إنجاز ضخم وهائل بكل المقاييس ، ذلك الذي تحقق علي أيدي فريق عمل من أساتذة وخبراء اللغة العبرية بالجامعات ومراكز البحوث في مصر ؛ إذ تمكن هذا الفريق برئاسة الدكتور إبراهيم البحراوي استاذ الأدب العبري بجامعة عين شمس ، من ترجمة الوثائق الإسرائيلية المتعلقة بحرب أكتوبر 1973 ، ليصدر الجزء الأول في كتاب ضخم يقع في 728 صفحة عن المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة . وقد بدأت عملية الإفراج عن وثائق الحكومة والجيش في إسرائيل في الذكري الخامسة والثلاثين لحرب أكتوبر ، ووصلت ذروتها عام 2013 في الذكري الأربعين لتلك الحرب . وطبقا لما نشره رئيس فريق الخبراء المصريين الذين قاموا بترجمة هذه الوثائق ، فإن عددها يبلغ 118 وثيقة تقريبا ، تنقسم الي مجموعتين : الاولي تضم محاضر اجتماعات المجموعة القيادية الوزارية لإدارة الحرب بين يومي 6 و 9 أكتوبر 1973 وعددها ثمانية محاضر ، ويتراوح حجمها بين 3 صفحات لأصغرها و 18صفحة لأكبرها حجما ، وقد نشرها الأرشيف الرسمي الإسرائيلي ونقلتها صحيفة يديعوت أحرونوت. أما المجموعة الثانية من الوثائق الإسرائيلية فتضم شهادات المسئولين السياسيين والعسكريين والقادة الميدانيين أمام لجنة اجرانات ، نسبة إلي القاضي الإسرائيلي الشهير اجرانات ، التي تشكلت بعد حرب أكتوبر 1973 للتحقيق في أسباب التقصير الذي ادي لهزيمة الجيش الإسرائيلي في الحرب وتحديد المسئولين عنه. ويتراوح حجم تلك الشهادات بين 20 صفحة لأصغرها و 180 صفحة لأكبرها ، ويقع عدد كبير من تلك الشهادات بين السبعين والمائة صفحة. لكن هل تم نشر جميع محتويات تلك الوثائق ؟ وما الدروس المستفادة منها ؟ وما المؤشرات والدلالات الكامنة في سياق الوثائق الإسرائيلية الخاصة بحرب أكتوبر؟ . يقول الدكتور إبراهيم البحراوي : ان الجيش الإسرائيلي حرص علي حذف مقاطع عديدة من سطور هذه الوثائق ، وتتراوح بين كلمة أو عدة كلمات أو فقرة أو صفحة أو عدة صفحات ، وهو أمر ذو دلالة ؛ إذ إن هناك أمورا تريد القيادة الإسرائيلية اخفاءها رغم مرور أكثر من 40 سنة علي حرب أكتوبر، ربما لعلة تتعلق بالحالة المعنوية للإسرائيليين وأسرار الأمن الوطني الإسرائيلي. ولعل أهم الدروس التي استفادتها إسرائيل من هزيمتها في تلك الحرب ، ضرورة إنشاء أكثر من مركز لإعداد وتقديم التقديرات حول احتمالات الحرب بعد أن كان الأمر متروكا للمخابرات العسكرية (أمان) وحدها حتي حرب أكتوبر، والتي ثبت فشلها في كشف خطة الخداع الاستراتيجي التي أتقنها الرئيس أنور السادات بمعاونة كبار قادة الجيش المصري في ذلك الوقت . وتحوي شهادات المسئولين الإسرائيليين أمام لجنة اجرانات - حسب تحليل فريق الترجمة المصري - العديد من الإضافات والدلالات ، فكثير من الإشارات الغامضة في وثيقة ما ، يمكن فك غموضها عند مطالعة وثائق اخري . وعلي سبيل المثال ، فقد ورد في شهادة رئيسة مجلس الوزراء الإسرائيلي جولدا مائير خبر عن سفرها الي النمسا في نهاية شهر سبتمبر 1973 دون إيضاح لأسباب تلك الرحلة ورغم توارد الأنباء عن الحشود السورية . لكن نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي يجائيل ألون كشف في شهادته أمام لجنة اجرانات أن سفر جولدا مائير الي النمسا كان بهدف متابعة عملية قام بها عدد من الفلسطينيين بخطف مجموعة من المهاجرين اليهود السوفييت الذين كانوا في طريقهم الي النمسا ومنها الي إسرائيل. وهنا يثور سؤال : هل كانت عملية خطف اليهود السوفييت مقصودة في ذلك التوقيت لتشتيت أذهان القيادات الإسرائيلية وصرف اهتمامهم عن التركيز علي مسألة الحشود التي بدأت علي الجبهة السورية في 27 سبتمبر ، أي قبل اندلاع الحرب بعشرة ايام ؟ ويلاحظ القارئ المدقق في الوثائق الإسرائيلية المتعلقة بحرب أكتوبر، وجود اسماء تدليل تشير إلي بعض القادة مثل ( دادو ) ويقصد به دافيد اليعازر رئيس الأركان، و ( جورديش ) والمقصود شموئيل جونين قائد الجبهة الجنوبية علي الحدود المصرية ، ومثل ( حكاه ) اي الجنرال حوفي قائد الجبهة الشمالية علي الحدود السورية ، ومثل ( إريك ) ويقصد به أرييل شارون .. وهكذا . ومن أهم وأغرب ماكشفته تلك الوثائق الإسرائيلية ، ويبرهن علي نجاح خطة الخداع الاستراتيجي التي اتقنها الرئيس السادات ، ماذكرته جولدا مائير ، أمام لجنة اجرانات ، من أنها لم تجد في تل أبيب سوي عدد محدود من الوزراء ( 3 فقط من مجموع 18 وزيرا !) وذلك عندما ايقظوها فجر يوم 6 اكتوبر 1973 ليخبروها بأنه أصبح من المؤكد وقوع هجوم عسكري مصري - سوري في الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه . لمزيد من مقالات د. عبدالله زلطة;