«الميلودراما بين الأدب والمسرح والسينما» هو عنوان الندوة التى أقامتها مكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك، ونظمتها شبكة آمون البحثية، ضيوف الندوة د.سلمى مبارك الأستاذ بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ود.وليد الخشاب الأستاذ بجامعة يورك بكندا، وأدارها الناقد السينمائى عصام زكريا. بدأ عصام زكريا الندوة بتقديم الضيوف، وإلقاء نبذة قصيرة عن معنى الميلودراما، وأوضح أنها تعبيرمرتبط بالسينما المصرية وبالسينما الهندية، والميلودراما هى نوع من أنواع الأدب التى استمرت وتطورت لأشكال مختلفة، وأشار زكريا إلى أن الحديث اليوم عن الميلودراما سيتناول الجانب الحديث الذى وُلد فى أوروبا فى عصر الصناعة، حيث كانت الميلودراما لها السطوة فى الروايات والمسرح، ثم عندما جاء فن السينما فى آواخر القرن ال 18 وبدايات القرن ال 20 كانت الميلودراما هى النوع الأول، وانقسمت إلى أنواع كثيرة أخرى فى السينما الأمريكية وبقية الصناعات السينمائية فى العالم. فى بداية حديثها أوضحت د.سلمى مبارك أنها ستتناول الميلودراما فى السينما المصرية..النوع وطرائق السرد، وأشارت إلى أهمية إلقاء الضوء على علاقة السينما بالأدب وضرورة تناولها بشكل أوسع، لأن هذه المنطقة مابين الأدب والسينما هى منطقة ثرية جداً، وفيها مواضع كثيرة تستطيع دراسات السينما والأدب أن تستفيد منها كلً على حدة. عرفت مبارك الميلودراما بأنها نوع من أنواع الأدب الفريدة جداً فى قدرتها على الاستمرار والازدهار بالرغم من قوة التهم الموجهة إليها، فنحن هنا نحاول إعادة اكتشاف الميلودراما فى السينما المصرية، لأنها استقرت فى الأذهان كنوع سهل يتلاعب بمشاعر المشاهد بقدر من الفجاجة، وذلك أدى إلى تهميش هذا النوع فى دراسات السينما وإعتبارها نوعا غير جدير بالدراسة, بالرغم من أن أغلب تراثنا السينمائى هو ميلودراما صرفة، أو مختلطة بأنواع أخرى ولكنها أخذت من الأسلوب الميلودرامي. وقالت مبارك إذا عدنا إلى أصول الميلودراما سنجد أنها نوع فى الأصل هجين، حيث إنه مر بأنواع عديدة من المسرح للموسيقى للرواية للسينما، وطرح عدد كبير من النقاد نظريات لفهم هذا النوع، هذه النظريات قد تكون مختلفة ولكنها أتفقت فى عدة نقاط، أولها أن الميلودراما ظهرت على المسرح منذ القرن ال 18 وبالتحديد بعد الثورة الفرنسية، إذن ارتبط ظهورها بتقلبات سياسية وإجتماعية، ثانى نقاط الاتفاق أن الميلودراما تتميز عن نوع آخر مشابه لها يسمى «الدرام» وهو أيضاً نوع مسرحى وُلد فى نفس الفترة ولكن الفرق هو وجود موسيقى فى الميلودراما تكون مصاحبة للعرض، بينما يختفى هذا العنصر فى الدرام، وأشارت مبارك إلى أن الفترة مابين 1800 و 1830 شكلت العصر الذهبى للميلودراما فى المسرح الأوروبي، لكن هذه الفترة لم تستمر طويلاً ونجاح هذا النوع سرعان ماتلاشى بسبب ملل الجمهور من الروايات التى تحتوى على العديد من المبالغات غير المنطقية والتبسيط الذى يبدو ساذجاً والمشاهد العاطفية المليئة بالدموع والخطاب الأخلاقى الواعظ، ومن هنا انطفأ وهج الميلودراما قبل أن يتناولها النقاد، ولكن أسلوب هذا النوع من الأدب تخلل الكثير من كتابات كبار الأدباء فى القرن ال 19، ويرى ت.س. إليوت أن ذلك القرن كان العصر الذهبى للخيال الميلودرامي، فروايات تشارلز ديكنز تدين بالكثير للشكل الميلودرامي، الفارق يكمن فى وجود الحبكة ومهارة تركيبها وليس فى طبيعة الخيال الروائي، أما فى السينما فتوضح مبارك أن القوالب الميلودرامية ظهرت منذ بدايات السينما أى فى مرحلة السينما الصامتة، وكانت أكثرها نضجاً فى مرحلة الخمسينيات فى السينما الأمريكية، ثم تحولت الميلودراما بعد ذلك لأسلوب يتخلل الكثير من الأنواع إلى يومنا هذا, كأفلام الحرب مثل فيلم المريض الإنجليزى والذى قيل عنه إنه ملىء بالميلودراما وتمت مهاجمته من قبل النقاد بسبب ذلك, لأنهم يرون أنه يقلل من قيمته، وكذلك أفلام الكوارث والرومانسية الشديدة مثل تيتانيك، وهى قد تكون ليست ميلودرامية ولكنها تأخذ من اللون الميلودرامى وتستخدمه فى أسلوبها. وذكرت مبارك أنه عندما نشر الكاتب بيتر بروكس كتابا عن هذا النوع من الفن، بدأ النقاد إعادة النظر فى الميلودراما والنظرة السلبية التى ينظرون بها لها. فقد دافع بروكس عن الميلودراما, وأشارر إلى أنها تشكل حساسية الناس تجاه عدد من القضايا الثقافية والسياسية، وأن فن الميلودراما ماهو إلا تعبير عن تلك الحساسية، وهو يربط بين حساسية الميلودراما وقيم الحداثة التى ظهرت مع الثورة الفرنسية. وتقول مبارك أن انتصار الخير على الشر والنهايات السعيدة هى إحياء أيضاً لميراث قديم فى الحكايات الشعبية. ثم انتقلت سلمى مبارك بعد ذلك للحديث عن الميلودراما فى السينما المصرية.واختارت مبارك مثالين للميلودراما من أفلام السينما المصرية فى الخمسينيات وهما فيلم أنا بنت ناس والذى يمثل الميلودراما الاجتماعية الكلاسيكية التى تتبنى المواجهة الأخلاقية بين الخير والشر مع استخدام نمط الإفراط، وهو من إخراج حسن الإمام عام 1951، وفيلم أيامنا الحلوة إخراج حلمى حليم عام 1955 ويمثل الميلودراما العاطفية التى تعتمد على التضحية وتحريك المشاعر، وتحدثت عن السمات السردية للأشكال الميلودرامية فى كل منهما. وفى نهاية حديثها أكدت د.سلمى مبارك أن الميلودراما نوع موجود فى السينما المصرية والعديد من دول العالم سواء رفضناه أو قبلناه، ولا يوجد فقط فى الفن ولكنه موجودا أيضاً كمكون ثقافى مهم ومؤثر. التقط بعد ذلك د.وليد الخشاب طرف الحديث, فتناول الميلودراما فى الحياة والفن بين الترفيه والطمأنة والسياسة، وبدأ بتعريف وماهية الميلودراما، وذكر أننا بمجرد نطق كلمة ميلودراما فلابد أن يخطر فى أذهاننا مباشرة اسمان هما فاتن حمامة فى أفلام حسن الإمام ويوسف وهبى فى أفلام من إخراجه، مثل فيلم بيومى أفندى عام 1949 وفيلم اليتيمتان نفس العام، وفيهما تتضح وبقوة فكرة الثنائيات الضدية القوية والتى تكون عادة مرتبطة بالخير والشر، ومن هنا نستطيع أن نلخص الميلودراما فى كلمة واحدة هى المبالغة أو الإسراف فى كل شىء، فى الأداء التمثيلى وفى التفاؤل أوالتشاؤم وفى دور الصدفة والقدر فى الحدث وكذلك فى استخدام أحجام اللقطات المقربة لإظهار قوة المشاعر المختلفة على الوجه، وأيضاً المبالغة فى استخدام الألوان، ففى بداية ظهور الألوان فى السينما نجد مبالغة شديدة فى استخدام الألوان وشحنها بمعان مبالغ فيها. ويشرح الخشاب رأيه فى تعريف كلمة مبالغة وربطها بحد الواقعية وتجاوزها لهذا الحد، ثم يوضح أن الميلودراما تتغير وظائفها وتعريفاتها بتغير المجتمعات والظروف التاريخية والسياسية والمخرجين، وأنها ليست موجودة فقط فى السينما ولكن أيضاً فى الأدب والتليفزيون والمسرح وكذلك فى الخطابة والصحافة. وكان يتبنى هذا النوع من الميلودراما فى الصحافة الكاتب الكبير عبد الوهاب مطاوع فى بريد الجمعة والذى استمر لسنوات عديدة. ويشير إلى أن سبب ذلك فى رأيه هو أن الميلودراما صاحبت ميلاد الحداثة، برغم أن هذا الميلاد لايزال يواجه الكثير من المناقشة والجدال، فمثلاً هل هى مرتبطة أيضا بالحكايات الشعبية؟ وهنا أشار الخشاب بأنه يركز على ارتباط الميلودراما بالحداثة بشكل عام للبعد عن كل هذا الجدال، وخاصة أنه مهتم بوصول الحداثة إلى مصر والوطن العربي. ويرى أن الميلودراما لها دور كبير فى طمأنة المجتمع المشوش بسبب متغيرات القيم والعادات التى حدثت بسبب وفود الحداثة التى تحدث خلخلة فى المجتمع، فالميلودراما تقوم بدور المتفاوض مع الحداثة، وكمثال: تحول الفلاح من المالك إلى الأجير وكذلك إنشاء المدن وحدوث هجرات كبيرة من الريف إلى المدن وماصاحب ذلك من تغير جذرى للشخص والمجتمع، ومن هنا جاء دور الميلودراما فى طمأنة الناس كما ذكرنا وإعادة تعريفهم بما هو الخير و ما هو الشر وانتصار الخير فى النهاية، وأيضاً وظيفتها ودورها فى الترفيه والتعزية. واختار الخشاب فيلم دليلة إخراج محمد كريم كمثال ، لأن هذا الفيلم من وجهة نظره تتناول فكرة مهمة فى عالم الميلودراما وهى فكرة القرين أو التوأم. وأنهى د.وليد الخشاب كلامه بأن الميلودراما تدعو إلى التركيز على الصراع المجنون بين الخير والشر.