من الصعب أن تكتب عن شخصية بقامة وقيمة العملاق خيري شلبي, حتما الكلمات لن تفيه حقه ولن تعبر عن عمق الخسارة, فعم خيري- كما يحب كثيرا من قرائه وأبناء جيلي أن يدعوه. لم يكن مجرد أديب عادي يبدع في اختيار كلماته وحكاياته فقد احتلت حكاياته مكانا بارزا داخل كل منا فأصبح هذا المكان لدي الكثيرين مرآة نري بها عوالم وشخصيات تحيط بنا نعيش فيها دون أن ندري ونمر بها دون أن نلتفت إليها إلا عندما نتفاجأ فيما بعد عندما يأتي عم خيري بعمل جديد نهرع لقراءته فنصبح كالأطفال المشدوهين أمام لعبة صندوق الدنيا لما نكتشفه من خلالها, ونصطدم عندما نجده يتطابق مع بعض منا أو بعض ممن نمر بهم. رحل عم خيري آخذا معه صندوقه, تاركا لنا ماتبقي من حكاياته التي لن تنضب لأننا سنظل نعايشها للأبد من خلال شخوصه التي تحيط بنا فنتجول معها في الريف المصري عبر نعناع الجناين, وثلاثية الأمالي, والوتد ببطلتها فاطمة تعلبةالتي تحتل المرأة المصرية فيها محل الصدارة وتلعب دور البطولة المطلقة لنكتشف من خلالها خصوصيات المجتمع هناك من عادات وتقاليد والتحولات الاجتماعية التي طرأت عليه. وتصحبنا حكاياته إلي المدينة لنكتشف عوالم أخري لم نكن نظن أنها قد تكون موجودة بيننا بهذا التفصيل مثلما هو الحال في روايته صالح هيصة التي تدور أحداثها داخل غرزة بوسط القاهرة تأتي إليها شخصيات مختلفة بحثا عن الحشيش فيتأثرون بشكل كبير بصالح هيصة الذي يعمل هناك. كما تكشف لنا رواياته عن مشكلات نواجهها كل يوم مثل روايته الأخيرة إسطاسية التي صعدت لجائزة البوكر العربية العام الماضي و تناول من خلالها قضيتين مهمتين في مصر هما الفتنة الطائفية وما يصاحبها من علاقات متوترة بين المسلمين والأقباط والفساد, من خلال قصة سيدة قبطية قتل ولدها في قرية, فقامت السيدة بتعذيب القرية بأكملها طوال سنوات حتي انتقم الله لها من قتلة ولدها. لقد كانت الحياة وخبرتها هي المعين الذي يستمد منه عم خيري نسيج حكاياته من خلال ما عايشه من تجارب وما مر به من أماكن وما صادفه من شخصيات شعر الكثيرون من قرائه أنها مهمشة فمنحها دور البطولة في رواياته وأعماله, رافضا بشدة تلك النظرة البرجوازية في التقليل من شأنهم وتقديمهم علي أنهم مهمشون لايستحقون الاهتمام الكافي معتبرا إياهم جزءا لا يتجزأ من عامة الشعب الذي وقع عليه ظلم حكامه من أصحاب المصالح, حيث كان يري أن علي الكاتب أن يعكس الحياة بشكل يلفت نظر الناس إليها, وبأسلوب تنبيهي بطريقة تضيف إلي القاريء درجة من الوعي يستطيع بها أن يفهم الحياة ويفهم النظام الذي يحكمه, وكان تمكنه من اللغة أهم أساليبه التي اعتمد عليها في استنطاق شخوص رواياته. تمتع صاحب زهرة الخشخاش بغزارة الانتاج فكتب ما يقرب من72 رواية منها علي سبيل المثال السنيورة,الأوباش, الشطار, العراوي, موال البيات والنوم, بغلة العرش, صهاريج اللؤلؤ,نسف الأدمغة, صحراء المماليك بالإضافة إلي عدة مجموعات قصصية مثل: صاحب السعادة اللص, المنحني الخطر, سارق الفرح,, وعدد من المسرحيات مثل: صياد اللولي, غنائية سوناتا الأول, وكلها أعمال أهلته للحصول علي جوائز عديدة كان آخرها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام.2005 لم يقتصر انتاج صاحب وكالة عطية علي الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة بل كانت له أيضا دراسات نقدية بارزة مثل اعيان مصر( وجوه مصريه), غذاء الملكات( دراسات نقديه), مراهنات الصبا( وجوه مصريه), لطائف اللطائف( دراسه في سيره الامام الشعراني), ابو حيان التوحيدي( بورترية لشخصيته), دراسات في المسرح العربي,و ربما كان أشهرها كتاب محاكمة طه حسين الذي كشف فيه عن نصوص التحقيق مع الدكتور طه حسين في القضية الشهيرة المرتبطة بكتابه في الشعر الجاهلي وقرار النيابة بحفظ التحقيق في القضية والذي اكتشفه في إحدي مكتبات الكتب القديمة وبفضل هذا الاكتشاف تمت تبرئة طه حسين. كما احيا فن البورتريه في الصحافة المصرية الذي قدم من خلاله مائتين وخمسين شخصية من نجوم مصر في جميع المجالات الأدبية والفنية والسياسية والعلمية والرياضية, علي امتداد ثلاثة أجيال, من جيل طه حسين إلي جيل الخمسينيات إلي جيل الستينيات. [email protected]