كان يكفي العالم التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي يواجهها حاليا لمناقشتها خلال اجتماعات قمة العشرين في الصين غدا وبعد غد، إلا أن بريطانيا أضافت بتصويتها الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي تحديا جديدا يعزز حالة الغموض والقلق علي مستقبل مشروع الوحدة الأوروبية من ناحية والوضع الاقتصادي الدولي من ناحية أخري. وتتجاوز مخاطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الجانب الإقتصادي والأمني إلي المزاج السياسي العالمي فبريطانيا التي طالما كانت علي رأس مشروعات العولمة وانفتاح الأسواق وإزالة العراقيل أمام التجارة العالمية وحرية انتقال العمالة، سواء عبر تأسيسها اتفاقية »بريتون وودز« أو انضمامها لمنظمة التجارة العالمية والاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع ثم مجموعة العشرين لاحقا، أظهرت بتصويت البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي، حالة تململ متزايدة من سياسة »الباب المفتوح« وتفضيل فرض قيود علي حرية انتقال العمالة ورأس المال وانتهاج سياسات حمائية تجد الكثير من الأصداء في دول أوروبية اخري مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليونان، وذلك في تعارض ضمني مع اجندة قمة العشرين المقبلة والتي من ضمن قضاياها تعزيز تحرير التجارة العالمية. وتظهر استطلاعات الرأي معارضة قوية في المانياوفرنسا والنمسا لاتفاقية تحرير التجارة عبر الأطلنطي بين امريكا والاتحاد الأوروبي والتي يتم التفاوض حولها حاليا. وفي ضوء الميل العالمي للحمائية وغلق الأبواب، ستكون مهمة قمة العشرين أكثر صعوبة لتمرير برامج تقوم علي إزالة القيود أمام التجارة والاستثمارات والعمالة والبضائع. وتقول منظمة التجارة العالمية إنها سجلت أكبر زيادة في القيود المفروضة علي التجارة الدولية بين دول العشرين منذ بدأت جمع البيانات في عام 2009. وتتزايد المخاوف الدولية من ميل دول أوروبية مؤثرة لغلق أبوابها وتفضيل سياسات حمائية مع اقتراب استحقاقات انتخابية مهمة في أوروبا، علي رأسها الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في كل من المانياوفرنسا، والتي توضح المؤشرات ارتفاع شعبية أحزاب اليمين في البلدين فيها. ومن المعروف ان زعيمة اليمين الفرنسي ماري لوبان تريد إجراء استفتاء في فرنسا حول استمرار فرنسا أو خروجها من الاتحاد الأوروبي. ويعزز قلق قادة قمة العشرين أن مفاوضات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي لم تبدأ بعد، وعندما تبدأ، غالبا في 2018، فإنها ستكون بالغة الصعوبة. وحذر وزراء مالية قمة العشرين من أن قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي يهدد النمو الاقتصادي العالمي، كما حثوا لندن علي إبقاء »أقوي علاقات ممكنة« مع الأتحاد الأوروبي. ولا تنكر بريطانيا أن غموض علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي قد يكون له تبعات سلبية علي الاقتصاد العالمي. وفي هذا الصدد، قال وزير الخزانة البريطاني فيليب هاموند في اجتماع تمهيدي مع نظرائه من وزراء الخزانة في مجموعة العشرين في مدينة تشنغدو الصينية: »الحقيقة هي أنه سيكون هناك قدر من عدم اليقين سيتواصل خلال المفاوضات حتي التوصل لإتفاق مع الاتحاد الأوروبي«. وحتي الآن لم يتأثر الاقتصاد العالمي بقرار البريطانيين مغادرة الأتحاد الأوروبي والسبب الرئيسي وراء ذلك هو أن إجراءات الخروج لم تبدأ بعد. ومن المقررر أن يؤكد قادة قمة العشرين في نهاية مباحثاتهم أن لديهم »الأدوات اللازمة لمواجهة أي عواقب اقتصادية أو مالية محتملة لقرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي«. لكن الوضع ليس ورديا في بريطانيا نفسها بعد التصويت بالخروج فالبيانات والأرقام الواردة من بريطانيا تشير إلي تباطؤ اقتصادي.. ف66 شركة بريطانية أصدرت تحذيرا حول الأرباح المتوقعة خلال الأشهر المتبقية من هذا العام وفي الشهر الماضي، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن نسبة نمو الاقتصاد البريطاني من 1.9% إلي 1.7% لباقي 2016. كما خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي من 3.2% إلي 3.1%. وتقول مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد إن قمة العشرين تأتي »في توقيت عدم يقين سياسي من تصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي«.