يمثل محور العدالة الاجتماعية أحد المحاور الرئيسية التي تضمنها برنامج عمل الحكومة المقدم لمجلس النواب. البيان يؤكد أنه يستهدف «ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية ورفع كفاءة الخدمات المقدمة للمواطنين بهدف رعاية الفئات المهمشة والأولي بالرعاية والعمل علي دفعها خارج بؤرة الفقر». تري هل آن الأوان أخيرا للالتفات إلي حلم الحياة الكريمة التي خرج الشعب يطالب بها في ثورة 25 يناير؟ البيانات الرسمية تؤكد أن 50% من المواطنين يعيشون إما تحت خط الفقر أو بالقرب منه، أي أن 50% من المواطنين يلاقون الأمرين في توفير احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والكساء والمأوي، ناهيك عن نفقات العلاج والتعليم والمواصلات. بل إن البيانات الرسمية تؤكد أن 27% من المصريين يعجزون بالفعل عن الوفاء بتلك الاحتياجات. المشكلة أن حزمة السياسات الاقتصادية التي يعبر عنها البيان تصب في اتجاه ارتفاع المستوي العام للأسعار والإطاحة بمستوي معيشة نفس الفئات التي يعلن البيان سعيه لانتشالها من براثن الفقر. بيان الحكومة يتحدث عن رفع أسعار الخدمات العامة، وهو ما صرنا نشعر بوطأته بالفعل فيما يتعلق بفواتير الكهرباء والمياه والغاز، فضلا عن التصريحات الرسمية برفع قيمة تذاكر مترو الأنفاق والقطارات. البيان يتحدث أيضا عن السعي لتطبيق الضريبة علي القيمة المضافة، وهي ضريبة يتم تعليتها علي سعر السلع والخدمات المختلفة التي يقوم بشرائها المستهلك أو متلقي الخدمة، وتترجم علي الفور في مزيد من الارتفاع في الأسعار. ولكي تكتمل منظومة ارتفاع تكاليف المعيشة يتحدث البيان عن السعي لاستصدار قانون الإيجارات القديمة! المسألة هنا لا تتعلق بمدي خطأ أو صواب تلك السياسات، المسألة ببساطة هي هل يتعين أن تنزل تلك الكوارث مجتمعة ودفعة واحدة علي رأس المواطن؟ إن ألف باء العدالة الاجتماعية هو توفير الشروط التي تمكن القاعدة العريضة من الأسر المصرية من مواجهة تكاليف الحياة الأساسية في حدود دخلها المتاح ومستوي الأسعار السائدة. فكيف يتصور توفير تلك الشروط إذا كنا بصدد ارتفاع تكاليف المياه والكهرباء والغاز والمواصلات، وإيجارات المساكن وأسعار مختلف السلع والخدمات دفعة واحدة، في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة سعيها للسيطرة علي تزايد الأجور؟ بيان الحكومة يتحدث عن مد مظلة معاش الضمان والدعم النقدي المشروط لتغطي تدريجيا نحو 3 ملايين أسرة. وعلي الرغم من الترحيب بذلك الإجراء الذي يسهم في تخفيف حدة الفقر للفئات الاجتماعية الأشد احتياجا، إلا أنه يجب تأكيد أن هذه الفئات حتي لو تم تغطيتها بالكامل لا تمثل سوي نصف الأسر التي تقع تحت خط الفقر. فماذا عن بقية الفقراء، وماذا عن الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة وكل أصحاب الدخول الثابتة؟ هل يكفي دعم السلع الغذائية لمواجهة تآكل القوة الشرائية لما يتبقي من دخولهم بعد دفع فواتير الخدمات العامة؟ يحدثنا البيان أيضا، في إطار محور العدالة الاجتماعية، عن سعي الحكومة لتحسين ورفع كفاءة منظومة الخدمات العامة المرتبطة بحياة المواطنين، خاصة فيما يتعلق بالإسكان وتوفير مياه الشرب والصرف الصحي. يحدثنا عن بناء 750 ألف وحدة سكنية من خلال مشروع الإسكان الاجتماعي، وتطوير عشرات المناطق العشوائية في العديد من المحافظات، والوصول بنسبة تغطية خدمات مياه الشرب إلي 100% ونسبة تغطية الصرف الصحي إلي 95% في المدن و50% في القري. وبالرغم من أننا لا نعرف كيف ستدبر الحكومة الموارد المالية الضخمة لتمويل هذه المشروعات، فإننا لا بد وأن نعترف بأن النجاح في تنفيذها سيمثل بالفعل أحد الجوانب الهامة لتحقيق العدالة الاجتماعية. ومع ذلك فإن هدف توفير السكن الآدمي للقاعدة العريضة من المواطنين يتطلب أيضا وبشكل ملح ضرورة تعديل قانون الإيجارات الجديدة للمساكن بما يكفل عقود إيجار مستقرة تنص علي زيادة سنوية معلومة مسبقا، ويتفق عليها الطرفان من البداية، ويتم الالتزام بها طوال مدة العقد، وأسسا موضوعية واضحة لتحديد قيمة الإيجار، تأخذ في الاعتبار تكلفة الأرض والمباني ومستوي التشطيب واختلاف الموقع، وعودة وتفعيل لجان تقدير الإيجار. بيان الحكومة يتحدث أيضا عن العمل علي زيادة دخول المزارعين وتوفير التسهيلات المالية لهم بأسعار فائدة مناسبة، وإعادة إحياء دور صندوق دعم موازنة أسعار المحاصيل. وهنا لا بد من التأكيد أن أحد السبل الرئيسية لمواجهة إفقار الفلاحين وانتزاع حيازاتهم يتمثل في تعديل قانون إيجارات الأراضي الزراعية. الفلاحون يطالبون بعقود إيجارات زراعية مستقرة لا تقل عن خمس سنوات، وبأن تتحدد القيمة الإيجارية بحسب جودة الأرض والعائد الفعلي لها. يطالبون بزيادة المقررات الموزعة بالجمعيات الزراعية من مستلزمات الإنتاج المدعمة، وبأن يتم تسليمها للمزارعين الفعليين وليس الملاك أما فيما يتعلق بتحسين الخدمات الصحية كأحد المكونات الرئيسية لمحور العدالة الاجتماعية، فإن البيان يتحدث عن السعي تدريجيا لمد مظلة التأمين الصحي لتغطي كافة الفئات غير القادرة، والتي يحددها بنحو 3 ملايين أسرة يسري عليها معاش الضمان الاجتماعي وبرامج تكافل وكرامة.. ومن المؤكد أننا نرفض هذا التحديد القاصر. تعريفنا لغير القادرين يضم كل الأسر التي تقع تحت الحد الأعلي لخط الفقر الذي يحدده الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وهذا هو التعريف الذي يتعين تطبيقه في قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل. باختصار.. بيان الحكومة يوضح أن مشوارنا مع تحقيق حلم العدالة الاجتماعية مشوار طويل وشاق... ولكن المهم أن نري ضوءا في نهاية النفق. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى