كالعادة، تتبدد طاقتُنا فى بذل جهود استثنائية لإيجاد إجابات وافية وتفسيرات وتبريرات عن سؤال أقل أهمية فى قضية مهمة، على حساب الهدف الأساسى الذى يستوجب التركيز على الجوهر! مثلاً، ينصبّ الاهتمام الكبير هذه الأيام على كيفية هروب الأطفال الأقباط من مصر إلى سويسرا بعد الحكم عليهم بأحكام جائرة فى إدانتهم بإزدراء الدين الإسلامى، فى مقطع فيديو لا يزيد على 30 ثانية نُشِر على الإنترنت، قلَّدوا فيه، فى تمثيل هزلى، عملية إرهابية يذبح فيها إرهابيو داعش أحد الضحايا. وذلك فى وقت كانت مصر كلها تنتقد داعش وتسخر منهم أشد سخرية، ما عدا رفاقهم. يتوارى الموضوع الرئيسى المهم فى خضم الأسئلة التى يُصرّ البعضُ الآن على أن يكون لها الصدارة: من ساعدهم على الهروب؟ وكيف؟ وعبر أى سبل خرجوا من مصر إلى تركيا؟ ومن وفَّر لهم المأوى وأنفق عليهم طوال إقامتهم لعدة أشهر؟ وكيف وصلوا إلى سويسرا؟ وما هى الجهة التى تولَّت تسهيل حصولهم على لجوء سياسى؟..إلخ دوَّامة تُخفى أهم شئ، وهو إن هناك ظلماً رهيباً وقع على صبية فى مقتبل العمر، وأن القانون وإجراءات التقاضى كانت سلاحاً فى إنزال هذا الظلم، وأن نظام العدالة يجيز التعرض لهذا الظلم، وأن كل ردود الأفعال المتعاطفة معهم غير مجدية لإنصافهم، وأنه لم يعد أمامهم أدنى أمل، ولم يبق خيار سوى الفرار، وإلا كانوا مشاركين فيما وقع عليهم. هؤلاء الأطفال ليسوا مثل الفاسدين العمالقة الذين يَفرّون بملياراتهم المنهوبة، وأحياناً من قاعة كبار الزوار فى صحبة مسئولين على قمة السلطة (هل تذكر ممدوح إسماعيل صاحب العبّارة التى راح ضحيتها أكثر من ألف مواطن مصرى؟) فضيحة بسبب الحكم ضدهم، وفضيحة أكبر يثيرها هروبهم، وفضائح متوقعة لما سوف يأتى! وأما أكبر المآسى، فتتجسد فى أنه ليس هنالك صاحب قرار فى مصر يرى نفسه مسئولاً عما حدث وعما سوف يحدث! مطلوب إصلاح جذرى، لأنه من غير الممكن أن نستكين طويلاً لهذا القصور الذاتى المُدَمِّر؟! [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب