فى أثناء الاحتفال بافتتاح اول مركز أبحاث متخصص فى مركز مجدى يعقوب فى أسوان الشهر الماضى، تمت دعوة إحدى السيدات لإلقاء كلمة، وهذه السيدة، تألف طلتها من الوهلة الاولى، ،بدأت كلماتها بمنتهى التواضع ، كانت تخرج من أعماق قلبها،تكلمت عن حبها لهذا الوطن،و حقه عليهاوعلى كل مصرى، وخاصة القادرين،وعن فضيلة غائبة عن غالبية البشر،وهى العطاء، تحدثت عن ان اهم مصادرالسعادة هي:العطاء،الخير، بذل الخير للناس،قالت ايضاان غالبية الناس لا يعرفون حلاوة العطاء،ولا يعرفون ان من يعطى هو ايضا يأخذ اكثر،هذا ما تعلمته طوال حياتها من زوجها الراحل الدكتور منير ارمانيوس، وان من يشعر بمعاناة الاخر ويساعده سيفوز بالرضا والراحة والسعادة، كانت كلمات السيدة منى ارمانيوس شديدة الصدق ،توقفت عدة مرات لتتغلب على دموعها،واهتزت القاعة عدة مرات بالتصفيق المتواصل. سألت السيدة منى مستفسرة عن حقيقة ماتردد عن حجم التبرع ،فنفت تماما ان تكون هى وأسرتها قدموا كل هذا المبلغ، وقالت لا أريد أن أعلن عن أى أرقام، والرقم لا يخص أحداً، أسهم فى المشروع بالمبانى والأسِرَة، دون أدوات المعمل، وسنستمر أيضا معا فى المشروع الرابع الذى سيقام غرب أسوان ،كانت تتجول فى اروقة المركز فى اثناء الاحتفال بمنتهى السعادة فى القاهرة التقتها «الأهرام» وكان الحوار: فى البداية تحدثت عن مركز مجدى يعقوب بحب وفخر وسعادة قالت المركّز سيدفع بمؤسسة مجدى يعقوب إلى المكانة الاكاديمية العلمية التى يستحقها، بكل ما يحتويه من تجهيزات وإمكانات طبية وطاقات بشرية من أطباء وتمريض وكوادر فنية وإدارية وخدمات مساعدة تتكاتف كلها حتى تنجح المؤسسة فى تحقيق هدفها الأساسى وهو توفير العلاج المجانى للمرضى فى الصعيد بل فى كل أنحاء بلدنا،ان قوائم انتظار المرضى تتجاوز 2500 مريض، وهذا امر بالغ الصعوبة، وأتمنى ان يجد كل مريض فى مصر العلاج، فهناك أكثر من مائتى ألف طفل وامرأة ورجل يموتون سنويا فى مصر نتيجة أمراض القلب كَمَا يقول الدكتور مجدى يعقوب وبإعجاب قالت ان متوسط سن الأطباء الشباب المصريين بالمركز لا يتخطى ال 35 سنة، لتقديم العلاج ودراسة الأبحاث، وهؤلاء تعلموا الكثير والكثير من العالم الكبير مجدى يعقوب، الذى حرص على استحضار أحدث الأجهزة الطبية في العالم وتنظيم رحلات دراسية لهم ببريطانيا لتفعيل ما درسوه بالخارج داخل المركز,وإذا كان هذا المركز الجديد هو المرحلة الثالثة للمؤسسة، فالرحلة بدأَت حين ذهب الدكتور مجدى يعقوب إلى أسوان عام 2008 ليبدأ هناك مؤسسة طبية غير هادفة للربح مهمتها هى علاج القلوب المريضة للصغار والكبار سألتها عن قصتها مع زوجها وعن مشوار العمر المغزول بالحب والعمل والكفاح والنجاح؟ فى سنة 1971، كنت طالبة فى السنة الاولى بالجامعة الأمريكية,تعرفت على منير ارمانيوس بالصدفة فأخته صديقة لى ,كان وقتها شاباً يبلغ السابعة والعشرين من العمر لكنى شعرت من اول حواربيننا اننى بجوار رجل ناضج ويمتلك الخبرة والثقافة والأناقة والأخلاق الرفيعة,تزوجنا ,وكان صعبا أن أكمل دراستى فى الجامعة الأمريكية بسبب المواعيد، فقررت أن ألتحق بكلية التجارة حتى أكون قادرة على مساعدة زوجى فى العمل ،فقد تعرض مصنع والده للتأميم عام 1961 وكان هذا المصنع يمتلك رخصة الدواء رقم 2 فى مصروقد انشئ عام 1917، وكان والده دارسا للصيدلة فى أمريكا فى بداية القرن الماضى,،كانوا يعاملون والد منير فى أمريكا،بعنصرية شديدة وينعتونه بالأسود, بعدقرارات التأميم فقد زوجى منيرارمانيوس والده والمصنع ،وتركت الحكومة له الصيدلية, وكانت فترة فى منتهى القسوة,قبل التأميم كانت الحياة رغدة وجميلة، وابان التأميم توفى الأب وترك أبناءه الستة، منهم فتاة كانت قد تزوجت، والباقى كانوا فى مراحل التعليم المختلفة, وتحولت حياة الام التى كانت تحيا حياة ناعمة، رغدة الى حياة جادة, أصبحت فى الصباح مسؤلة عن الصيدلية، ومنير يكمل دراسته فى الصباح, ومسئول عن الصيدلية فى المساء. حياة متقلبة وكفاح كبير، من عز ونعيم إلى قحط وشقاء,كان التأميم درساً كبيراً لتعليم الأبناء ماهية الحياة، وعلمتهم أن أى شئ قابل للأخذ منك إلا ما هو موجود بعقلك فهو ملكك, وللاسف شبح الخوف تكررمرة اخرى فى حكم الاخوان، وكان هناك مخاوف من أى أفعال سلبية، فكانت نفس النصيحة الذهبية من الدكتور منير لأولاده وأحفاده لن اترك مصر.تزوجنا وأنجبت ليندا عام 1973، كان منير يعود من الصيدلية بعد منتصف الليل، ولا يشغل باله إلا فكرة أنه يعيد مجد والده, وقد وجد منير وهو فى بداية حياته دعما كبيرا من أصدقاء والده. دخلت كلية التجارة ونجح وأنجبت ابنتى الثانية ياسمين فى السنة الرابعة من الجامعة، وكنت أعمل بدفاتر الصيدلية، ومراجعة الحسابات.وكان منير يفكركيف يزيد من حجم اعمال الصيدلية وتكوين منتج جديد ليستطيع بيعه للصيدليات الاخرى, وبدأ بتصنيع كريم من غذاء ملكات النحل, وكان الاول فى مصر، وكان كل صيف يسافر للخارج للعمل فى فترة الإجازة، وقد حصل على بكالوريوس الصيدلة ثم دبلوم فى التجميل. كيف بدأ فى الخطوة الاولى فى مشوار التصنيع ؟ كان منير لا ينظر الى الوراء، كان دائما ينظر الى المستقبل،الدولة تركت لمنير وأسرته الصيدلية،والصيدلية كانت عبارة عن 3 أدوار، الدور الثانى كان معملا، ومن خلاله تم صناعة كريم جيلي,وكان يعمل معه القليل، منهم مازال حياً,وكنا نمتلك أجزاء المعمل القديمة والعبوات القديمة لكن للأسف احترقت مع حريق مصنع الهرم، ومازلت احتفظ بأول ماكينة خلط، وموجودة بالمصنع حالياً، وكانت تخلط حتى 3 أطنان ,وكنا نأتى بالعبوات من كبرى شركات البلاستيك بالاسكندرية، وكانت بيننا وبينهم علاقة وطيدة,ثم قمنا بصناعة كريم للبقع والحبوب، فكان المنتج المصرى الأول من نوعه.وبدا العمل يتزايد,ثم أخذ قطعة ارض مجاورة للصيدلية وأنشأ بها مصنعا، وبدأ فى هذا المجال.وبدأ البحث عن المواد الأولية، ففكر فى شراء توكيل لشركات أوروبية للمواد الأولية، والتى سعدت بوجودها فى مصر من خلاله، وبدأ فى إنشاء شبكة من العلاقات،ورغم ذلك فإن إنشاء مصنع الدواء لم يفارق خياله، وكان يمتلك العديد من الأفكار الملهمة المساعدة للنهوض. وبدأ فى صناعة الحناء، ,وكنا نأتى بها من أسوان، فبدأنا نفكر فى موضوع الزراعة، فنشأت فكرة استخراج منتجات من الصبار، فاشترينا 60 فدانا فى طريق الاسكندرية الصحراوي، وقتها كان العمل قد زاد، وازداد مندوبو البيع، فزرعنا سوياً الصبار، وكانت الأراضى فى هذا الوقت دون أى مرافق كالمياه وخلافه، منير كان عاشقاً للتحدى والمنافسة، فبدأنا فى زراعة الصبار، وبسبب قلة الخبرة، جاءت نوة عاصفة,دفنت الصبار فى البداية، ففكرنا فى إنشاء سور لحماية المزروعات، ومن الصبار أنتجنا الكثير من المنتجات كمزيل العرق والشامبو والكريمات,نقطة التحول جاءت بعد شراء مصنع الهرم، ووقتها بدا اسم المصنع والشركة فى الانتشار، كان منير يعمل أكثر من 16 ساعة يومياً,كنا نجرب كل المنتجات والمستحضرات علينا قبل ان تنزل الاسواق، كان منير يمتاز بالأمانة الشديدة,بدأنا بعد ذلك تصدير المنتجات خارج مصر,كان يمتلك 90% من توكيلات شركات ماكينات الأدوية التى تستخدم فى مصر,وهذا الامرأعاد شغفه بالميكانيكا، فأنشأ مصنعاً لتصنيع ماكينات الدواء الصغيرة وزوجى لم يصنع اى منتج الا المنتجات المفيدة للناس,و مؤمن بان النجاح يتحقق بالعمل الجماعى,وان الانسان لا يستطيع النجاح بمفرده,نجاح المصنع جاء بسبب كل من شارك بالعمل فى الشركة والمصنع كان منير صاحب فكر ورسالة. كيف كان التعامل مع المواقف الصعبة التى مرت بكما؟ أول المواقف كانت الصيدلية ليست ملكنا،و طلب مالكها فى بداية حياتنا استرجاع المكان ،وهو ما جعل منير يشترى الأرض المجاورة لبناء صيدلية اخرى, كان يخرج من كل أزمة بشكل قوي,وكان اصراره على افتتاح المصنع نعمةكبيرة، حيث بدأت الشهرة والإقبال على المنتجات,عشت مع الدكتور منير 40 عاماً،سنوات كلها عمل وكفاح وتحديات ونجاحات, ومرت السنوات سريعا.. أجمل ماكان بيننا هو الاحترام والحب القديم، والاحترام يولد ويرسخ كل الصفات الجميلة,ورغم كل هذا المجهود والنشاط والعمل، كان يصف نفسه بالكسول,كان دائما يقول الحياة قصيرة وكل واحد عنده رسالة يجب أن يؤديها حتى يكون مؤثرا فى المجتمع، وهذا ما علمناه للأولاد والأحفاد,كان مؤمنا بأن الكلمة كالسيف، يجب أن نلتزم بها,كان يعشق العمل والبحث والتطوير, حتى فى الإجازة،