تستضيف العاصمة الكينية نيروبى وللمرة الأولى فى تاريخها وتاريخ قارتها قمة مؤتمر طوكيو الدولى السادس لتنمية أفريقيا «تيكاد 6»والمزمع انعقاده فى الفترة ما بين 27 و28 من أغسطس الجاري. وتهدف هذه القمة، التى سيتم تنظيمها بالتعاون والتنسيق الكامل مع الحكومة اليابانية، إلى تعزيز شتى أوجه المشاركة الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية بين طوكيو ومختلف العواصم الأفريقية وبمشاركة بعض المؤسسات المالية الدولية لتحقيق أعلى معدلات التنمية الشاملة والمستدامة فى مختلف أقطار القارة السمراء. يدل انعقاد «تيكاد 6» فى كينيا هذا العام وبعد 3 سنوات فقط من انعقاده آخر مرة عام 2013 فى العاصمة اليابانيةطوكيو، التى دأبت على عقده داخل أراضيها طول دوراته الخمس السابقة منذ عام 1993 وحتى الآن وإجرائه وبانتظام كل 5 أعوام وليس فقط كل 3 كما هو الحال الآن، على أن الجديد فى المسألة أمران، أولهما تغيير عامل الزمان بعقد المؤتمر كل 3 سنوات بدلا من 5، وثانيهما ثمة تغيير آخر فى عامل المكان بنقله من طوكيو إلى القارة السمراء على سبيل التناوب وابتدائه هذه المرة بكينيا، التى وإن مثلت إحدى المحطات المؤقتة لانعقاد هذا المؤتمر، فإنه توجد بلا شك أسباب وراء اختيارها والابتداء بها دون غيرها من دول القارة الأخرى. ويعد تعديل توقيت انعقاد «تيكاد» ليتم كل 3 سنوات بدل 5 كما تم خلال المرات الخمس الأولى وفى أعوام 1993 «تيكاد 1»، و1998 «تيكاد 2»، و2003 «تيكاد 3»، و2008 «تيكاد 4»، و2013 «تيكاد 5»، أمرا له ضرورته ومغزاه. وتتمثل الضرورة فى أن بعض دول القارة الأفريقية بدأت مؤخرا تضع أقدامها على الطريق الصحيح وتسجل معدلات نمو اقتصادى غير مسبوق فى تاريخها، وبالتالى فقد باتت هناك حاجة لتقليص الفترة الزمنية بين انعقاد كل دورتين لهذا المؤتمر بما يتماشى مع سرعة وتيرة معدلات نمو هذه الدول ودعمها، وبما ينعكس على تحقيق الأهداف المرجوة من تلك القمة ومن وراء انعقادها وفى مقدمتها تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للدول الأفريقية لتوفير الرخاء والرفاهية لشعوبها. وفيما يتعلق بتغيير عامل المكان، لم يأت انعقاد «تيكاد 6» هذا العام فى أفريقيا بصفة عامة وفى كينيا بصفة خاصة من قبيل المصادفة، وإنما تم الإعداد والتنسيق والتخطيط لهذه المسألة من قبل الحكومة اليابانية والشركاء الأفارقة جيدا ومسبقا عقب اتفاق الجانبين خلال قمة «تيكاد 5» عام 2013 على أنه ومن منطلق أن القارة الأفريقية هى المنوطة والمعنية بهذا الحدث ونتائجه فإنه حرى بها أن تتناوب مع اليابان فى استضافة هذا المؤتمر داخل حدودها وفى إحدى دولها الواحدة تلو الأخرى وفقا لما يتم الترتيب له والاتفاق عليه كل مرة. ويرجع اختيار كينيا والابتداء بها هذه المرة إلى عوامل وظروف اقتصاد إيجابية تميزت بها هذه الدولة دون غيرها من أشقاء قارتها دفعت إلى تقديمها لاستضافة هذا الحدث، أولها تنوع مصادر دخلها ليشمل الصناعة والزراعة والبناء والتشييد والتعدين والإدارة العامة والخدمات والنقل والمرافق والبنى التحية والسياحة والتى جعلت منها اقتصادا صاعدا فى الوقت الذى تعانى فيه ليس بعض دول قارتها فقط وإنما أخرى أوروبية كاليونان والبرتغال وغيرهما من أزمات اقتصادية طاحنة. وثانى هذا العوامل أن معدل النمو الاقتصادى فى كينيا بلغ 5،8٪ خلال العام الجارى 2016، مما جعلها مستعدة لتكون منارة منطقة شرق أفريقيا التنموية، وإحدى قواعدها الاقتصادية بعد أن أصبحت أكبر اقتصاد فى منطقة الجزء الشرقى لها. وثالث هذه العوامل هو اعتزام حكومتها تنفيذ المشروع الرائد لبرنامج التنمية الكينى لعام 2030 والمتمثل فى إنشاء خطوط سكك حديدية بتمويل معظمه صينى يربط بين ميناء مومباسا والعاصمة نيروبي، مما سيكون له بالغ الأثر فى زيادة حجم التجارة الأفريقية - العالمية ويجعل من كينيا مركزا تجاريا فى منطقة شرق القارة. ومن منظور ياباني، تتمثل موافقة الحكومة على خطوة تناوب مكان انعقاد المؤتمر بين طوكيو ودول أفريقيا بناء على أنها ستمكن المسئولين والاقتصاديين اليابانيين وبسهولة من الوقوف وفى كل من هذه الدول الأفريقية على حقيقة الأوضاع الاقتصادية لها والفرص الاستثمارية المتاحة بها وكافة أنواع احتياجاتها بما يمكن ويسهل من دعم طوكيو لها ومساعدتها بهدف الارتقاء والنهوض بها بناء على أن العلاقة بينها وبين طوكيو قائمة على المشاركة والصداقة وليس الهبات والمساعدات. وفى نهاية المطاف، تدرك الحكومة اليابانية بصفة خاصة وغيرها من حكومات دول العالم الأخرى بصفة عامة أن أفريقيا هى القارة البكر الوحيدة فى العالم والتى ما زال بها فرص استثمار وتجارة ومشاركة وأسواق كبيرة واقتصاديات واعدة، ولعل هذه الأسباب وغيرها هو ما دفع طوكيو وبالتنسيق مع بعض المؤسسات العالمية كالبنك الدولى وصندوق الأممالمتحدة الإنمائى ومكتب المستشار الخاص للشئون الأفريقية التابع للأمم المتحدة ومفوضية الاتحاد الأفريقى إلى طرح فكرة مبادرة «تيكاد» عام 1992 كمؤتمر لتنمية أفريقيا، والتى ما لبثت أن تحولت إلى واقع عملى شهد العالم أول حدث به بعد عام واحد.