يبدو المشهد السياسي المصري في غاية الارتباك!.. فمن ناحية أحدث قرار بطلان البرلمان بحكم الدستورية العليا حالة من الارتباك بين غضب لدي البعض باعتبار أنه انقلاب علي الشرعية وعلي الثورة كما يقولون في حين يري فريق آخر أن الحكم يرضي العديد من النواب والرأي العام لفشله في تحقيق التوافق والدفاع عن مكتسبات الثورة والإخفاق في التعبير عن هموم المواطنين وقضاياهم,.. ومن ناحية ثانية فإن صدور قرار منح الضبطية القضائية لضباط وضباط صف الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية يمثل عودة جديدة لقانون الطواريء.. ومن ناحية ثالثة لم يحظ الاعلان الدستوري المكمل بموافقة القوي السياسية, واعتبروه هيمنة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي السلطة, وأنه يجعل الرئيس المنتخب بلا صلاحيات.. ومن ناحية رابعة تحشد حركة شباب6إبريل أعضائها, ومعها القوي الشبابية الثورية والسياسية والشعبية لمليونية- اليوم الثلاثاء- في ميادين التحرير لمواجهة ما وصفته ب الانقلاب العسكري الصريح احتجاجا علي الإعلان الدستوري المكمل, والمطالبة بتحقيق خمسة مطالب محددة يتصدرها رفض الإعلان الدستوري الذي يكرس للحكم العسكري, ورفض الانقلاب العسكري وقرار سلطة الضبطية القضائية للشرطة العسكرية والمخابرات الحربية, ورفض حل مجلس الشعب المنتخب والانقلاب علي الشرعية وسرقة السلطة التشريعية من مجلس الشعب إلي المجلس العسكري, ورفض التأسيسية التي سيشكلها المجلس العسكري وإزاء هذه المشاهد القلقة, والمرتبكة علي الساحة السياسية التي تشهد أول رئيس منتخب لمصر بعد ثورة25 يناير, أصبح الشعب المصري الذي أنهكته المرحلة الانتقالية بما حدث فيها من أخطاء أعات المشهد السياسي غلي نقطة الصفر- حائرا, ومحبطا مما يجري.. وهنا نطرح السؤال إلي أين ستمضي بنا سفينة السياسة؟ وما الذي ستشهده الساحة السياسية في مصر خلال الفترة القادمة بعد أن اعتقد المصريون أن انتخاب رئيس للبلاد سوف ينقلنا إلي مرحلة الاستقرار والتطور, وتلبية الاحتياجات التي قامت من أجلها الثورة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية. من هنا يبدأ جورج إسحق الناشط السياسي عضو المجلس القومي لحقوق الانسان, مؤكدا أن انتخاب رئيس لمصر ليس هو نهاية المطاف, كما أن التيار الوطني الجامع يدرس حاليا ما سوف يتخذه من إجراءات ومواقف خلال المرحلة القادمة, كما يدرس كيفية التعامل مع الاعلان الدستوري المكمل, والرئيس الجديد, مطالبا المصريين في الوقت نفسه- بتقبل نتيجة صاديق الانتخابات, ومراقبة قرارات وسياسات الرئيس الجديد لتلبية وتحقيق مطالب الثورة, والخروج إلي الشوارع إذا حاد عنها. وبشكل عام, يري جورج إسحق أن الاعلان الدستوري المكمل يعطي صلاحيات للمجلس العسكري, في هذه المرحلة المهمة, مشيرا إلي أهمية إنجاز دستور توافقي يعبر عن مختلف طوائف الشعب, وأن مهلة الثلاثة الأشهر التي نص عليها الاعلان الدستوري المكمل كافية لانتخاب برلمان جديد, أما المادة الخاصة بإحالة المواد التي قد يحدث خلاف حولها إلي المحكمة الدستورية, فهي تعكس توجها إيجابيا ومهما في المرحلة القادمة, مطالبا القوي الوطنية بعد الاستسلام حتي تحقق الثورة المصرية طموحاتها وأهدافها. القبول بنتيجة الصناديق المشهد السياسي الحالي في رأي الناشطة السياسية الدكتورة كريمة الحفناوي الأمين العام للتحالف الشعبي الاشتراكي مرتبك, ولكنها تدعو للقبول بنتائج الصناديق في الانتخابات الرئاسية, مؤكدة في الوقت نفسه أن الثورة مستمرة حتي تحقق أهدافها, وقد حان وقت الحساب وتحقيق الوعود التي قطعها الرئيس المنتخب علي نفسه, ذلك أن الشارع المصري لن يتنازل عن حقه في الحياة بما يعنيه من تعليم, ومسكن, وفرص عمل, وحياة كريمة, ومحاكمة ثورية لرموز النظام السابق, وسوف يستمر النضال لتحقيق استحقاقات الثورة كاملة, وعلي الرئيس الجديد أن يترجم وعوده التي جاءت في برنامجه الانتخابي, مستعينا بالمكاشفة والشفافية في تحركاته وقراراته حتي لا ينفصل عن الشارع المصري. ويتولي الرئيس الجديد مهامه- والكلام مازال للدكتورة كريمة الحفناوي- وسط انقلاب دخل مرحلة التنفيذ اعتبارا منذ يوم13 يونيو بغل يده, وتركيز السلطات الحيوية في يد المجلس العسكري ثم الاعلان عن انتهاء حالة الطوارئ, بينما تم منح سلطة الضبطية القضائية لرجال المخابرات وضباط وضباط صف الشرطة العسكرية, ثم الحكم ببطلان مجلس الشعب الذي لا خلاف حول عدم دستوريته- لكن توقيت صدور الحكم تم قبل انتخابات الرئاسة بيومين لسحب الاختصاصات التشريعية منه, ومن ثم إعادتها إلي المجلس العسكري, مما يعني إطالة أمد الفترة الانتقالية. ومن حيث المبدأ, يقول الدكتور رأفت فودة رئيس قسم القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة القاهرة إننا قد طالبنا كثيرا بصدور إعلان دستوري تكميلي منذ عدة أشهر ولم يستجب المجلس الإعلي للقوات المسلحة, لكن صدوره في هذه الظروف وفي هذا التوقيت منحني شعور بأن نتيجة الانتخابات الرئاسية ستكون في صالح جماعة الاخوان المسلمين, وإن أتت نتيجة الصناديق بعكس هذا الطرح فهذا يؤكد صدق الشائعات التي تحدثت عن توافق بين المرشح الآخر والمجلس الاعلي للقوات المسلحة رئيس منزوع الصلاحيات وللإعلان الدستوري بحسب الدكتور رأفت فودة- حسنة وحيدة مؤداها أنه قرر أن يكون الدستور أولا قبل الانتخابات البرلمانية, مما يعد في تقديري تصحيحا للمسار الخاطئ الذي دام لأكثر من عام ونصف العام, واعترافا بخطأ الرسالة التي كان يوجهها من حشدوا للاستفتاء بنعم علي التعديلات الدستورية.. أما مساوئ هذا الاعلان الدستوري التكميلي أو المكمل فهي لا تعد ولا تحصي ومنها أن المادة53 مكرر تقضي بحسب النص بانفراد المجلس الأعلي الحالي للقوات المسلحة بكافة المزايا دون غيرهم من قيادات القوات المسلحة, كما جاءت بألفاظ عامة تمس كل صغيرة وكبيرة تتعلق به وأهدتها لأعضاء التشكيل الحالي, ولم تحدد هذه المادة مصير المجلس الأعلي بعد إقرار الدستور الجديد, لأن الصياغة الخاصة بها تتعلق برئيسه فقط ولم تحسم مصيره من عدمه بعد إقرار الدستور الجديد, ولاول مرة يتولي نص دستوري تعيين وزير الدفاع, بينما لا يمكن لرئيس الجمهورية المنتخب من الشعب تعيينه أو اختياره, أما المادة رقم53 مكرر1 فقد جعلت من المجلس الأعلي بتشكيله الحالي شريكا في قرار الحرب بما يجعله يوازي في القوة رئيس الجمهورية المنتخب من ملايين المصريين, بينما أخذا بالمادة53 مكرر2 ذات الألفاظ الواردة في المادة74 من الدستور الساقط حيث لم يحدد بالضبط معني كلمة اضطراب, ومن ثم يدخل المشي في جماعة في ميدان التحرير تحت هذا المعني, أما المادة56 فقد أعطت المجلس الأعلي سلطة التشريع ورسم السياسة العامة للجمهورية لحين انتخاب مجلس شعب جديد, وأنكرت علي رئيس الجمهورية المنتخب سلطة إصدار مراسيم بقوانين أو قرارات جمهورية بقوانين تقرها دساتير العالم أجمع في حالة حل البرلمان, وعرضها علي البرلمان الجديد حال تشيكيله, أما القوانين التي يصدرها المجلس الأعلي فلا تعرض علي البرلمان الجديد. التأسيسية الثانية باطلة يتفق معه نبيل زكي عضو المجلس الرئاسي لحزب التجمع الذي يري أن الاعلان الدستوري المكمل يجعل الرئيس الجديد منزوع الصلاحيات, مع أن العرف الدستوري قد جري أن يمنح الرئيس حق التشريع وإصدار القوانين في غياب البرلمان, ثم عرضها عليه في وقت لاحق, مشيرا إلي أن ذلك الاعلان الدستوري قد اختار طريقا آخر في أن يبقي سلطة التشريع في يد المجلس العسكري, ومن ثم تجريد الرئيس الجديد من هذا الحق, مشيرا إلي أن الحق الوحيد الذي يمتلكه رئيس الجمهورية هو تعيين رئيس الوزراء إلي جانب اعتماد أوراق السفراء الاجانب, وتسيير الأعمال الادارية, وإجراء المقابلات الرسمية, ومتوقعا في الوقت نفسه أن تؤدي العلاقة بين الرئيس الجديد والمجلس العسكري إلي صدام أو أزمة خاصة بعد تصريحات الدكتور محمد مرسي بأنه سيعيد مجلس الشعب الذي حكمت المحكمة الدستورية ببطلانه, فضلا عن إلغاء المحكمة الدستورية. وفيما يتعلق بتشكيل الجمعية التأسيسية الحالية لإعداد الدستور, فهو باطل في رأي- نبيل زكي-, موضحا أنه قد صدر بها قانون ولم يصدق عليه رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة, ومن ثم تم تشكيلها وإعلان أسمائها قبل التصديق علي القانون الخاص بها, وبالتالي فإن القانون يصبح معدوم الأثر ما دام لم يتم التصديق عليه. قلق وتوجس والأمر كذلك, يري أبو العز الحريري عضو مجلس الشعب السابق أن الاعلان الدستوري المكمل يعيد حالة من حالات هجمة الجيش بمسئولياتها المختلفة للحفاظ علي الهوية المصرية والوحدة الوطنية في مواجهة قوي تريد أن تجعل من القدس عاصمة لمصر أو تطمح إلي ما يسمي بدولة الخلافة, موضحا أن الوطن يعيش حالة من الانقسام بين النظام القديم, والطائفي والاتجاه المدني, وأن الاختيار في الانتخابات لم يكن اختيارا لأشخاص أو لبرامج وإنما لتوجهات, أما الإعلان الدستوري فهو يؤدي إلي تهميش الرئيس ويبقي علي سلطة التشريع في يد المجلس العسكري, وفي النهاية فإن الجميع يعيش حالة من التوجس والقلق والخوف في لحظة بالغة الخطورة علي الوطن.