فوجئ صديقي الإعلامي بموقف غريب من ضيفه وهو من فقهاء دولة خليجية عندما سأله عن رأي بلاده عن زكاة الركاز. الدهشة ألجمت صديقي وجعلته يخرح لفاصل ليستعيد الأمور الي نصابها في البرنامج، وكان الضيف قد وبخه بشدة أثناء الاستراحة ووجه إليه ما نعتبره سبا وقذفا، بزعم أن المذيع لم يحترم نفسه وتجاوز الخطوط الحمراء في البلد التي يعمل بها. لم انتبه كثيرا لزكاة الركاز عندما روي صديقي الإعلامي حكايته ، إلا أن ما جعلني استعيدها من ذاكرتي هو ما رواه أحد أئمة المساجد خلال رمضان الحالي عن طرد دولة خليجية أخري لفقيها مصريا عندما قرر تدريس فصل عن زكاة الركاز ضمن مادته لطلاب الكلية التي تستضيفه، وطالب بضرورة أن تتصدق الدول البترولية بخمس عوائدها النفطية لمصلحة فقراء المسلمين في شتي أصقاع الأرض. اختلف الفقهاء في وصف زكاة الركاز، وأصر ممن ينتمون للبلاد البترولية علي أنها ما تم دفنه منذ الجاهلية من أموال وكنوز مثل الذهب و الفضة أو الأواني أو سلاح أو تحف أو غير ذلك ، وتكون مدفونة في الأرض عليها علامة تدل على أنها قديمة. ويأتي «الركاز» من مركوز في الأرض أي مدفون فيها، وهذا فيه خُمُس لولي الأمر إذا كان في بلاد إسلامية، أما إن كان في بلاد غير إسلامية يتصدق بالخمس على الفقراء والأربعة لمكتشفه. ويتفق هؤلاء مع جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) في أن الركاز هو ما دفنه أهل الجاهلية، ويطلق على كل ما كان مالا على اختلاف أنواعه، إلا أن الشافعية خصوا إطلاقه على الذهب والفضة دون غيرهما من الأموال. وأما الركاز عند «الحنفية» فيشمل المعادن والكنوز و البترول والغاز الطبيعي أيضا. وتتفق رؤي معظم الفقهاء في البلاد غير البترولية مع «الحنفية» ، ويؤكدون أن الركاز هو كل ما في باطن الأرض من خيرات ونعم وما يستخرج منها مثل المعادن والبترول والغاز الطبيعي وخلافه، ويجب التصدق بخمس العوائد لعموم مسلمي العالم، وليس في الدولة التي وهبها المولي وجل من خيرات الأرض فقط. لقد اختلف فقهاء في أمور كثيرة، وفي خلافهم رحمة، ولكن أن يتفقوا في تعريف زكاة الركاز فهذا منفعة للمسلمين جميعا، خاصة إذا توصلوا لمنطق الدول غير البترولية، بما يعني أن خيرات الله تكفي فقراء وأغنياء المسلمين بل وتزيد لاستغلالها في أمور شتي مثلما كان حال خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز الذي قضي علي الفقر وزوج الشباب وسدد الديون وأمر بنثر القمح للطيور على الجبال. لمزيد من مقالات محمد أمين المصري