ثلاث إشكاليات خلَّفتها القمة الإفريقية الأسبوع الماضى سيتعين على مفوضية الاتحاد الإفريقى مواجهتها بحذر شديد وحكمة لتفادى المزيد من الخلاف والتفكك بين أعضائه هى إرسال قوات حفظ سلام إقليمية إلى جنوب السودان وخمسة آلاف جندى لمنع تفجر الوضع المتوتر فى بوروندى وعودة المغرب لعضوية الإتحاد بعد 32 عاماً من انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية بناءً على طلبه.فقد رفض سلفا كير رئيس جنوب السودان إرسال قوات إضافية إلى بلاده بخلاف الإثنى عشر ألفاً الموجودة حالياً أوتعديل تفويضها ليكون أكثر حزماً وجدَّدت حكومة بوروندى رفضها دخول قوة إفريقية بلادها دون موافقتها وطالب المغرب بسحب الإعتراف بالصحراء الغربية كدولة مستقلة رغم تأكيد المفوضية خلال القمة وقوف الاتحاد إلى جانب شعب الصحراء فى تقرير مصيره عبر إجراء استفتاء. انعقدت القمة وانفضت كالعادة دون الاتفاق على إجراءات محددة قابلة للتنفيذ ومُلزمة للدول الأعضاء لحل ولو مشكلة واحدة من المشكلات العويصة التى تواجه معظمها مثل نقص الغذاء وارتفاع نسبة البطالة إلى 90% فى دولة مثل زيمبابوى ونزيف العقول الذى تسببه هجرة الشباب المتعلم إلى الخارج وتدهور حالة التعليم والصحة وحقوق الإنسان وتمسك كثير من القادة بالسلطة مسبِّبين عدم استقرار فى بلادهم أونزع فتيل الأوضاع المتفجرة فى جنوب السودان وبوروندى والصومال وليبيا أو تمدد الإرهاب فى القارة. فإفريقيا تستورد 83% من احتياجاتها الغذائية من خارجها وينام 240 مليون إفريقى على الطوى كل ليلة و33 دولة من الثمانى والأربعين الأقل نمواً فى العالم إفريقية،أكثر من 50% من الأفارقة يعيشون فى فقر وخلال 15 عاماً سيكون معظم فقراء العالم أفارقة ويتسبب سوء التغذية فى وفاة 50% من الاطفال المتوفين قبل بلوغ سن الخامسة.أما الفساد فمازال يمثل مشكلة كبيرة فى 40 من 46 دولة إفريقية جنوب الصحراء وفقأ لمنظمة الشفافية الدولية ويكلف القارة السمراء نحو 60 مليار دولار سنوياً طبقاً لإحصائيات الأممالمتحدة وهو سبب رئيسى فى «تطفيش» الإستثمارات وإعاقة التنمية التى ينتظرها المواطن لانتشاله من الفقر والمرض والجهل.وباستثناء قادة أفارقة قليلين مثل محمد بخارى رئيس نيجيريا لا يبذل القادة الأفارقة جهداً جاداً لكبح الفساد بل إن بعضهم متورط فيه بشكل أو آخر،وبالتالى لا أتوقع تغييراً ملموسا بالأوضاع فى المستقبل القريب.وفيما يتعلق بالإرهاب الذى يضرب شمال القارة وشرقها وغربها وقد يتمدد إلى جنوبها قريباً بعد إحباط محاولة لنسف السفارة الأمريكيةبجنوب إفريقيا فلن تتمكن الحكومات من مواجهته وتجفيف منابعه إلاَّ بالعمل على إزالة أسبابه وفى مقدمتها الظلم والاضطهاد والفقر والبطالة وعدم العدل فى توزيع الثروة. لم يجد القائمون على جائزة الحكم الرشيد السنوية المرموقة هذا العام شخصية إفريقية تستحقها للسنة الثانية على التوالى وللمرة السادسة فى عمرها البالغ عشر سنوات رغم كثرة حكام دول جنوب الصحراء لعدم تحقيقهم إنجازات بارزة قبل تركهم السلطة فى مجالات السلم والأمن والتنمية ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الإستقرار لشعوبهم.وقالوا إن سيرة أى من الحكام الذين تركوا السلطة لم تؤهله للفوز بها،فهناك أزمة تميز فى القيادة لأنه ينبغى لمن يحصل على الجائزة ذات الخمسة ملايين دولار و200 ألف دولار أخرى سنوياً مدى الحياة أن يكون قيادياً بارزاً نجح فى تطوير بلده وانتشال شعبه من الفقر وتولَّى الحكم من خلال انتخابات ديمقراطية ثم ترك السلطة فى نهاية مدته التى حددها الدستور خلال السنوات الثلاث الأخيرة.وإن دلَّ ذلك على شيء فهو أن الحكام باستثناء الأربعة الذين فازوا بها من قبل فشلوا أوعجزوا عن تحقيق تنمية حقيقية ترفع مستوى معيشة مواطنيهم أو تولوا الحكم بأسلوب غير ديمقراطى أو طمعوا فى السلطة فعدَّلوا الدساتير أو تحايلوا عليها للبقاء. إفريقيا لن تشهد إنجازات ملموسة فى التنمية خاصةً التعليم والصحة أو فى مكافحة الإرهاب ما لم يتم كبح جماح الفساد والصراعات العرقية وتتحول أجهزة الحكم إلى حكومات ديمقراطية حقيقية لا تُنكل بمعارضيها وتحترم حقوق الإنسان لتستقر الأوضاع وتتمكن من الحصول على المساعدات الخارجية ويُقبل المستثمرون الأجانب لاقامة مشروعات تحتاجها التنمية بشدة ولا تستطيع ميزانياتها المنهكة تمويلها.ولا تغرنَّك قشور مثل الإتفاق على العمل بجواز السفر الإفريقى الموحد لتسهيل تنقل الأفارقة بين دول القارة والرغبة فى إلغاء التأشيرة بحلول عام 2020 لأنه شبه مستحيل،فتزايد جماعات الإرهاب وجرائمها يجعل دولاً كثيرة تخشى أن يستغل الارهابيون إلغاء التأشيرة للتنقل بسهولة لتنفيذ عملياتهم ويمكن أن يستغله العاطلون والمضطهدون للهرب من بلادهم إلى دول أخرى يتوسمون فيها مستقبلاً أفضل فيدخلون فى صراعات دموية مع أبنائها لمزيد من مقالات عطيه عيسوى