كلما ثار الجدل حول قانون الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى ، يستدعى البعض النموذج الغربى فى التعامل مع هذا الملف ، تارة بإبراز القيود المفروضة على هذه الجمعيات ، وأخرى بالتركيز على الحريات الممنوحة لها، ويرى حقوقيون أن الفرق بين مصر وأوروبا فى هذا الملف هو أن الأخيرة وضعت تشريعات منضبطة ومحددة وأتبعتها بتنفيذ الإجراءات بطرق صحيحة، وهو الامر الذى توافق حوله الجميع، وكل طرف يعلم ماله وما عليه، سواء كان الطرف دولة أو جمعية أهلية. ويشير الحقوقيون إلى أن المسألة فى مصر ليست مقارنة بين حال المجتمع المدنى لدينا مع حالها باوروبا ؛ وذلك على أساس أن قانون الجمعيات الأهلية الجديد سيكون إيجابيا فى حالة تطبيقه بطريقة صحيحة ، باعتبار أن المشكلة فى مصر تتمثل فى الخلل التشريعى وبناء القوانين على فكرة القيود ؛ وليس على فكرة "الإباحة ثم الضوابط". فمن جانبه أوضح علاء شلبى أمين عام المنظمة العربية لحقوق الانسان فى مصر ل"الأهرام"- أن القانون الحالى يتم العمل به منذ عام 2002 ، مما اضطر جمعيات للعمل خارج هذا القانون ، مؤكدا أن التشريع المنضبط يضمن عدم خروج أحد عن القانون ، كما أن القيود غير المبررة ستأتى بنتائج عكسية. وأوضح جورج إسحاق عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان أن الحديث عن الجمعيات الأهلية فى أوروبا وغيرها ومقارنتها بمصر لا معنى ولا قيمة لها ، لأنه لو كان لدينا فى مصر نية جادة لخلق بيئة صحية فعلينا بإصدار قانون جديد ، وهذا ما يطالب به المجتمع المدنى ، حتى نستطيع العيش فى حياة مدنية واجتماعية جيدة. وقال إسحاق –ل"الأهرام"- أن المجلس القومى لم يطلع على النسخة النهائية لقانون الجمعيات الأهلية الجديد ، برغم مطالبته بالاطلاع عليها قبل عرض المشروع على البرلمان ، رافضا ما يتردد عن انتقاد حقوق الانسان فى أوروبا ومقارنة ذلك بمصر ، وموضحا أنه لا يوجد وجه شبه بين الحالتين. وتخضع الجمعيات فى أوروبا للقانون والمسئولية المدنية كما قد تواجه عقوبات إدارية أو جنائية إذا فشلت فى احترام متطلباتها ، وتتحمل عموما أى مسئولية عن الأفعال والعقوبات والسهو نيابة عن الجمعيات التى لا تتمتع بشخصية قانونية أولئك الذين ينتمون إليها، أو أولئك الذين تصرفوا أو فشلوا فى التصرف نيابة عنها ولكن على صعيد الجمعيات ذات الشخصية القانونية، تتحمل الجمعيات أنفسها وليس أولئك الذين ينتمون إليها. كما يمكن أيضا فى بعض الحالات تبرير فرض عقوبة على الجمعية أو أى من الأفراد المسئولين مباشرة عن الخرق، لكن ذلك لا يضمن تعليق أنشطة الجمعية إلا إذا كان الخرق يثير تهديدا خطيرا للتعددية السياسية أو مبادئ الديمقراطية الأساسية. وعلاوة على ذلك، يجب أن تحترم العقوبات المفروضة مبدأ التناسب . ومن جانبه ، ذكر عصام شيحة المحامى بالنقض والقيادى بتيار إصلاح حزب الوفد أن المجتمع المدنى فى الدول المتقدمة شريك للدولة فى التنمية، ولا توجد دولة تستطيع ان تقدم خدمات للمواطنين وتحفظ حقوقهم بدون مجتمع مدنى قوى ، موضحا أن المجتمع المدنى – من وجهة نظره – هو الذى يضم الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية والإعلام ، ولا يجب حصر المجتمع المدنى فى جمعية ؛ أو اثنتين ؛ بل يجب أن يشمل كل هذه المؤسسات. وأضاف شيحة –ل"الأهرام"- أن لدينا فى مصر 48 ألف جمعية أهلية ، ثم نجد أن الأضواء تسلطت كلها على جمعية أو اثنتين ، موضحا أن القوانين التى تحكم العلاقة بين الدولة والمجتمع المدنى هى قوانين تنظم هذه العلاقة ولا تقيدها ، عندنا فى مصر قانون الجمعيات الصادر منذ عام 2002 فيه قيود علي أنشطة بعض منظمات المجتمع المدنى ، بينما نحن فى حاجة لتيسير إجراءات تأسيس المنظمات. وقال إن المشكلة فى مصر تكمن فى عمليات التمويل الأجنبى ، وهى ظهرت بعد عام 1952 ، لأنه قبل هذا التاريخ كانت نسبة ثقافة التطوع لدى المصريين كبيرة جدا ، فكان المواطن يتبرع بالعمل فى الجمعيات الأهلية بدون مقابل ، كما أنه يتبرع بأمواله وأراضيه لهذه الجمعيات ، ولذلك فإن عددا كبيرا من المشروعات الضخمة التى أنشئت قبل عام 1952 كانت من التبرعات مثل جامعة القاهرة ، والقصر العينى ، وكان المواطن يسهم مع الدولة ، لأن الدولة كانت تقدم "تقديرا أدبيا " للمتبرع ، فمثلا لو تبرع مواطن ببناء مدرسة أو مقابر تجد الدولة تسمح له بتسميتها باسمه أو عائلته دون تعقيد للأمور . وتابع شيحة : أما حاليا فقد فقدنا سياسة التبرع والتطوع ، كما أن الدولة لا تخصم المبالغ التى يتبرع بها المواطن للأحزاب والجمعيات من الوعاء الضريبى لهذا المواطن ، مما يحجم الأشخاص عن التبرع .بخلاف الدول الأخرى التى تخصم هذا المبلغ من الضرائب المستحقة على المتبرع .