تمر بلادنا بما تسمي مرحلة انتقال أو تحول من نظام حكم فردي استبدادي إلي مرحلة تؤسس فيها قاعدة بناء نظام ديمقراطي مدني تعددي حديث. هدفنا النهائي من هذه المرحلة هو استكمال بناء الدولة المصرية الحديثة المدنية التي يشارك الجميع في بنائها ليتشارك الجميع في جني ثمار جهدهم الذي قدموه. الدولة المؤسسية التي يتساوي فيها الجميع لدي القانون وأمام القانون. وهي مرحلة لا تنجز في يوم أو في ليلة وإنما ستطول لتأخذ سنوات مقبلة من عمر هذا الوطن. ويتوقف طول مدة التحول أو الانتقال هذه علي مدي وعي المصريين والمصريات بأهمية الفترة وخطورتها إن هم ضلوا الطريق السليم وفقدوا حسهم الوطني والاجتماعي الذي اكتسبوه منذ أن بدأوا يبنون حضارتهم القديمة. ويراهن العديد منا علي وجود ونمو هذا الحس الوطني الاجتماعي وأنه سيقود مصر إلي الطريق الصحيح وأن فترة التحول هذه سوف تنجز ربما في وقت أقل مما نتصور وبثمن أقل مما دفعته شعوب أخري مرت وتمر بالمرحلة نفسها من التحول أو الانتقال. خلال العام الماضي وفي هذا النصف الأول من العام الحالي نظم عدد من اللقاءات والندوات في القاهرة وفي غيرها من العواصم, نظمت جزءا منها منظمة الأممالمتحدة منفردة أو إحدي وكالاتها المتخصصة أو جهات مصرية بالتعاون مع منظمات الأممالمتحدة, ودارت اللقاءات حول مراحل التحول والانتقال من نظم الاستبداد إلي نظم الديمقراطية. وكان كل ضيوف هذه اللقاءات من بلدان نامية وصغيرة مرت بهذه المرحلة منذ ثمانينيات القرن الماضي إلي الآن. جاء الضيوف المتحدثون من بلدان أمريكا اللاتينية وآسيا وأوروبا الشرقية وإفريقيا. وروي كل منهم أحداث بلاده والصعاب التي واجهتهم وطرق الوصول إلي حلها والعقبات التي وقفت أمام الحل الواحد أو حتي كل الحلول. المهم في الموضوع أننا كمصريين وكمصريات حاضرين للحوارات استنتجنا بعض الصعوبات التي واجهتها ولا تزال تواجهها الأوطان في مثل هذه المراحل. فالقديم يستمر موجودا ليس فقط في شخوصه ومواقعه وإنما بقيمه وبمفاهيمه في مواجهة قيم ومفاهيم جديدة تأتي بها قوي مجتمعية جديدة حديثة العهد بعمق هذا القديم. وهو عمق يبدأ من الأسرة ليصل إلي رأس الحكم, يوجد في داخل كل ذات منا تماما كما يوجد حولها. ومن هنا ينشأ ذلك الصراع المتواصل بين كل القديم وكل الجديد ممثلا في أحداث, ليس في الحقل والمصنع والمكتب والمدرسة والشارع فحسب وإنما في داخلنا نحن المسئولين عن إنجاز مرحلة التحول هذه. لأننا ونحن نعمل من أجل انجاز مرحلة التحول إلي الديمقراطية فإننا نفتقد إلي تقاليد وثقافة الديمقراطية نفسها لأننا لم نتعود عليها بل ولم نمارسها قبلا وفي بعض الآن نجد في صفوفنا أناسا لم يتعرفوا عليها أبدا ولم يصادفوها في حواراتهم مع الغير. كما نفتقد تقاليد الحوار مع الآخر وقبول الاختلاف وتقاليد العمل الجماعي واحترام القانون كما نفتقد حس الخوف والحرص علي المؤسسات العامة. وكما ذكرت يراهن البعض منها علي استنهاض الحس الوطني والاجتماعي للمصريين وللمصريات لمواجهة هذه الصعوبات وتحمل تبعات تعلم ذلك الجديد الذي يحتم علي كل واحد منا أن يتصرف علي أن هذا الوطن هو وطن الجميع ويتوقف تقدمه علي تبلور محصلة الآراء والتوجهات في خطوات ثابتة تتقدم الواحدة منها بعد الأخري. وربما ازداد حماس هؤلاء المراهنين علي استنهاض حس المصريين والمصريات منذ ذلك اليوم التاريخي الذي بدأنا فيه ندلي بأصواتنا لانتخاب أحد المرشحين لمقعد رئيس الجمهورية. ازداد الحماس ونحن نراقب نساء ورجال مصر وهم يذهبون أفرادا وجماعات للإدلاء بأصواتهم وقد علت وجوههم الابتسامات وبدأوا يتبادلون التحيات. وكأنهن كانوا في فرح كبير أحاط مصر من شمالها إلي جنوبها ومن غربها إلي شرقها. وربما كان من المحبب إلي النفس أن نصادف تلك الجماعات الصغيرة المتناثرة هنا وهناك تناقش وتجادل عن هذا المرشح أو عن ذاك. وفي تتبعنا للنقاش كنا نلاحظ ولادة ثقافة جديدة كانت غائبة قبلا وهي ثقافة الحوار البناء الهادئ الذي قد ينحرف قليلا عن كونه حوارا سياسيا ليطلق أحدهم نكتة مصرية تضحك الحاضرين معه وتلحق بالعابرين للمكان حوله. وحتي لو كانت' نكتة قديمة' لكنها تكتسب مذاقها الخاص بسبب ظروفها. وعندما تطال النكتة العابر تتسع دائرة الحوار لتستوعبه. لذا فالمراهنون علي حقيقة استنهاض حس المصريين والمصريات الوطني والاجتماعي علي حق إلي درجة غير صغيرة, خاصة إذا وجد المصريون والمصريات أمامهم رئيسا جديدا منتخبا يطلعهم علي حقيقة واقعهم بكل شفافية وصراحة ووضوح. لحظتها سيتجلي هذا الحس الوطني والاجتماعي ليصبح شعلة تضئ لهم وله الطريق. ونحن علي يقين أن مراحل التحول لا تأخذ من الوقت القليل ولكنها تطول وتمتد لأنها كما ذكرنا لا تغير الشخوص والمواقع فحسب إنما تغير القيم القديمة الدفينة ليس فقط في نظام الحكم وإنما داخل كل فرد فينا. لذلك لا يمكن لمرحلة التحول هذه أن تتم أو أن تنجز علي يد فرد واحد اسمه الرئيس. إنها هي عمل جماعي أكبر مما يتصور العقل لأنها مهمة كل المواطنين والمواطنات. لو تركت للرئيس وحده فسوف يستبد بنا ولكن إذا صممنا علي المشاركة في صياغة مستقبل بلدنا بأيدينا فسوف تمر السنون والدورات الرئاسية ليمر بيننا رجل قد نرحب به ونحييه علي أنه السيد الرئيس السابق الذي خدم وطنه معنا وخدمنا وطننا في رئاسته. لذلك أريد أن أدلي بصوتي لرئيس يسمح لي بهذه المشاركة من خلال اعترافه بالحريات العامة والخاصة بما فيها الحريات السياسية النقابية والتعاونية والنسائية التي أستطيع من خلالها الإسهام في الحركة والتنظيم وإبداء الرأي. أريد أن أدلي بصوتي لرئيس يعرف قيمة دولة المؤسسات ودولة القانون ودولة المواطنة. أريد أن أدلي بصوتي لرئيس يعترف بحقوقي كمواطنة وبحقوق الآخرين في مواطنة لا تفرق بين الناس علي أساس الدين أو اللون أو النوع الاجتماعي. سأدلي بصوتي لرئيس يؤمن بحق الشعوب في عدالة اجتماعية تضمن لهم المسكن الملائم والعمل الملائم وحق التعليم الملائم والعلاج الملائم ليحررهم من الفقر والحاجة. سأدلي بصوتي لرئيس لن أعلق صورته في مكتبي ولن ألتفت لصوره المرصوصة في الشارع والذي سأكتب مقالاتي لأنقده وأنقد أعماله دونما خوف من عمليات تكفير أو اعتقال أو ابتزاز. سأصوت لمرشح يعلم أن العالم تغير كثيرا ومصر قد تغيرت كثيرا جدا بعد 25 يناير عام .2011 المزيد من مقالات أمينة شفيق