انتشرت ظاهرة الغش وتسريب الإجابات فى امتحانات الثانوية العامة عن الأعوام الماضية، وذلك من خلال الهواتف المحمولة والبلوتوث ومواقع التواصل الاجتماعى المختلفة. وأصبح بعض الطلاب يحصلون على الأسئلة وإجاباتها النموذجية قبل بدء الامتحان بساعات واحيانا بأيام الأمر الذى جعلنا نتساءل: هل هناك طرق وأساليب حديثة نستطيع من خلالها أن نقضى أو نحد من هذه الظاهرة الخطيرة؟ ومن المسئول عن انتشارها؟ وهل يمكن أن نضع امتحانات لمرحلة الثانوية العامة لا يمكن للطالب أن يحاول الغش معها حتى لو أتيحت له الفرصة؟. أجاب عن هذه الأسئلة أساتذة العلوم التربوية بكليات التربية بالجامعات. فى البداية قال الدكتور محمود كامل الناقة أستاذ المناهج والتدريس بجامعة عين شمس ورئيس الجمعية المصرية للمناهج والتدريس: إن مهمة وزارة التربية والتعليم تتمثل فى وضع أسئلة الامتحان بشكل يستوفى كل الشروط الموضوعية لسلامة هذا الامتحان ومناسبته للمادة العلمية والطلاب ولا يكون من خارج المنهج أو فوق مستوى الطالب العادى ولا يكون غامضا. وأكد أن الحفاظ على سرية الامتحان وطباعته وتوزيعه ليست من مهام وزير التربية والتعليم ولا الوزارة بشكل كامل، وإنما تشاركه الدولة فى هذه المسئولية. وتساءل: كيف نحاسب الوزير على جريمة لم يرتكبها؟ وهل يعقل أن يتابع الوزير أمانة المسئولين عن الامتحان بدءا من وضع الأسئلة وحتى توصيل ورقة الأسئلة إلى الطالب فى لجنة الامتحان فى مختلف محافظات مصر من أسوان إلى مرسى مطروح؟. وأضاف الناقه أن الوزير قد يكون من مسئولياته اختيار وانتقاء من يضع أسئلة الامتحان ومن يطبعها ويوزعها لكنه ليس مسئولا عن أمانتهم، ولذلك على الدولة وليس الوزارة أن تتحمل مسئولية الحفاظ على سرية الامتحانات. أما فيما يخص وضع أسئلة الامتحان بطريقة لا يسمح معها التسريب والغش فقال الدكتور محمود الناقة: لابد من وضع أسئلة لا تقبل النقل والغش والتسريب وهذا النظام موجود فى العالم كله ولكنه لا يتناسب مع مجتمعنا العربى مثل نظام" take home exam" الامتحان المنزلى ونظام "open book" نظام قائم على فتح الكتاب وهذه أنماط يمكن من خلالها وضع الأسئلة وتكون الإجابة عليها لها أكثر من طريقة صحيحة وليست إجابة نموذجية واحدة بالاضافة إلى انه لا يمكن الإجابة عليها إلا فى حالة دراسة الطالب للمنهج طوال العام. وأوضح ان فى هذه الأنظمة لا يكون هناك منهج تعليمى واحد لها ولكن الطالب يقوم بجمع معلوماته من عشرات الكتب بالإضافة إلى أن هذه الأنظمه تكون محددة الوقت فى الإجابة عليها عبر شبكات الانترنت. وأشار إلى انه لابد من إنشاء هيئة تضم خبراء مناهج التدريس فى مصر من الموثوق بهم يوكل إليهم عملية وضع الامتحانات بأنواعها المتعددة ومستوياتها المختلفة تحت إشراف سلطة الدولة ومشاركة وزارة التربية والتعليم بحيث لا يمكن للطالب معها أن يغش، وتعتمد على الفهم والتفكير الذاتى والقدرات الخاصة لكل طالب. وأوضح انه ليس المقصود هنا بالهيئة مركز الامتحانات والتقويم الموجود حاليا ولكن إنشاء شكل اكاديمى آخر محترف مشيرا إلى أن مجتمعنا مليء بالخبراء الموثوق فيهم ومازالت القامات فى هذا المجتمع موجودة ولكنها تحتاج لمن يبحث عنها ويبرزها ويكلفها بالمسئولية. تكرار عمليات التقويم وقال الدكتور محمد عبد الخالق مدبولى عميد كلية التربية جامعة حلوان: هناك مؤسسات متخصصة فى عملية وضع أسئلة الامتحان ولكنها للآسف لم تفعل حتى وقتنا الحالى منها "المركز القومى للتقويم التربوى" وهو تابع لوزارة التربية والتعليم وبه عدد من المتخصصين والتربويين الذين قاموا بابحات ومشروعات أخذت منهم سنوات طويلة من أجل تطوير العملية التعليمية. وطالب بضرورة تفعيل هذا المركز ليقوم بدوره المنوط به مؤكدا انه إذا كان هناك امتحانات تقيس مستوى فهم الطالب وتطبيقه للمعلومة وليس حفظها سيصبح من السهل أن نتعرف على الاختلاف بين الطلاب ويكون هناك تفاوت فى الدرجات وقله فى عدد الطلاب المشتركين فى نفس الدرجة وتمييز الطلاب المتفوقين. كما طالب مدبولى بتكرار عمليات التقويم التى تقيس قدرات الطلاب خلال فترة المرحلة الثانوية بالكامل وليس الاعتماد على الامتحان النهائى فقط الذى يتم إجراؤه فى السنة الأخيرة مشيرا إلى وجود أزمة ثقة واضحة بين الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين بوزارة التربية والتعليم قائلا: إن ما طالب به أولياء الأمور من وجود امتحان موحد يضمن الحيادية والشفافية والموضوعية والعدالة بدون تدخل من المعلمين قد أثبت فشله أيضا. وأوضح انه فى حالة تمسك أولياء الأمور بامتحان موحد نهائى فقط هناك أساليب تكنولوجية تضمن عدم التسريب وهى امتحانات ال open book والامتحانات المنزلية التى تضمن للطالب الدخول للإجابة على الامتحان من خلال شبكة الانترنت فى توقيتات محددة وبرقم سرى معين لكل طالب ويقوم بالإجابة على الامتحان مباشرة ويتم التصحيح إلكترونيا فقط. وأشار إلى أن الأنظمة الإلكترونية الحديثة ستوفر على الدولة أموالا باهظة يتم صرفها على طباعة أوراق الأسئلة وكراسات الإجابات والكنترولات التى ترهق المراقبين بالإضافة إلى توفير أموال الانتداب التى تقوم بها الوزارة لضمان الحيادية وعدم التحيز. تغيير أنماط الأسئلة وقال الدكتور محمد أمين المفتى عميد كلية التربية الأسبق وأستاذ المناهج ونائب رئيس جمعية المناهج وطرق التدريس الأسبق: لابد من تغيير أنماط الأسئلة التى تعتمد على الحفظ والتلقين ولابد أن تكون الأسئلة من نوع آخر غير الموجود حاليا بحيث تكون أسئلة بحثية تعتمد على المقارنة بين الأشياء وتحليل لظاهرة أو نظرية علمية معينه أو قانون أو معرفة معينه وتطلب إبداء الرأى واتخاذ القرار لحل المشكلة. وأكد أن هذه النوعيات من الأسئلة لا يمكن للطالب معها أن يغش حتى ولو سنحت له الفرصة لذلك لأنها غير موجودة بشكل صريح فى الكتاب المدرسى ولكنها تعتمد على فهم الطالب للمحتوى والمضمون وقدرته على الاستنتاج. أما عن الطرق والأساليب التى يمكن اتخاذها لمنع الغش داخل لجان الامتحان حدد المفتى الضوابط التالية: أولا: لابد من منع دخول الهواتف المحمول أو الأجهزة الإلكترونية التى تسمح بالتصوير ونقل الصورة إلى خارج اللجنة. ثانيا: لابد من وضع ضوابط تمنع التسريب فى أى مرحلة من المراحل الأربع لأسئلة الامتحان وهذه المراحل متمثله فى القائم بوضع الامتحان ومن قام بطباعته ومن قام بتوزيعه على اللجان والمرحلة الرابعة وصول الامتحان للطالب فى اللجنة كما انه لابد من توخى الحذر والدقة فى اختيار القائمين على المراحل الأربع المشار إليهما بحيث يكونون أفرادا مشهودا لهم بالنزاهة والضمير الحى على أن تتولى جهات أمنية وسيادية التحرى عن هؤلاء الأشخاص. ثالثا: وهو الأهم أن تكون امتحانات الثانوية العامة "لا مركزية" بمعنى أن يكون هناك صور متكافئة من حيث الصعوبة للامتحان وكل صورة يتم توزيعها على محافظة معينه من محافظات مصر ويكون المحافظ مسئولا شخصيا عن سرية الامتحان وإذا حدث تسريب فيكون التسريب فى نطاق محدود وهو المحافظة التى تسرب فيها الامتحان. وقال الدكتور محمود علم الدين الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة ووكيل الكلية للدراسات العليا السابق: ظاهرة الغش وتسريب الامتحانات لها أبعاد مختلفة أمنية وأخلاقية وعلمية كما أنها تتعلق بالقائمين على وضع الامتحان وطباعته وتوزيعه، ولذلك لابد من الدقيق الشديد فى اختيار هؤلاء وذلك فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بها مصر فى الفترة الحالية من مخاطر ومؤامرات يقوم بها البعض لتخريب البلد، وكما وصفهم الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية "بأهل الشر". توظيف التكنولوجيا وأشار إلى ضرورة توظيف تكنولوجيا أكثر تطورا فى عمليات التخزين والحفظ والطباعة بجانب التنويع فى الأماكن التى يتم فيها طباعة أوراق الأسئلة وعدم الاعتماد على مطابع وزارة التربية والتعليم لحين استقرار الوضع وتأمين مطابع الوزارة بشكل أفضل. وأضاف ضرورة إشاعة الثقة والطمأنينة بين الطلاب بالإضافة إلى ضرورة دراسة ظاهرة إقبال الطلاب على الامتحانات المسربة بل وقيامهم بتوزيعها بأنفسهم هذا ما يؤكد وجود خلل فى منظومة إعداد الطالب. وأوضح أن هناك أيضا خللا فى منظومة القيم المحيطة بالطالب لابد من دراستها، فهناك بعض أولياء الأمور يطالبون أبناءهم بالمجاميع العالية فقط حتى ولو حصل عليها الطالب عن طريق الغش. وأضاف انه لابد من إعادة النظر فى مركزية الامتحانات وضرورة إنشاء "بنك الأسئلة" الذى يضم قاعدة بيانات لنماذج مختلفة للامتحانات توزع كل منها على محافظة من محافظات مصر وتكون الأسئلة تعتمد على الفهم وقدرة الطالب على الاستيعاب وليس حفظ المادة. وقال الدكتور عبد الله سرور وكيل مؤسسى نقابة علماء مصر: النظام الحالى للتعليم استنفد أغراضه تماما ولم يعد صالحا للبقاء أكثر من ذلك بكل عناصره من مقرر دراسى وإدارة مدرسية ومدرس وكتاب ولابد من استحداث أنظمة جديدة تعتمد على برامج لأسئلة موضوعية تعرض على الطلاب من خلال شبكات الانترنت مثلما يحدث فى أوربا وأمريكا. وضرب مثالا بذلك قائلا: انه يمكن لطالب مصرى أن يلتحق بأحد البرامج التعليمية فى أوربا ويؤدى الامتحان على الكمبيوتر وهو فى مصر دون الحاجة إلى السفر متعجبا من أن مصر بها جامعة إلكترونية وليس لها أى دور فى أى شأن تعليمى. وأكد أننا فى حاجه إلى عقليات جديدة تمتلك قدرات للخروج من الواقع المأزوم الحالى الذى نعيشه مشيرا إلى أن نظام الترقيع الذى نعيشه منذ سنوات لا يجدى، وقال: الثوب كثرت رقعه ولم يعد ينفعه أو يصلحه رقعة جديدة، ولابد من ثوب جديد.