فى خطاب الرئيس السيسى عند تسليم مساكن الأسمرات وعد بالقضاء على العشوائيات الخطرة وغير الآمنة على مستوى مصر كلها خلال عامين ، وهو ما زرع شجرة الأمل في نفوس أهالي هذه المناطق الذين صبروا على ظروفهم سنوات طويلة، ولا تعتبر فترة العامين التى سيتم فيها تغيير صورة حياتهم الى الأفضل، وأمامهم الأسمرات نموذج ومثل حى . في السطور التالية نرصد الأوضاع على الطبيعة ونجيب عن عدد من التساؤلات، منها : ماهى مهمة الصندوق المخصص لتطوير العشوائيات؟ وما هي المناطق التى شملها التطوير؟ والمناطق التى يجرى العمل فيها الآن وخلال الفترة القادمة ؟ والأهم : ماهو مغزى اهتمام الرئيس بهذا الملف القومى الخطير خصوصا أنه يحتاج لجهد كبير وتمويل أكبر ؟ بداية نشير الى أن وزارة التعاون الدولى تشترك فى توفير جزء من هذا التمويل، فقد سبق وان أعلنت الدكتورة سحر نصر وزيرة التعاون الدولى عن توفير مبلغ 300 مليون دولار من بنك التنمية الافريقى ، وذلك انطلاقا من حرص الرئيس على الاسراع فى تطوير العشوائيات حيث يسهم ذلك فى تحسين ظروف سكانها البسطاء من خلال توفير مناطق سكنية مناسبة لهم الأولوية ستكون للمناطق المهددة لأرواح المواطنين مثل العشش والمبانى المتهالكة . صندوق تطوير العشوائيات تم انشاء هذا الصندوق بقرار رئيس الجمهورية رقم 305 لسنة 2008 الذى يحث على تشجيع المجتمع المدنى وقطاع الأعمال والجهات الدولية والاقليمية والمحلية المانحة على المساهمة العينية والمادية فى أعمال تطوير المناطق العشوائية من خلال الصندوق . ثم صدور قرار جمهورى رقم 189 لسنة 2014 بانشاء وزارة الدولة للتطوير الحضرى والعشوائيات وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1252 لسنة 2014 باختصاصات الوزارة وتولى وزيرة الدولة للتطوير الحضرى والعشوائيات رئاسة مجلس ادارة الصندوق . ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 460 لسنة 2015 بتعيين الدكتور أحمد درويش نائباً لوزير الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية لشئون التطوير الحضرى والعشوائيات . تلك هى الخلفية التاريخية لصندوق تطوير العشوائيات الذى قام القائمون عليه بتنفيذ عدة مشروعات وفق الخطة الموضوعة منها مشروع تطوير زرزارة بمحافظة بورسعيد ومشروع تطوير سوق الجمعة بالاسماعيلية ومشروع تطوير مناطق وكالة شبين ودوار الوكلاء والصالحة بشبين القناطر . أيضا تم تطوير مناطق الوحدة العربية وعزبة رشدى بشبرا الخيمة ، وتطوير 4 مناطق صرف صحى بمدينة الفيوم وسندوس بمحافظة الفيوم، ومشروع تطوير منطقة المهاجرين بديروط ومنطقة الترعة الضمرانية بنجع حمادى . ومن المناطق التى شملها التطوير ايضا من خلال الصندوق منذ افتتاحه وحتى نهاية يونيو عام 2014 مشروع تطوير مناطق وابور الغاز والطوبجية وشارع الرحمة ومنطقة العرايس بالاسكندرية. وفى المرج مشروع تطوير منطقة العرشة والزرايب ، وازالة مناطق خطرة مهددة للحياة بالقاهرة باجمالى 22 ألف وحدة سكنية ل 108 الاف نسمة بتكلفة تقديرية 250 مليون جنيه . وتجدر الإشارة الى أنه يوجد بمحافظة القاهرة 24 منطقة مهددة للحياة باجمالى عدد وحدات 700و28 وهى مناطق تحتاج الى الازالة الفورية واتاحة مساكن بديلة حفاظا على أرواح سكانها ونظرا لعدم توافر وحدات سكنية بالقرب من المنطقة وارتباط السكان اجتماعيا واقتصاديا بالمنطقة فقد قامت محافظة القاهرة بتوفير ارض بالقرب من المنطقة لانشاء وحدات سكنية بديلة وبالفعل تم تخصيص قطعة ارض مساحتها 65 فدانا لانشاء تجمع سكنى بمشروع الأسمرات 1 عدد 173 عمارة تتكون كل عمارة من 6 أدوار بعدد 6 شقق فى الدور مما يوفر 6258 شقة وتنفيذ مناطق خدمات وتم نقل سكان المناطق الى العمارات وازالة الوحدات المهددة للحياة طبقا للأولويات التى حددتها اللجنة العلمية وتسكينهم بالاسمرات بتكلفة 800 مليون جنيه يتحملها صندوق » تحيا مصر » و150 مليون جنيه تتحملها محافظة القاهرة . مشروعات يجرى تطويرها حاليا بالنسبة للمشروعات التى يجرى تطويرها حاليا فهي منطقة القابوطى وعزبة عوف ومشروع الموبيليا المستعملة بمحافظة بورسعيد ومشروع تطوير الرويسات والهضبة بمحافظة جنوبسيناء ومشروع تطوير منطقة السماكين ومناطق سكة حديد طما بسوهاج وتحويل كابلات الجهد المتوسط بمدينة قوص بقنا وتطوير منطقة زرزارة بالغردقة ومنطقة الكلاحين ومنطقة زرزارة بمدينة سفاجا ومنطقة العشش براس غارب بمحافظة البحر الاحمر . ومشروع تطوير منطقة كوم الملح ومنطقة طلمبات المكس بالاسكندرية ، وتوفير مسكن آمن للايواءات بالمطرية بمحافظة الدقهلية ، وتطوير منطقة الكسار برشيد محافظة البحيرة ، وتطوير سوق الكونيسية حى العمرانية وعمارات سكنية للايواءات بالجيزة، و تطوير منطقتى الصيفية وقحافة بالفيوم . أيضا من المناطق التى يشملها التطوير فى الوقت الحالى منطقة تل العقارب ومنطقة زرايب 15 مايو وتهذيب هضبة الحرفيين وتطوير سوق غزة بحى الزاوية الحمراء وكذلك مناطق أخرى بمحافظات الاسماعيلية والسويس والشرقية والغربية والقليوبية والمنيا والوادى الجديد واسوان وكفر الشيخ لتوفير مسكن آمن فى 72 منطقة لعدد 115 ألف نسمة بعدد 23 ألف وحدة سكنية بتكلفة اجمالية 2و3 مليار جنيه . ومن المخطط تلبية لتوجيهات الرئيس بالانتهاء من المناطق العشوائية غير الآمنة بدرجتيها الأولى والثانية بحلول عام 2018 ، على ان يتم تطوير اجمالى 156 منطقة فى 25 محافظة لتوفير سكن آمن لعدد 340 ألف نسمة فى 86 ألف وحدة سكنية بتكلفة 9 مليارات جنيه للعام المالى 2017 \ 2016 .وفى المرحلة التالية يتم تطوير 123 منطقة فى 19 محافظة لتوفير سكن آمن لنحو 300 ألف نسمة من خلال 75 الف وحدة سكنية بتكلفة 7 مليارات جنيه للعام المالى 2018 \ 2017 . لماذا يجرى تطوير العشوائيات ؟ الدكتورة هدى زكريا ( استاذة علم الاجتماع السياسى بجامعة الزقازيق ) : تؤكد ان العشوائيات هي أمر خطير فى كل المجتمعات فى دول العالم ، لأن كل الدول حتى المتقدمة منها لديها عشوائيات . فالريف طارد حيث لا تتوافر فرص العمل والمدينة جاذبة وهذا موجود فى أوروبا وامريكا ومعظم الدول بما فيها مصر ، وفى أوروبا يطلقون على العشوائيات » مدن الصفيح » لأنها غير مخططة مثل الأكواخ. وفى مصر لدينا نحو 160 منطقة عشوائية حول القاهرة وحدها ، بخلاف عشوائيات الريف . والعشوائيات تمثل حالة من الارتباك للمدينة التى تم تخطيطها لسعة سكانية معينة وبها خدمات ومرافق لهذه السعة لكن دخلت عليها عشوائيات يسرق بعض سكانها الكهرباء من أعمدة النور مما شكل ضغطا على سكان العاصمة التى يسكنها نحو 20 مليون نسمة ويدخلها يوميا 4 ملايين لاداء اعمالهم . سكان العشوائيات هم ايضا يعانون حيث لا يحصلون على احتياجاتهم الأساسية من مسكن صحى ورعاية صحية وتعليم ، فى نفس الوقت هناك من استفاد من العشوائيات التى استغلت من عصابات مارست البلطجة ووضعت يدها على أراضى الدولة وأقامت مبانى عليها بشكل غير رسمى . اذن العشوائيات - والكلام مازال للدكتورة هدى زكريا - تمثل خطرا على العاصمة وعلى الدولة كلها لأن بها البلطجى والمسجل الخطر واذا تم التعامل معها جيدا سنحقق انجازا كبيرا ، وكان ملف العشوائيات على ملف كل رئيس لكن بدرجات متفاوتة ، فالرؤساء السابقون لم يقتربوا من هذا الملف لأنه هم ثقيل وقد اهتم به الرئيس السيسى وأعطاه أولوية وأخذه بمنطق الصرامة الأخلاقية العسكرية والوطنية . فالعشوائيات تمثل جيوبا حضرية مختلفة عن المناطق الحضرية نفسها وسكانها يعيشون نمط حياة مختلفا تماما عن سكان العاصمة لذلك نجد سكان العشوائيات يعانون من أحقادا حقيقية ، ارتباكا فى القيم والمعايير ، العشوائيات تسمح بتفريخ للجريمة والمجرمين لأنهم يعيشون تحت خط الفقر يسيئون لأنفسهم ولغيرهم ، يعانون من أمراض صحية واجتماعية وانحراف وحياة غير آمنة . 25 مليون نسمة يسكنون العشوائيات توضح الدكتورة يمن الحماقى ( استاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس ) رأيها فى هذا الموضوع قائلة : يوجد 25 مليون نسمة يعيشون فى العشوائيات وكان هذا العدد أقل من ذلك من سنوات قليلة لكن تضاعف العدد وبعضهم يعيش على جبال وعلى صخرة وفى مناطق خطرة . وتمثل العشوائيات بؤرة للفساد الأخلاقى والارهاب والادمان والعنف وانهيار القيم لأن سكان العشوائيات ظروفهم المعيشية تسبب الانهيار الأخلاقى حيث تعيش أسرة بأكملها فى حجرة واحدة وحمام مشترك لعدة أسر . من هنا جاء استهداف قاطنى العشوائيات واخضاعهم للتطوير الحضارى لتلافى الانعكاسات الخطيرة التى يسببونها للمجتمع المصرى ، فهؤلاء السكان لهم سمات سلبية مثل الزواج المبكر للفتيات خوفا عليهن ثم ارتفاع معدل الانجاب لأن الأولاد فى نظرهم وسيلة للكسب فنجد الأسرة لديها ما بين 6 و7 أولاد ، فالطفل هنا مصدر للدخل . هذا المعدل من النمو السكانى العالى يفرخ أطفال شوارع وعمالة أطفال وأما معيلة لهروب الزوج وتخليه عن مسئولياته تجاه أسرته ولذلك ارتفعت الأسر التى تعولها المرأة الى 35% . تواصل الدكتورة يمن حديثها عن خطورة العشوائيات على المجتمع بقولها هى بالفعل تمثل خطورة وهم أنفسهم محرومون من أى رعاية وتنتشر الأمراض بينهم وينتشر بينهم ظاهرة التسرب من التعليم وعدم وجود كفاءات وممارسة أنشطة عشوائية لها انعكاسات مرعبة على الآداء الاقتصادى للدولة . والحل فى رأيى ليس مجرد نقل مكانى لهم أو توفير مجتمع سكنى آخر بل يجب ان يشمل الحل توفير أنشطة اقتصادية وفرص عمل والربط بين الاقامة فى السكن والعمل فى الفرص التى وفرتها الدولة لهم . يشمل الحل أيضا تغيير سلوكياتهم من خلال استخدام النموذج البرازيلى الذى خلق أنشطة اقتصادية لسكان العشوائيات ومدارس للأولاد ومتابعة لتعليمهم وتغيير للقيم والثقافات الخاصة بهم وأيضا حالتهم الصحية وتوفير انشطة أكثر تحضرا ترتقى بهم ليكونوا أعضاء فاعلين فى المجتمع .