9 سبتمبر عيد الفلاح. يوم فى العام تعلن فيه أجهزة الدولة أنها ما زالت تذكر الفلاح المصرى، وتؤكد ولو «برو عتب» أنها تعرف معاناته وفقره وتسعى إلى تحسين أحواله. التاسع من سبتمبر 2016 مر فى صمت، ونسى الجميع الفلاح المصرى. منذ عامين، استبشرنا جميعا خيرا عندما اقترن الاحتفال بعيد الفلاح بالإعلان عن مجموعة من القوانين تستهدف مساندة الفلاح المصرى وتعويضه عن الكوارث الطبيعية والآفات التى تودى بمحصوله، وتوفر التأمين الصحى للفلاحين والعمال الزراعيين، وتسمح بإنشاء نقابة عامة للفلاحين تعمل على رعاية مصالحهم والدفاع عنهم، وتضع إطارا لتسويق المحاصيل وفقا لنظام الزراعة التعاقدية يضم الفلاح والجمعية الزراعية والشركات الراغبة فى شراء المحصول. الكل استبشر خيرا. إلا أن الفلاح المصرى لا يزال ينتظر تفعيل تلك القوانين على أرض الواقع وأن تنعكس آثارها على حياته وصحته ومستوى معيشته، والاقتصاد المصرى لا يزال ينتظر زيادة الإنتاج الزراعى وامتلاك الحد الأدنى من مقومات الأمن الغذائى. الفلاح المصرى لا يزال يحلم بألا تنتزع منه أرضه وبألا يخرج مدينا فى نهاية كل موسم زراعى. الفلاح المصرى لايزال يقع تحت مقصلة القانون رقم 96 لسنة 1992 المعروف بقانون تحرير إيجارات الأراضى الزراعية، والذى ترك الأمر للتفاوض بين المالك والمستأجر، وكأننا نتحدث عن قوتين متساويتين! الإيجارات ارتفعت إلى عنان السماء، والنمط السائد للعلاقة بين المالك والمستأجر للأراضى الزراعية صار يتمثل فى العقود غير المسجلة. الفلاح أصبح معرضا للطرد فى اللحظة التى يريدها المالك. عقود الإيجار صارت قصيرة المدة وأحيانا تكون لمدة موسم زراعى واحد بعدها يتم التعاقد على زيادة جديدة فى الإيجار. الفلاحون يطالبون بعقود إيجارات زراعية مستقرة لا تقل عن خمس سنوات، وبأن تتحدد القيمة الإيجارية بحسب جودة الأرض والعائد الفعلى لها. استقرار عقود الإيجارات الزراعية ليس ترفا وهو أمر قائم بالفعل فى الدول الرأسمالية العريقة. فى فرنسا تتراوح عقود تلك الإيجارات بين تسع سنوات و18 سنة. فى انجلترا ينص قانون الإيجارات الزراعية على أنه إذا لم يحدد العقد دورية تغيير الإيجار فيحق لكل من المالك أو المستأجر أن يطلب تعديل الإيجار مرة كل 3 سنوات، وإذا رغب المستأجر فى ترك الأرض فعليه أن يخطر المالك قبلها بمدة كافية تصل إلى خمس سنوات ولاتقل فى كل الأحوال عن سنة. قانون تحرير الإيجارات ينص على تسجيل الأرض فى الجمعيات الزراعية باسم مالك الأرض وليس باسم الفلاح الذى يقوم بزراعتها فعليا. الأسمدة والمستلزمات الزراعية المدعمة من الدولة تسلم للمالك الذى يقوم فى كثير من الأحيان ببيعها فى السوق، لكى يشتريها الفلاح الذى يقوم بزراعة الأرض فعليا بالسعر المرتفع. الدعم الذى تتحمله الموازنة العامة للدولة، ونتحمله نحن كدافعى ضرائب، يذهب للمالك وليس لمن يزرع الأرض بيده. الفلاحون يطالبون بزيادة المقررات الموزعة بالجمعيات الزراعية من مستلزمات الإنتاج المدعمة، وبأن يتم تسليمها للمزارعين الفعليين. الفلاح المصرى لا يزال يحلم بحماية حقه فى ملكية أرضه وبألا يطرد منها. حالات طرد الفلاحين تتعلق بالأساس بنزع ملكيات أراض قاموا بدفع ثمنها بالكامل على مدى عقود طويلة وتوارثوها منذ آلت إليهم بموجب قوانين الإصلاح الزراعى، وصاروا يطردون منها بالقوة الجبرية إما لحساب الأسر الإقطاعية القديمة، أو لحساب جمعيات إسكان معينة. العقود والوثائق الرسمية التى تثبت ملكية الفلاحين للأراضى لا تجدى. أحكام القضاء التى تنتصر لهم وتؤكد أحقيتهم بملكية الأرض لا تجدى. وكأن الأمر ثأر قديم مع الفلاحين ومع قوانين الإصلاح الزراعى، وإصرار على محو كل آثارها. الكارثة الحقيقية هى أن تجريد صغار الفلاحين من حيازاتهم يتم بغرض تبوير الأراضى التى تنتزع لإقامة مجمعات سكنية ومولات تجارية! العامل الزراعى المصرى لا يزال يحلم بأن يدخل تحت مظلة قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية. المادة 4 من قانون العمل تستبعد العاملين فى الزراعة البحتة، كما تستبعد من يعملون منهم لدى أسرهم من سريان البنود الخاصة بتنظيم التشغيل واشتراطات السلامة الصحية والمهنية، والأجور. العامل الزراعى يحلم بأن يدخل تحت مظلة قانون التأمين الصحى الشامل، والذى تستبعد مسودته الفلاحين المعدمين وتنص فقط على المزارعين أعضاء الجمعيات الزراعية أى من يملكون أو يقومون باستئجار أراض زراعية وأصحاب مشروعات الإنتاج الحيوانى والتصنيع الزراعى. الفلاح المصرى لا يزال ينتظر الحد الأدنى للحياة الكريمة.. ولكننا نسيناه.. حتى فى يوم العيد. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى