ملامحه المصرية تلقى بك فى عالم الأسطورة، فتراه فارسا باحثا عن الحقيقة. حقيقة الجمال فى رحلة أبعد من مكان وزمان ميلاده. ملامحه عابرة للسنين، وفرسه يصهل دوما بأغنيات قديمة، حين يمسك بيدك تسمع قلبه كصوفى يتهجد، ستراه فى أكثر من مكان فى آن واحد لأنه الوجه المنحوت كأيقونة مصرية تؤطرها الملحمة، وتملأ متنها قصص الأبطال والأولياء وصيد وفير من حكمة الوجود، اسمه إشارة دالة على باطنه، فهو « شمس » تشع بالمعرفة حين ينقب بمبضع العالم ليهدم المتواتر فى دراساته عائدا إلى الجِذر الشعبى (الأسطورة في المسرح المصري المعاصر- العرب وفن المسرح - الوظيفة بين الأسطورة والمسرح- الأسطورة في الأدب العربي - مدخل إلى المسرح العربي)، ولم تكن صدفة أن تكون الأسطورة مدخله، فهو القادم من رحم الأساطير، والمتعلق بدكة الشاعر الشعبى صغيرا متأملا بركة الطير ونبوءات الأبطال، وارتحالاتهم من أرض نجد إلى أرض المغارب، والقاطن فى تضاعيف قصص الطريق ووجد العشاق وآثارهم، الممسك بصيد المربع وحكمة التربيع ، ومناوشات السيوف حين تلمع على الخيول الطائرة فى وسيع الجبال، وهو المنقب عن دُرر سيرنا الشعبية مركزا على أكثرها حياة وهى السيرة الهلالية، إذا درسها سيدخل بك لتعى مورفولوجية الجماعة الشعبية وقدرتها على بناء نصها ببراعة، وإذا قدمها ستراه أحد أبطالها الذى يتقنع بملامحهم وإذا أنشدها يصير واحدا من أعظم رواتها، فقد قدم فى هذا السياق علما راسخا فى عدد من دراساته منها: «مولد البطل في السيرة الشعبية - النبوءة، أو قدر البطل في السير الشعبية العربية»، كنت أراه يذوب عشقا وهو يحكى حلقاتها بداية من المواليد، ويدقق تفاصيل النصوص، ويتفحص العلاقات والأنساب، ليكشف لنا ما وراء النصوص من حكمة تسكن هنا وجمال هناك، يرسم العالم بين المشارق والمغارب وما بينهما من عادات وتقاليد ومعارف وخبرات، ولا يتوقف الشيخ عند مقام « أبى الحجاج الأقصرى » وقفة المنتسب إليه، بل موقف « سليل شمس المعارف الكبرى» فيجتمع حوله الأصفياء والأنقياء والمريدين يلهجون بالذكر ويجمعون النشوة على النشوة فتتسع الحلقة لتفيض على المكان بالنور، وهناك نرى ظلال عمله الفارق « سيرة الشيخ نور الدين ». إنه الحجاجي.. شيخى الذى يشفّْ قلبه محبة تغرق أصحابه، البسيط، المتواضع، العالم، الصوفى، عاشق الجماعة الشعبية، المبدع الذى يرسم بنور قلبه مقاما إن لم تزره لحقتك الخسارة، وإذا أمسك بك عانقتك الجسارة. « أحمد شمس الدين الحجاجي » السند لأجيال متلاحقة، كان يقدمنا للحياة كأننا نقدمه، يعلمنا كأنه يتعلم، كان لى شرف مشاركته والتعلم منه بين القاهرة وسوهاج والأقصر، فإذا رآك احتضنك بمحبة كأنك عائد من غربة، جمعتنى بشيخى أماكن وملتقيات فنية وعلمية، وفى كل مرة ما ازددت إلا عطشا، أحبَّه تلامذته وعشقه الرواة لأنه كان أحد مراجعهم، فلم يكن مجرد جامع أو دارس للسيرة الهلالية، بل كان أحد أبنائها ووهجا من إلماعات الإبداع فيها، ينتقل كطائر من حكاية لحكاية مقارنا وشارحا ومحللا، يعرف قدر الرواة ويعرفون قيمته، ويتحلقون حوله فى الساحات وفى أروقة الدرس كأن حبلا سريا بينه وبينهم، عُمقه فى أساطير المصريين عن بداية الخلق ومعرفة الإله وميلاد الأبطال وسحر الحكمة، كأن قلبا أحاطته الأسطورة وروته أسرار المتصوفة وشكلته محبة البسطاء، كأنك تملأ روحك وقلبك بالنظر إلى حديقة جمال لا تشبه إلا ذاتها عنوانها « أحمد شمس الدين الحجاجي »