وكأنه سيناريو معد سلفا لإِشعال نار الفتنة والفرقة والخلاف بين أبناء الوطن الواحد، فمن فترة لأخرى نرى تخطيط المغرضين والحاقدين، من خلال تضخيم الأحداث والتركيز على الأمور الفردية والخلافات الشخصية التى تحدث بين الجيران فى كل مكان، ولكن لأن طرفى الحادث أحدهما مسلم والآخر مسيحي، نجد البعض يفسر ما يحدث بالفتنة الطائفية، بالقطع - فى بعض الأحيان- هناك سوء فهم فيما يتعلق بالعلاقة بين المسلم والمسيحي، وهناك من لا يريد خيرا لهذا الوطن، ويسعى لتدمير العلاقات بين أبناء الوطن الواحد، وهذا يتطلب دورا من العلماء والدعاة لتصحيح المفاهيم المغلوطة. ونحن بدورنا نناقش رؤية علماء الدين للأزمة، وأبعادها وأسبابها وأوجه التقصير وسبل المواجهة، ودور الأئمة والدعاة وخطباء المساجد، فى وأد الفتنة الطائفية، ومواجهة الأحداث التى تقع من فترة لأخري، نتيجة الفهم المغلوط للدين، وضرورة التوعية فى المساجد، وألا يكون ذلك مرتبطا بوقت وزمن الأحداث، بل يكون ضمن خطة دعوية شاملة، ومواجهة مثيرى الفتن، ونشر قيم التسامح وبيان موقف الإسلام من غير المسلمين. علماء الدين يؤكدون ضرورة التصدى بكل قوة وحسم لمثيرى الفتن بين أبناء الوطن الواحد، الذين يصورون تلك الخلافات الفردية على أنها فتنة طائفية. وأوضح العلماء أن هناك تقصيرا فى التوعية الدينية من الجانبين، وأن المشتغلين بالدعوة والموعظة من الأئمة والقساوسة فى حاجة لبرامج تدريبية للتعامل مع الآخر. وثيقة المدينة نموذجا ويقول الدكتور علوى خليل، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إن هناك مسئولية كبرى تقع على عاتق علماء الدين الإسلامى ورجال الدين المسيحي، وذلك من خلال تصحيح المفاهيم، والتصدى لأصحاب الفكر المغلوط، موضحا أن الأديان السماوية تسعى للقيم والأخلاق والفضيلة، وطالب الأئمة والدعاة بشرح موقف الإسلام من غير المسلمين، مشيرا إلى أن وثيقة المدينة التى وضعها النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، ساوت بين الجميع من أهل المدينة، ولابد أن نتعلم معنى المواطنة من هذه الوثيقة. وشدد على أن أوجه القصور تكمن فى عدم التصدى بقوة وحسم لمن يرتكب مثل هذه الجرائم التى تؤثر على استقرار الوطن، وطالب الأجهزة المعنية بتقديم المتهمين للمحاكمة، وأن يكون هناك وعى لدى الجميع بالمخاطر التى يتعرض لها الوطن. وأشار إلى أن مسئولية مواجهة مثل هذه الأحداث والتصدى لها ومنعها تتحملها جهات ومؤسسات مختلفة، فهناك دور كبير للمؤسسات الدينية فى التوعية وبيان صحيح الإسلام، والمؤسسات الإعلامية يجب أن تقوم بدورها فى التوعية والتركيز على الجوانب الايجابية، وعدم إثارة الفرقة والخلاف، بل ومواجهة المغرضين فى بعض وسائل الإعلام الأخري، هذا بجانب دور وزارتى الثقافة والشباب . ضعف الوعى الدينى وفى سياق متصل قال الدكتور بكر زكى عوض، عميد كلية أصول الدين الأسبق، إن الوعى الدينى قل عند كثير من الطرفين الإسلامى والمسيحي، وأن من عنده معرفة دينية فهو غير ملتزم بها على أرض الواقع، فضلا عن وجود بقايا سوء من تيارات عدة لاترغب فى أن يستقر أمن المجتمع، ويغتنمون كل فرصة متاحة لإيقاظ جذوة نار الفتنة الطائفية وسكب الزيت على هذه النار، كما أن المغالين من الطرفين الإسلامى والمسيحى يجب عليهم احترام القوانين، وأن يعملا معا لنشر التوعية بحقوق الجوار والسلم الاجتماعي. الدور السلبى للإعلام وأضاف: إن المشتغلين بالدعوة والوعاظ والقساوسة على السواء بحاجة إلى برامج تدريبية للتعامل مع الآخر، ويمكن أن يتم ذلك بعقد مؤتمرات وندوات لإبراز المشترك والتركيز عليه، وترك المختلف فيه، وعلى المغرضين فى الإعلام ألا يشعلوا نار الفتنة مع كل حدث محدود ليجعلوا منه قضية كبري، لأن هناك خلافات تحدث بين المسلم والمسلم، وخلافات تحدث بين المسيحى والمسيحي، لكن عندما يحدث أى خلاف بين مسلم ومسيحى نجد الإعلام المغرض يحول الخلاف الفردى إلى ما يسمى بفتنة طائفية، ليجعلوا منها مشكلة. التعايش السلمى من جانبه يرى الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق، أن هذه الأحداث تقع نتيجة عدم فهم للدين، كما أن هناك من يشعلون الفتن فى المجتمع. وأوضح أن الإسلام يمنع التعدى على غير المسلم، والنبى صلى الله عليه وسلم قال فى الحديث الشريف: “من آذى ذميا فقد آذاني”، وقد قال الله عز وجل فى القرآن الكريم “وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَي ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ”، فهم أقرب إلينا مودة كما جاء فى الآية الكريمة، وينبغى ألا نعتدى عليهم، بل يجب أن نحسن إليهم، والحق سبحانه وتعالى يقول” لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”، والبر كما يقولون أمر هين، بشاشة وكلام لين، والقسط هو العدل، فالإسلام يأمر بحسن معاملة غير المسلمين والتعايش السلمى وقبول الآخر . فتنة مستوردة وأكد الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، أن المصريين منذ العصر الفرعوني، مرورا بالعصر القبطى والعصر الإسلامي، كتلة واحدة ونسيج واحد، أما هذه الأحداث التى تظهر من فترة لأخري، فهى فتنة مستوردة، ونوع من الحرب التى تهدف لضرب استقرار الوطن، فهناك أعداء الأمة الذين لا يريدون لهذا الوطن أن يستقر وينعم، ويحاولون دائما نشر الفرقة والانقسام والخلاف بين أبناء الوطن الواحد، موضحا أن غياب الوعى الدينى والأمية أسباب مباشرة لهذه الأحداث، كما طالب بأن تتدخل الدولة بحسم فى هذه القضية، من خلال دراسة أسباب هذه المشاكل، والعمل على وضع تصور يحل جذور هذه الخلافات ويحقق الهدوء والتفاهم، وأن يكون هناك تفهم لمطالب بناء دور العبادة، ويجب على الإعلام عدم التركيز على الأحداث الفردية، لأن هذا يصور الأمر وكأن هناك فتنة طائفية، رغم أن المصريين مسلمين ومسيحيين نسيج واحد. الإنجيلية تشترى50 صك أضحية في إطار اللحمة الوطنية والنسيج الوطني الواحد اشترت الهيئة القبطية الإنجيلية برئاسة القس أندريه زكي خمسين صك أضحية بمبلغ 60 ألف جنيه ، بما يؤكد أن المصريين سيظلون بفضل الله تعالى نسيجًا وطنيًا واحدًا متماسكًا ، يُعلُون قيمة الإنسان كإنسان بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو لغته ، في إطار المشترك الإنساني والمواطنة المتكافئة.