نادرة هى المجموعات القصصية التى تجعلك تُعيد قراءتها مرة أخرى، لتستعيد ما خطه الكاتب بفكره وروحه، وتحاول تركيب تلك القطع المتناثرة التى تركها فى طريقك علها ترشدك لما يريد قوله من خلال حكاياه. هند جعفر مؤلفة المجموعة من مواليد عام 1985، تعمل بمركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، عدودة تجربتها القصصية الأولى والإشارة إلى وظيفتها هنا ضرورى لملاحظة جوهرية لفتت نظرى أثناء استعراضى للكتاب حينما وجدت اللغة رصينة لاتتناسب مع كونه عمل الكاتبة الأول، ولكن معرفتى بعد ذلك بوظيفة الكاتبة المرتبطة بالتراث العربى أزال الاندهاش، فقليل من كُتاب هذا الجيل يمتلكون ناصية اللغة بهذه الحرفية، وأعتقد أن هذا ما ميز المجموعة فرغم رصانة اللغة جاءت طيعة سلسة تناسب متلقى هذا العصر بلا تكلف ولا ادعاء. تضم عدودة 19 قصة قصيرة، تصلح كل منها لتكون نواة لفيلم سينمائى قصير، وضعت الكاتبة جهدها بأكمله فى تكثيف السرد، واختزال اللغة، وضبط الحبكة وهو ما يميز المجموعة وتجلى بقوة فى عدد من القصص جاء على رأسها رؤيا، الجثة، كلب يروى قصة قصيرة وغيرها مما لايتسع المجال لذكره. الملاحظ أيضًا فى المجموعة أن الكاتبة مُطلعة بشكل كبير على الثقافة الغربية وخاصة الإنجليزية ورغم ذلك،لم يمنعها هذا الأمر من الغوص داخل مفردات البيئة المصرية شديدة الخصوصية، ففى قصتها عدودة تبدأ الكاتبة القصة بمقطع من أغنية فرنسية تصف به حالة الموت على خشبة المسرح أو بالأحرى العمل حتى الرمق الأخير ثم تعرج على خط القصة الأساسى الذى يتحدث عن معددة صعيدية تموت أثناء تعديدها فى أحد المعازى بالصعيد!. نشأة الكاتبة فى إحدى مدن القناة، ألقى على المجموعة ظلاً يحمل وجعه تحديدًا أبناء هذه المدن الثلاث من معاناة عاشوها بسبب الحروب والتهجير وظهر هذا بوضوح فى قصتها التى افتتحت بها المجموعة والمُعنونة بحائط صد. فى المجموعة روح كاتبة تعانى غربة دائمة..كاتبة رحالة إن شئنا الدقة، أغلب شخصياتها تعانى من نفس الغربة وحط الرحال وشده وإن كان فكريًا، على هند جعفر أن تستمر فى الكتابة بنفس الروح التى بدأت بها عملها الأول وأن تجعل من الكتابة وطنًا تأوى إليه وألا تنجرف فى تيار سائد يستحق أن نطلق عليه تيار الأدب الفهلوى ينتهجه كثير من شباب الأدباء لكسب جمهور يحتاج لجرعات أدبية معينة انتشرت فى الفترة الأخيرة خاصة الرعب والمغامرات، عليها أن تؤسس لعالمها القصصى بنفس الأصالة التى بدأت بها مشروعها الأول وأخيرًا عليها أن تُخلص للقصة القصيرة وألا تناديها غواية الرواية التى يستسهلها البعض هذه الأيام تاركين القصة القصيرة ظنًا منهم أن الرواية صناعة ثقيلة والقصة لا ترقى لنفس المستوى وهو ماأثبتت الأيام لنا عكسه. الكتاب: عدودة المؤلفة: هند جعفر الناشر: دار ميريت 2016