في أزمات الفتنة الطائفية.. فتش دائما عن الشيطان! فهو الذي فرق بين المصريين مسلمين وأقباط, بعد أن جمعتهم ثورة52 يناير! وفي ميدان التحرير, لم يكن باستطاعة أحد أن يميز بين مسلم وقبطي.. كان الجميع علي قلب رجل واحد ، كلهم كانوا يهتفون ضد النظام. ممسكين بالقرأن والإنجيل.. كان المسلمون يؤدون الصلاة, والأقباط يحرسونهم.. وكان الاقباط يرددون التراتيل, والمسلمون معهم, وفوق هذا وذاك لم تفرق رصاصات الغدر بين مسلم وقبطي, فقد اختلطت الدماء, وتوحدت المشاعر! ومن بعد ثورة, نشط الشيطان الفتنة الطائفية, ففرق عنصري الأمة, بعد حادث أطفيح, وبعد تطبيق حد القصاص علي أحد الإخوة الأقباط, وقطع أذنه, وسط استنكار كبير من الشعب المصري بمختلف طوائفه, وانتماءاته! وفي العادة, تبدأ الأزمات الطائفية كبيرة, ثم تصغر, بفعل تلاحم المصريين وتصديهم لكل محاولات إثارة الفتن الطائفية, وفي العادة أيضا تمر مثل هذه الأزمات بسلام, لكننا في النهاية لانتخذ من التدابير ما يجعلنا نقضي علي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء انفجار مثل هذه الأزمات, التي تقع بين الحين والاخر, إما لقصور في الخطاب الديني تتحمل مسئوليته المسجد والكنيسة علي السواء, أو للشحن الطائفي المستمر من جانب بعض الفضائيات, أو من جانب المتعصبين, وأعداء الوحدة الوطنية في الداخل والخارج, أو لغياب ثقافة التسامح, ومن ثم تربص كل طرف بالأخر, والانجراف وراء كل شائعة, أو حادث فردي, وعابر, فيصوره البعض علي أنه نموذج شائع في المجتمع المصري, مع أن المسلمين والأقباط بشهادة الطرفين هم أبناء وطن واحد, تجمعهم أواصر الود, والاحترام, والمحبة.. وتلك هي القاعدة, وما دون ذلك هو الاستثناء.. ومهما حاول البعض إثارة زأمة أو فتنة.. فإن الأزمات تمضي في النهاية الي حال سبيلها, لأن الأزمات أثبتت أنها توحد المصريين( مسلمين وأقباط) ولا تفرقهم! غياب التسامح يرجع في رأي الشيخ محمود عاشور وميل الأزهر السابق إلي أسباب عديدة منها تراجه الخطاب الديني, وتقصير المسجد والكنيسة في أداء دورهما في التوعية, والارشاد, فقد أصبحنا بحاجة الي خطاب ديني يجمع ولايفرق, ويناقش القيم والأفكار الايجابية, والسلوكيات والثوابت المشتركة بين الدين الإسلامي والمسيحي والتي تدعو إلي السلام والأمان, والاستقرار, والمحبة, ولنبدأ من المدرسة, وأن تكون حصة الدين مشتركة يحضرها التلاميذ من الجانبين, لنبذ مشاعر التفرقة, وإزالة الحواجز التي تحول دون إشاعة الثقة بين المسلمين والأقباط. وبشكل عام يري الشيخ محمود عاشور أننا بحاجة الي جهد أكبر, وعمل مكثف, لتكريس الأفكار والقيم الايجابية, فالدين الإسلامي لايعادي دينا ولايحارب دينا, والآيات الدالة علي ذلك كثيرة, ففي شزن الأقباط يقول المولي عز وجل في كتابه العزيز ولتجدت أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون( المادة), وفي سورة( الممتحنة) يقول المولي عز وجل لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين, ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين( صدق الله العظيم) والبر يعني المودة والمحبة والإخاء, والرحمة, والقسط يعني العدل, كما أن الإسلام دعانا أن نأكل من مأكلهم ونشرب من نشربهم, ونتزوج منهم. ولاشك أننا بحاجة الي نشر دعوة السلام والأخاء والمحبة, والتعاون, وجمع الكلمة, وألا نعطي الفرصة للمتربصين أن يعبثوا بأمن مصر, كما أنه لابد للجميع أن يدركوا أن القوي الاجنبية تفسد ولاتعمر, وتهدم ولاتبني, وعلينا زلا ننسي أن أول هجرة في الإسلام كانت الي الحبشة, وكان ملكها النجاشي مسيحيا, وكانت أرض صدق, ولم تكن فيها عنصرية ولاتعصب, وكانت الهجرة إلي هذا المكان لأنه لم يكن يظلم به أحد القضية في رأي الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية لها أبعاد كثيرة, فالبطالة, والعشوائيات, والخطاب الديني الهزيل تخلق جميعا بيذة خصبة لنشر دعاوي التعصب, والتطرف, وكذلك الأرهاب, وفي ظل هذه الظروف تكثر الفرقة, وتتعمق الخلافات, وينشأ مجتمع غير متوازن تكثرفي المشاكل, وتتزايد فيه الفتنة, والاستقطاب لسلوكيات غير سليمة, وهدامة, تطيح باستقرار المجتمع, وتهدد ثوابته الاجتماعية, وقيمة الايجابية, وفي مثل هذه الأجواء يجد المغرضون الفرصة سانحة لإشاعة سوء الظن, كما يكون ضعاف النفوس لقمة سائغة يستغلها البعض في الأرهاب, والعنف. وبشكل عام, والكلام مازال للدكتورة عزة كريم فإن هناك قصورا في الكثير من الجوانب, فبعض أئمة الأوقاف بحاجة الي التثقيف, والتوعية, والتدريب, كما أن الكنائس يجب أن تقوم بدورها في التوعية, ونشر قيم التسامح, والتعاون, والدعوة لنبذ الفرقة والخلافات, ومن الضروري أن تعمل المناهج التعليمية منذ الصغر علي نشر المبادئ, والاخلاقيات السامية, وعدم التفرقة بين أبناء الشعب الواحد, كما أن الدراما لابد أن تتجه لتكريس الأفكار الايجابية, وإشاعة قيم الحق والعدل, والخير, لا لكراهية, والتطرف, والتعصب, والعنف. وهنا يوجه الدكتور عصام مليجي أستاذ علم النفس الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية الجنائية أصابع الاتهام إلي أيد خفية تعبث بأمن المجتمع المصري, وصحافة محلية تثير القضايا الشائكة التي تحرض علي الفتنة, وتثير النعرات الطاذفية, وتفتح الباب أمام قضايا لاطائل منها سوي تعكير صفر العلاقة بين المسلمين والأقباط, كخطف الإناث, أو حادث فردي يتعلق بالاعتداء علي مسجد أو كنيسة, أو دعاوي لاعتناق الرسلام أو المسيحية, وكلها تزكي روح التعصب, وتشعل نيران الفتنة. وبرغم الحوادث الفردية التي تقع بين الحين والاخر, فإن علاقة الود التي تجمع المسلمين والأقباط ليست محلس شك, فالجميع يعيش تحت مظلة من الود, والاحترام المتبادل لكل المشاعر والمعتقدات, ولايمكن أن يقلل حادث فردي يقع هنا أو هناك من الوحدة الوطنية التي يحيا في ظلها الطرفين, وتبقي المشكلة في أشخاص يعملون ليل نهار علي تدمير العلاقة الطيبة التي تجمع المسلمين والأقباط, لاسيما أقباط المهجر الذين يعطون شعورا دائما بأن هناك أزمة بين المسلمين والأقباط, فضلا عن الترويج لأفكار مغلوطة تتعلق بالاضطهاد الديني للأقباط, والترويج لفكرة الاستقواء بالخارج, مما يجعل النفوس في حالة شحن وتربص دائمين. وهنا لابد أن يتغير الخطاب الديني في المسجد, والكنيسة, بالتأكيد علي أن الأديان لا تدعو للتعصب, ولا للاحتقان الطائفي, وإنما تدعو للسلام والمحبة, واحترام الآخر, كما أننا نحتاج إلي وقفة مصارحة مع النفس, وأن ندرك أننا مستهدفون من جهات خارجية تهدف في الأساس إلي ضرب الوحدة الوطنية في مقتل, وكذلك إشاعة أجواء من التعصب والفوضي, ومن مصلحة هذه القوي إشاعة الفتن, والدسائس, والمؤامرات, لضرب السلام الاجتماعي في مصر. وتكمن القضية الأساسية في حالة فقدان الثقة, وغاب التسامح, والتربص بين الطرفين بسبب الشحن المستمر, وكذلك الارتباط العاطفي, وليس العقلاني والإيماني بالأديان, مما يزكي روح التعصب, وينمي مشاعر الغضب, فقد كان تغيير الديانة يمر ببساطة, ثم انقلبت الأوضاع إلي حد اعتبار هذه القضية من القضايا التي تشعل نار الفتنة, وذلك بسبب الإلحاح المستمر في تناول ونشر هذه القضايا بغرض الإثارة, وتأجيج النعرات الطائفية, فضلا عن فتاوي الفضائيات التي تلعب دورا كبيرا في إشعال مشاعر الغضب, وتدعيم نظرية المؤامرة. والحال كذلك, لابد أن نفيق جميعا كمصريين, ولانعطي الفرصة لهذه الأفكار, والقوي الهدامة أن تعبث بوحدتنا الوطنية, كما أن عبارة عنصري الأمة التي يصر البعض علي ترديدها تدعو للتعصب, والتطرف, وعلي ذلك فإنه من الضروري تنقية الخطاب الديني, وتكريس مبدأ أن الدين لله والوطن للجميع, ولابد من القضاء علي التفرقة التي تفتح الباب أما عناصر خارجية تعبث بأمن مصر, وسلامها الاجتماعي. الاحتقان والتعصب له ما يبرره لدي الدكتور محمد خليل أستاذ علم النفس الاجتماعي في كلية الآداب جامعة عين شمس, حيث يري أن هناك من يشيع مناخا عاما يتعلق بالتمييز بين المسلمين, والأقباط, كما أن بؤر التطرف, والفكر الأصولي هي السائدة, وهناك قوي تستغل الدين لتحقيق مآرب سياسية, وهاهو الأزهر الذي عاني من التهميش في فترات سابقة قد بدأ يستعيد دوره التنويري, علي يد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب, الذي يقوم بإرسال البعثات الخارجية, وبدأت ملامح استراتيجية للأزهر في البزوغ, وأتصور أن الأزهر يستطيع بعلمائه ورجاله أن يقف ضد الفتنة, ونار التعصب, التي تهدد الجميع,إذا لم نواجهها بخطاب ديني عصري, يدعو علي نبذ الفرقة, والخلافات, ويشيع روح المحبة والتعاون والسلام, كما أنه من الضروري تبني استراتيجية للمواطنة, وتطبيق القانون بكل حسم, وأن تقوم المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية بدورها في توعية الشباب بمخاطر التطرف, ودعوتهم للتمسك بالقيم الإيجابية التي تنبذ العنف, والتطرف, وأن تتحول الحصة الدينية في المدارس إلي حصة للأخلاق, والقيم, والمباديء التي تدعو إليها كل الأديان وأن تستشهد بما جاء بالقرآن والإنجيل من قيم تدعو إلي السلام, والمحبة.