاسي» الذى هو بدون توقف من نسل أسرة «منليك الأول» ابن «ملكة أثيوبيا/ «ملكة سبأ»، من سليمان ملك بيت المقدس». وتقارب النصين يظهر تمسك الإثيوبيين بنسبهم السليماني. الرواية فى الكتب السماوية: ويُقال إن والدة «منليك» هى ملكة الجنوب التى ذكرها «إنجيل متي» فى الآية الثانية والأربعين من الإصحاح الثانى عشر :« وملكة الجنوب ستقوم مع هذا الجيل وتدينه لأنها أتت من أقصى الأرض لتسمع حكمة سليمان»، وهى نفسها ملكة اليمن التى ذكرتها الآية الحادية والثلاثون من الصحاح الحادى عشر فى «إنجيل لوقا»: « ملكة اليمن ستقوم فى الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم لأنها أتت من أقاصى الأرض لتسمع حكمة سليمان». - وهى نفسها ملكة سبأ التى ذكر العهد القديم زيارتها ل «سليمان» فى الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول: «وسمعت ملكة سبأ بخبر سليمان لمجد الرب فأتت لتمتحنه فى مسائل كثيرة. فأتت إلى أورشليم بموكب عظيم جد .. إلخ». - وملكة الجنوب أو اليمن التى ذكرت فى الإنجيل وملكة سبأ التى ذكرها العهد القديم كلها شخصية واحدة وهى نفسها ملكة سبأ التى ذكرها «القرآن الكريم» فى «سورة النمل». وربما يكون سبأ اسما لمكان فى اليمن وليس إثيوبيا، حيث ذكرت مصادر فى التاريخ الأثيوبى أن كثيرا من الملوك حكموا البلدين معا، ما يفسر ربط هذه الملكة بالبلدين. المصادر : «تاريخ إثيوبيا» تأليف دكتور «زاهر رياض» 1966 . معهد الدراسات والبحوث الأفريقية جامعة القاهرة. تاريخ أفريقيا القديم» للدكتور «حندوقة ابراهيم».