الزلزال الذى أحدثته ثورة 25 يناير امتد إلى الجمعيات الأهلية خاصة بعد الحديث عن التمويل الأجنبى لبعضها، الأمر الذى أعلنت بعض الجمعيات الأهلية ثورتها ضد القانون رقم 84 لسنة 2002 والذى وضع العديد من القيود على إنشاء الجمعيات وفشل فى سد ثغرات قام من خلالها البعض بتنفيذ أجندات أجنبية بتمويل خارجى. الخبراء طالبوا بضرورة إعادة النظر فى القانون الحالى وإجراء تعديلات عليه تواكب الثورة وتتفق مع التعديلات التى تشهدها الحياة السياسية فى مصر حاليا وأن يصبح إنشاء الجمعيات بالإخطار بعيداً عن الروتين. د. أحمد كمال أبو المجد الفقيه القانونى ووزير الإعلام الأسبق يرى أن قانون الجمعيات الأهلية يحتاج لدراسة متعمقة وموازنات شتى، فالتشريع ينبغى أن يكون واضحاً. وهناك ركن مهم فيه، وهو هل المشرع يريد الاستجابة لدعوة مشروعة، أم أنه يريد الالتفاف حولها.. ولهذا يجب أن تراعى الدراسة المتعمقة السياق المجتمعى.. وأن نعلم أن الجمعيات الأهلية لها وظيفة مجتمعية حيوية. حتى فى وجود بعض السلبيات، والناس فى المجتمعات المتقدمة تدرك الدور المؤثر للمؤسسات الاهلية.. فهو دور تربوى وتعليمى وتنموى وترشيدى..والتى تساعد على زيادة مساحة العمل التطوعى من خلال مؤسسات المجتمع المدنى وأن تشارك المؤسسات الرسمية فى تقدم المجتمع بشرط التمتع بالحرية وممارسة النشاط المدنى الواسع النطاق.. وزيادة القدرات التنافسية لهذه الجمعيات فى كل المجالات المجتمعية. أما الإطار القانونى لهذه المنظمات الاهلية فله 3 جوانب. كيف تنشأ هذه الجمعيات والتنظيمات.. ونحن فى عصرالمنافسة نحتاج للعمل الأهلى.. ومن غير المنطقى تعطيل العمل المدنى.. إذ لابد من نشر ثقافة التربية السياسية والتعليم السياسى والمجتمعى. ومنذ بدأت العولمة وثورة 25يناير ونحن نعيش فى عصر تنافسى.. إننا فى مرحلة فاصلة..لأن هذه الثورة ألغت الفوارق.. والعالم أصبح قرية كونية.. وبالتالى فالعالم كله يؤثر فى بعضه البعض. أما الأمر الثانى فيجب أن يكون انشاء الجمعيات بالاخطار فقط.. إلا فى حالات معينة.. وبعد أن استطعنا حل مشكلة تأسيس الاحزاب ..فيجب أن تتخلص الجمعيات الأهلية من القيود الادارية والقانونية، فالحرية هى الأصل، والقيد هو الاستثناء.. والذى يراعى ضرورة معينة لا يجب القياس عليها، والتوسع فى تطبيقها. ويحدد د. أبو المجد الأمر الثالث وهو أنه لايجوز حل الجميعات الأهلية إلا بسبب قانونى وأن تكون هناك فرصة متاحة للطعن على هذا الحل أمام القضاء فمجتمعنا المصرى يحتاج إلى وجود ثقافة سياسية تعرف من خلالها أن الحرية فضيلة كبرى.. وهى الفضيلة (الأم). ويطالب أبو المجد المجتمع كله أن يعيد المواطن لكى يكون عنصراً فعالاً.. والوطنية ليست حق فقط.. إنما يترتب عليها واجبات أولها المشاركة فى صنع القرارات.. وأن يبدى المواطن رأيه من غير ترهيب أو ترغيب وعلينا فى هذه المرحلة أن ندرس كافة نصوص قانون الجمعيات الأهلية. وينهى د. أحمد كمال أبو المجد حديثه بأن الأصل فى كل مواطن أنه وطنى مخلص حتى يثبت العكس وهناك فرق هائل بين المواطن الخائن.. والمواطن الذى يحترم حكامه ويعرف دورهم ويحيه،مع تقبل الحكام للنقد وابداء الرأى والرأى الآخر.. والمجتمع المدنى هو طريقنا إلى خدمة الوطن.. ويجب أن تتاح مساحات كبيرة لكل المواطنين للانخراط فى العمل المدنى.. ودولة المؤسسات لا تعنى مصادرة المساهمات والمبادرات الفردية والأهلية.. والتى تهدف إلى الرقى بالمجتمع وتطويره. من جانبه يؤكد د. نبيل عبد الفتاح مدير مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية أن كافة القوانين التى صدرت بتنظيم العمل الاهلى منذ قيام ثورة يوليو 1952، كانت تهدف الى تطويق وتقييد أية مبادرات فردية ومجتمعية خشية أن تتحول من المجال الاجتماعى إلى المجال السياسى.. وعلى هذا فإن التشريع فى مصر كان يخشى ويخاف من التعددية التى ربما تهدد وجود النظام السياسى.. والذى ينبذ فكرة السياسة والتنافس فى الأفكار والبرامج والرؤى الأخرى التى تختلف مع توصياته! وبالنسبة للأموال الأجنبية التى ذهبت الى منظمات العمل المدنى، فإن هناك أموالاً ذهبت إلى جيوب بعض أصحاب هذه الجمعيات.. ولم تذهب الى غرضها الاصلى الذى وجهه المانحون! ويطالب د. عبد الفتاح بتطوير قانون الجمعيات بحيث يتلافى سلبيات القانون وان يتواكب مع التطور الديمقراطى ومن مصلحة استقرار الوطن الكف عن اطلاق الاتهامات بدون دليل من أية جهة، وقد وصلت بعض هذه الاتهامات إلى الاتهام بالخيانة، وهذه تهمة يعاقب عليها قانون العقوبات، ولابد أن يتسم عمل كافة المنظمات الأهلية بالشفافية والوضوح.. وذلك بالإعلان عن مصادر التمويل.. ليكون كل ذلك تحت بصر الرأى العام والجهات المختصة.. وينهى عبد الفتاح كلامه بأن الثورة الآن تحتاج إلى تطوير جذرى فى الفلسفة السياسية والتشريعية التى تحكم عمل المنظمات الأهلية وغيرها من القوانين. إنشاء الجمعيات/U/ ويشير د. إكرام بدر الدين استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إلى أنه يجب أن يتحقق فى أنشطة مؤسسات المجتمع المدنى درجة من التوازن بين عاملين: الأول الرغبة فى الحفاظ على دور واستقلالية منظمات المجتمع المدنى.. بحيث يكون لها دور فى الرقابة على الانتخابات، ودعم الديمقراطية.. وتنشيط العمل الأهلى.. وعندما تقوم بدورها يجب أن تلتزم بقوانين المجتمع وأعرافه وأسسه التى يعتمد عليها.. لأنه من غير الممكن أن تكون هناك جمعيات تمارس أنشطة تخالف الأخلاق والتقاليد والأديان.. وهى الأنشطة التى تهدد أمن المجتمع واستقراره. الأمر الثانى - أن تخفيف القيود والاجراءات الخاصة بإنشاء الأحزاب يجب أن يشمل القطاع الأهلى (منظمات المجتمع المدنى).. التى تمنعه وتعوقه من أداء عمل.. مثل تدخل الجهات الأمنية والتى تعيق أنشطة الجمعيات.. ولذلك لابد من رفع القيود عن حرية التعبير.. كما أنه يجب أن يكون لمؤسسات المجتمع المدنى دور ورأى فى مشروعات القوانين المختلفة وذلك فى إطار تنشيط القطاع المدنى. قمع العمل الأهلى/U/ ويواصل د. إكرام بدر الدين حديثه أن هناك عدة قوانين صدرت لتنظيم العمل الأهلى، فهناك القانون رقم 32 لسنة 1964، والقانون 153 لسنة 1999، والقانون 84 لسنة 2002. ويرى بعض المفكرين والمهتمين بالشأن المدنى أن هذه القوانين تهدف إلى إحكام سيطرة الدولة على انشطة العمل المدنى والأهلى.. وقمع إدارة الجمعيات العمومية لهذه الجمعيات.. وفرض عقوبات سالبة للحريات على نشاط العمل الأهلى، والذى يفترض أنه عمل تطوعى! ويطالب بدر الدين منظمات المجتمع المدنى بالعمل للصالح والنفع العام.. ودعم وترشيح الديمقراطية.. ويطالبها بالشفافية خاصة فى مجال التمويل .. بحيث لا تحصل على أى موارد أو تمويل بطرق غير مشروعة.. وألا تستخدم هذه الأموال لتحقيق أهداف تتعارض مع الصالح العام للمجتمع مثل دعم تيارات سياسية معينة.. أو دعم بعض المرشحين.. وأن توجه هذه الأموال للهدف الذى خصصت له فى مجال العمل الاجتماعى والتنموى. أما عاطف لبيب النجمى رئيس جمعية الدفاع العربى فيطرح قضية هامة تتعلق بالتمويل الأجنبى.. وهو الوقوف أمام النصوص القانونية وورود هذه الاموال من الخارج للمنظمات الأهلية لأن الأموال التى تبتغى دعم منظمة ما من أجل مشروع مناهضة لامن واستقرار مصر.. لا يمكن ضبطها. ويرى النجمى ضرورة ألا تكون الرقابة على الأموال الواردة فقط، وإنما على المشروعات المقامة أيضا.. فليس هناك سر أو حاجب فى بيان أسعار الفنادق التى تقام فيها المؤتمرات.. وعلى الجمعية التى تنظم مؤتمرا فى فندق 5 نجوم أن تقدم بيانا ومستندا بمصدر تمويل هذه الفاتورة.. وإذا قيل أنه تبرع محلى فيجب تسجيل اسم المتبرع. ثانيا - علينا ألا نهتم فى القانون الجديد بقضية التمويل الخارجى فقط، إنما يجب أن نهتم بقضية التمويل الداخلى، فهناك بعض المنظمات والجمعيات والكيانات السياسية والاجتماعية قامت فى الفترة الأخيرة بشراء مقار لها كافرع فى المحافظات، وهذه المقرات تقدر بملايين الجنيهات، ولا نعلم مصدر هذه الأموال. كما أن هناك جمعيات تعمل تحت ستار دينى فى المساجد والكنائس، وتقوم بجمع أموال تستخدم بشكل أكثر خطورة على المجتمع من تلك التى تمول من الخارج. تعديل القانون/U/ ويقترح النجمى أن يتضمن التعديل فى القانون الجديد حظر إنشاء جمعيات أهلية ذات صفة دينية، أو تحمل اسم دين من الاديان السماوية، وأن يقتصر نشاط المسجد أو الكنيسة على الصلاة فقط، وأن يكون إنشاء الجمعيات جغرافيا أو فئويا، وليس دينيا بمعنى ألا تكون هناك جمعية شبان مسلمين، وأخرى لشبان مسيحيين.. وأن تفتح العضوية فى كل الجمعيات لأصحاب كل الديانات، وذلك يتفق مع الدستور، حيث يخطر الدستور قيام أحزاب دينية.. والحكمة التى ابتغاها الدستور من حظر إنشاء أحزاب دينية تحتم بالضرورة أن يمتد ذلك إلى الجمعيات الاهلية، لأنها أكثر تأثيرا فى المجتمع، وأكثر خطورة من الأحزاب، ومن المهم أن يكون تبعية الجمعيات الأهلية وفقا لصيغة النشاط.. فالجمعيات التى تعمل فى مجال الثقافة تتبع وزارة الثقافة.. والجمعيات التى تعمل فى مجال حقوق الانسان أو المجال السياسى الداخلى أو الخارجى تتبع وزارة الخارجية.. بحيث يصبح هناك لغة تفاهم بين المنظمة الاهلية وطبيعة عملها والجهة المشرفة عليها.. فلا يجوز لموظف فى وزارة التضامن الاجتماعى أن يكون رقيبا على اعمال جمعية تعمل فى مجالات تحتاج إلى نخبة مثقفة تتفهم طبيعة عملها.. ويجب أن يكون الفصل فى حالة وجود خلاف بين أعضاء الجمعية العمومية من شأن مجلس الدولة، وذلك وفقا للائحة التى تضعها الجمعية عند التأسيس، ويجب أن يكون هناك تفتيش مالى وإدارى على الجمعيات من قبل الجهات الإدارية، حيث إن العمل التى تقوم به الجمعيات هو عمل تطوعى ولم تحصل الجمعيات على أية أموال من أى جهة. أما فى حالة حصولها على دعم حكومى.. فيجب الإشراف والمتابعة لبيان أوجه صرف الأموال الحكومية التى حصلت عليها الجمعية. إعادة نظر/U/ د. أيمن عبد الوهاب رئيس وحدة دراسات المجتمع المدنى بمركز الأهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية يختلف مع الطرح السابق بأن القانون 84 لعام 2002 لم يسهل الحصول على التمويل الأجنبى.. لأن أى تمويل أجنبى لابد أن يحصل على موافقة رسمية من وزارة التضامن الاجتماعى، لكن التحايل كان يأتى مما يسمى بقانون تأسيس الشركات غير الهادفة للربح أو الهادفة للربح.. مثل جمعية «ابن خلدون»، وهذه الشركات تأخذ تمويلا أجنبيا وتسدد ضرائب.. وتكون خاضعة لقانون الشركات.. وكان ذلك مخرجًا أو منفذًا لجأ إليه العديد من النشطاء الحقوقيين للخروج من عباءة قانون الجمعيات الأهلية.. وهذا الإجراء هو الذى أحدث الخلل.. وقد لجأت إليه العديد من المنظمات الحقوقية. والمشكلة فى صلبها ترتبط بفكرة الشفافية والمحاسبية لدى الجمعيات الأهلية.. وإذا أُريد إصلاح هذا الخلل فيكون للجمعية العمومية الكلمة العليا والآداة الفعالة لحسن سير وتنفيذ الأنشطة طبقًا لرسالة الجمعية.. ورؤيتها لدورها فى المجتمع. ويضيف د. أيمن عبد الوهاب أن القانون 84 لعام 2002 أعطى بعض المزايا للعمل الأهلى بالمقارنة بالقانون 32 لعام 1964، لكن السياق الثقافى والاجتماعى بعد ثورة 25 يناير يتطلب وضع قانون جديد يساعد على إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية.. وتحديد دورها فى المشاركة المجتمعية إلى الحد الذى يساهم فى جعلها شريك مع القطاعين الخاص والحكومى فى التنمية.. ولابد أن يتضمن القانون الجديد التأكيد على مجموعة من القيم التى ترتبط بالعمل.. مثل دعم ثقافة التطوع.. ودعم القيم المؤسسية التى ترتبط بتداول السلطة. حل الجمعيات/U/ ويقول صابر عمار الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب إن منظمات المجتمع المدنى كانت قد اتفقت فى حوارها قبل وبعد الثورة على ضرورة نشأة الأحزاب والجمعيات الأهلية بمجرد الإخطار على أن يكون الاعتراض على إنشاء أى جمعية أمام القضاء ليفصل فيه.. ولا يتم حل جمعية إلا بحكم قضائى. وحقيقة الأمر أن الدور الإدارى والرقابى الذى تقوم به وزارة التضامن الاجتماعى حيال منظمات العمل المدنى غير مفهوم، أما النقطة الأخرى وهى الأخطر.. والمتعلقة بالتمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية.. والذى يجب أن توضع له شروط وضوابط وقيود تخضع جميعها فى شئون التمويل والإنفاق والصرف لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات.. ويجب على كافة المنظمات ألا تعترض على هذا المبدأ وتلك القيود، لأن ذلك ضمان لاستمرار عمل الجمعية فى شفافية ونزاهة، بعيدًا عن التربح الشخصى، وضمان أيضًا لسلامة المجتمع واستقراره. ويطالب صابر عمار كافة منظمات المجتمع المدنى بنشر ميزانياتها وأعمالها ونشاطها عبر أجهزة الإعلام «المقروءة والمرئية والمسموعة»، وذلك لمعرفة حجم التمويل الخارجى، والغرض منه.. حتى يتم تنقية هذا النشاط من الاتهامات التى توجه إليه، ويؤكد صابر عمار أنه فى الفترة الأخيرة استفاد البعض من التمويل الأجنبى وحقق مكاسب شخصية.. ونفذ أجندات أجنبية.. واستغلوا الضبابية وعدم الشفافية التى كانت تسود النظام السابق.. فى ظل عدم وجود أجهزة رقابية تعمل بالمعايير المحاسبية الشفافية.. ولم يتم إعلان نتائج هذا النشاط المشبوه للمجتمع كله. ولهذا يطالب صابر عمار أن تعامل الأموال الخارجية الواردة إلى منظمات العمل المدنى معاملة الأموال العامة من حيث التصرف.. وكافة الضوابط التى تخضع لها الأموال العامة.