سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
.. وكتاب جديد لعاطف الشريف رئيس البورصة الأسبق: المشروعات الصغيرة.. هى الحل
حسم الصراع على القمة الاقتصادية فى المستقبل سيكون لمن يصل إلى السوق الأسرع والأرخص
يحكى أن حصان أحد المزارعين وقع فى بئر عميقة جف بها الماء.. فأخذ المزارع يفكر كيف يستعيد حصانه.. لكنه سرعان ما أقنع نفسه بأن تكلفة استخراج حصانه تقارب تكلفة شراء آخر جديد.. فنادى جيرانه طالبا منهم المساعدة في ردم البئر ليقوم بدفن الحصان به.. وبعد فترة من إلقاء الأتربة داخل البئر غاب صهيل الحصان.. وبينما ظن الجميع أنه قد هلك كانت المفاجأة عندما نظر المزارع داخل البئر ليجد الحصان مشغولا بهز ذيله لإزاحة الأتربة من فوقه.. وهكذا استمر الحال.. الأتربة تسقط على الأرض فى قاع البئر فيرتفع الحصان لأعلى.. حتى خرج بسلام. ..................................................................... بهذه القصة القصيرة الدالة، يبدأ عاطف الشريف رئيس البورصة المصرية الأسبق كتابه المهم «المشروعات الصغيرة والمتوسطة» الصادر حديثا، ليخلص منها بقوله إن «الحياة تلقى بالعقبات فلا تجزع»، إذ يمكنك أن تنجو من أعمق آبار المشاكل، بأن تنفض تلك المشكلات عن ظهرك فترتفع لأعلى، ويوجه رسالته قائلا: «حتى لا تقف فى الصفوف الجانبية للحياة، عليك بالحلول المبدعة والأفكار المثيرة، والتخطيط للحصول علي نصيبك من الثروات من خلال مشروع صغير تمتلكه، فالحقوق والفرص متاحة للجميع فاعرف ماتريد حتى تغترف ماتشاء». «كلام نظرى جميل». عبارة قد يقولها كثيرون، ممن يتنفسون اليأس، لكن الكتاب يقدم لنا نماذج لشخصيات عالمية، من المشاهير والمليارديرات، بدأ كل منهم حياة أقل ما توصف به أنها قاسية، لكن العقول الوثابة المتطلعة دوما إلى النور، خارج البئر، كانت تجذبهم إلى تغيير وجه الحياة. «على بابا» الصينى كان واحدا من هؤلاء.. ففى جنوب شرق الصين ولد الفتى «ما يون» عام 1964، فى أسرة فقيرة، فى وقت كانت فيه الصين الشيوعية لا تزال معزولة تماما عن الغرب، وعندما بلغ عمره 12 عاما، أصر الطفل الفقير هزيل البنية على تعلم الانجليزية، ولذا فقد حرص على مدى ثمان سنوات على أن يستقل دراجته الصغيرة لمدة 40 دقيقة صباح كل يوم، صحوا أو مطيرا، متجها بها إلى فندق قرب مدينة هانجزو، للقاء السياح الذين سعدوا بتلقي خدمات فتى صيني يعرف المنطقة جيدا، ويريد فقط أن يتعلم اللغة الانجليزية في المقابل. هذه ليست القصة الوحيدة التى يعرضها كتاب عاطف الشريف، لأغنياء بدأوا من الصفر، بل تحت الصفر، فهناك «ساندرز» العجوز الذى أصبح إمبراطور شركة الدجاج المقلى الشهيرة، و»كامبراد» بائع الكبريت مؤسس أحد أكبر شركات تصنيع الأثاث فى العالم، و»جون» الذى بدأ بائعا لعصير الليمون حتى صار صاحب شركة عالمية تمتلك أحد الفنادق الشهيرة، وهناك أيضا الإعلامية الشهيرة «أوبرا وينفرى» التى يسميها «فتاة البطاطس»، لأنها كانت ترتدى فى مدرستها وهى صغيرة ملابس رثة مصنوعة من أجولة البطاطس!.. وكثير من هؤلاء وغيرهم كانوا يعانون فى بداياتهم - كما يشير الكتاب- نفس المشاكل التي تواجه الشباب العربى، لكنهم بالصبر والإقدام حققوا المعجزات. ما العمل إذن.. سواء بالنسبة للمواطن أو الدولة؟! يقول الشريف إن حسم الصراع على القمة الاقتصادية في المستقبل سيكون لمن يستطيع الوصول إلى السوق الأسرع والأرخص وتحقيق التنظيم الأفضل وأن يقود في مجال التطوير وأن يهتم بالتمويل الاجتماعي.. وإذا نظرنا إلى هذه المتطلبات سنجد أن المشروعات الصغيرة تستطيع أن تحقق الكثير منها. ويشير إلى أن هذه المشروعات تشكل 90 % تقريبا من المنشآت الاقتصادية فى العالم وتوظف من 50 % إلى 60 % من القوى العاملة، وتساهم بحوالي46 % من الناتج المحلى، وتمثل 65 % من إجمالى الناتج القومي في أوروبا مقابل45 % بالولايات الأمريكية. ويضيف أنه يمكن القول أن المشروعات الصغيرة تعتبر بمثابة العمود الفقري للاقتصاد الوطني، وأحد أهم روافد العملية التنموية، ومعظم الأفراد في الدول النامية يعتمدون بشكل كبير عليها كمصدر للدخل، لذا فهى تتمتع بأهمية كبرى لدى صناع القرار الاقتصادي في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. ولكن.. لماذا تتمتع هذه النوعية بالذات من المشروعات بكل تلك الأهمية؟ يكشف الكتاب عن عدد من مزايا المشروعات الصغيرة، نعرض منها هنا، أن انخفاض حجم رأس المال اللازم لإنشائها، يتيح لبعض المستثمرين الذين يملكون مدخرات قليلة إمكانية دخول مجال الاستثمار والارتقاء بمستويات الادخار. بالاضافة إلى أن هذه المشروعات قادرة على امتصاص البطالة وخلق فرص عمل جديدة بتكلفة بسيطة، لأنها لا تتطلب المهارات الفنية التي تحتاجها المشروعات الكبيرة، حيث تشير التقديرات إلى أن تكلفة فرصة العمل الدائمة في الصناعات الكبيرة تبلغ حوالي 15 ألف دولار، فى حين أنها في المنشآت الصغيرة تتكلف بين تسعمائة و 3 آلاف دولار. كما تساهم هذه المشروعات في زيادة الدخل القومى، خلال فترة قصيرة نسبيا، لأن إنشاءها يتم خلال فترة زمنية أقل مقارنة بالمشروعات الكبيرة، وبالتالي فهي تدخل في دورة الإنتاج بشكل أسرع. ولكن.. هناك أيضا جوانب سلبية، إلا أنها لا ترتبط بهذه المشروعات ذاتها بقدر ارتباطها بالمشكلات التي تواجهها. ولعل الجانب السلبى الأهم، هو أن غالبية المشروعات الصغيرة تنشأ فى إطار القطاع غير المنظم، الذى يعمل بعيدا عن القوانين، خاصة فيما يتعلق بحقوق العمال وقوانين السلامة المهنية وحماية البيئة والرقابة على الجودة، فضلا عن الإجراءات الضريبية المتشددة. ماذا عن الوضع فى مصر؟ بلغة الأرقام، وفقا للكتاب، يبلغ عدد المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر (متضمنا المشروعات متناهية الصغر) أكثر من مليونين ونصف المليون مشروع، تساهم في 80% من الناتج المحلى الاجمالى، وتستوعب حوالي 75% من فرص العمل. ويدخل سنويا 39 ألف مشروع جديد مجال الإنتاج. وتساهم المشروعات الصناعية الصغيرة بنحو 13 % من قيمة الإنتاج الصناعى، بينما تسهم المنشآت المتوسطة ب 46%، والمشروعات الكبيرة ب 41 % ، وهو ما يوضح أهمية تلك المشروعات في الاقتصاد المصرى. وفى استعراض تاريخى تفصيلى، يخبرنا عاطف الشريف فى كتابه، بأن الاهتمام الرسمى في مصر بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة بدأ منذ عام 1916 حيث أنشات الدولة لجنة التجارة والصناعة بهدف دفع وتحفيز وتنمية الصناعات والحرف المختلفة، وفي عام 1923 خصصت الدولة مبلغ مائة ألف جنيه أودعتها بنك مصر لإقراض الصناعات الصغيرة بشرط ألا يتجاوز القرض ألف جنيه، وتم زيادة المبلغ تدريجياً، حتى وصل إجمالي المبلغ المقدم من الحكومة لإقراض المشروعات الصناعية الصغيرة مليون جنيه فى عام 1936م، وتمضى السنوات سريعا حتى نصل إلى عام 1991 حيث تم إنشاء الصندوق الاجتماعي للتنمية. وهكذا.. فقد بدأ اهتمام الدولة المصرية بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة منذ قرن كامل! ولكن.. مازال الكثير من المعوقات التى تعرقل نمو وتوسع هذا القطاع، منها على سبيل المثال أن عدد الجهات الراعية للصناعات الصغيرة يكاد يقترب من الأربعين جهة، ومع ذلك لا يوجد أب شرعى يرعى تلك المشروعات. وقد أناط القرار بقانون رقم 141 لسنة 2004 بإصدار قانون تنمية المنشآت الصغيرة الأمر إلى الصندوق الاجتماعي للتنمية للقيام بدور التنسيق بين كل تلك الجهات، إلاّ أن القانون جاء خالياً من أي مزايا ضريبية أو تأمينية للمشروعات الصغيرة، مما جعل الآمال المعقودة عليه محدودة، خاصة أنه لم يتناول مسألة خضوع تلك المشروعات لحوالى 18 قانوناً وأكثر من مائة قرار جمهوري ووزارى، مما يعدد جهات الرقابة والتفتيش. وبصفة عامة، تشير التقديرات إلى أن نسبة تتراوح بين 40 و 60 % من تكلفة القيام بالأعمال في مصر، تأتي من القيود الإجرائية، حيث تكثر الشكاوى من الاضطرار للتعامل مع المسئولين الحكوميين والمكاتب الحكومية المركزية والمحلية، وعدم توافر المعلومات وعدم الرغبة في تقديم المساعدة. وإجمالا، فمن الناحية القانونية، يقول الكاتب إن التشريعات والقوانين المنظمة لهذه المشروعات مازالت في وضع لا يسمح لنا بالقول بأنها وسيلة تحفيز.. ومن الناحية المالية، فإن العلاقة بين البنوك وهذه المشروعات بها الكثير من الإشكالات فيما هناك يتعلق بالضمانات، وفترات السداد، والإجراءات البيروقراطية، وغياب خدمة تمويلية تلبي احتياجات هذا القطاع، حيث أوضح أحدث تقارير البنك الدولي عن مناخ الاستثمار في مصر صعوبة حصول المشروعات الصغيرة على التمويل وارتفاع تكلفته، حيث يتم تمويل 56% من المشروعات القائمة بالتمويل الذاتى، بينما تمثل مساهمة البنوك في تمويلها أقل من 40%، منها 13% للبنوك العامة و26% للبنوك الخاصة. ولكن.. أليس هناك من حل؟! يقدم الكتاب ما يسميه «روشة علاج لتطوير المشروعات الصغيرة»، تشمل عددا كبيرا من الاقتراحات التفصيلية التى تتعامل مع جميع جوانب القضية، نختار منها هنا.. تعديل القوانين الخاصة بتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وخاصة فى مجالات التنافسية والتصدير.. وتوفير مقومات البنية التحتية الملائمة لتنفيذ المشروعات الاقتصادية بأسعار تشجيعية وتنافسية.. والإستفادة من خبرات الدول المعروفة باسم «النمور الاقتصادية» فى هذا المجال. كما تشمل «الروشتة» اعتماد سياسة الحوافز لتطوير المشروعات الصغيرة من خلال القروض الميسرة، وأولوية الإعفاءات الجمركية والحماية من المنافسة الأجنبية وأن تكون المشتريات الحكومية من السلع الوطنية.. وإنشاء بنوك متخصصة في تمويل المشروعات الصغيرة أو فروع لبنوك قائمة حاليا، حيث أن الإطار المؤسسى الحالى للبنوك لا يسمح بتنمية هذه المشروعات.. والتعاون مع المراكز الاستشارية والاتحادات الصناعية وغرف التجارة والصناعة والزراعة لتمويل البحوث التسويقية والإنتاجية.. وتنظيم المعارض المتخصصة لترويج وتسويق منتجات المشروعات الصغيرة. تلك إجراءات ينبغى على الدولة اتخاذها.. ولكن ماذا عنك أنت؟ّ يقدم لك الكتاب، مجموعة من الخطوات والتساؤلات، التى تساعدك على ترتيب أفكارك، إذا كنت تريد خوض تجربة إقامة مشروع صغير، منها.. هل تستطيع إنشاء مشروع وإدارته بنجاح؟.. فكر في الدوافع وراء رغبتك فى إقامة مشروع خاص بك.. هل أنت مستعد للعمل ساعات كثيرة كل يوم دون أن تعرف مقدار الربح الذى ستحققه في النهاية؟.. لماذا يمكن أن تفشل المشروعات؟ وأخيرا.. يقول لك عاطف الشريف رئيس البورصة المصرية الأسبق، ونحن أيضا نقول معه.. إننا نحتاج إلى ننفض عنا، كما فعل حصان البئر، غبار ثقافة الكسل وموروثات «الوظيفة الميرى»، لنصنع أحداثا تكون مصدرا للثروات، مهما كانت المعوقات والمشاكل المادية، وأن نبحث عن التمويل المناسب، فى الوقت المناسب، بالطريقة المناسبة. ويختتم قائلا.. هناك من يصنع الحدث، وهناك من يشارك فيه، وهناك من يكتفى بمشاهدته، فهل سنكتفى بالمشاهدة؟!