6 شاشات موزعة بالجانب الأيسر من الغرفة، عدد من أجهزة الكمبيوتر والهواتف و3 شاشات أخرى فى الحائط المقابل، ذلك ما يراه المرء عند دخوله للغرفة الزجاجية الأشهر والأهم بمركز المعلومات الدولى بمقر الأممالمتحدة بفيينا. فهذه الشاشات هى العين الناقلة لكل ما يحدث على كوكب الأرض من هزات أرضية، انبعاثات إشعاعية، أعاصير، براكين، سقوط لطائرات أو غرق لشاحنات سفن. أى ظاهرة طبيعية أو حادثة كبرى تظهر على تلك الشاشات دقائق فور حدوثها. أكثر من 330 ألف حادثة رصدتها تلك الشاشات منذ عام عام 2000 إلى يومنا هذا. فتلك الشاشات تنقل ماترصده أكثر من 320 محطة موزعة بمختلف أرجاء الأرض للعديد من الظواهر من هزات أرضية واضطرابات فى البحار والمحيطات وتغيرات كبرى فى الذبذبات الصوتية بالغلاف الجوى ثم أخيرا محطات لرصد أى انبعاثات إشعاعية تالية لانفجار نووى. كل هذه المحطات وأجهزة الرصد الهدف منها هو سرعة التنبيه فى حالة قيام أى دولة بإجراء تجربة نووية فى أى مكان على الأرض بما فى ذلك قاع البحار. تلك هى إحدى التكنولوجيات التى تستخدمها الاتفاقية الإطارية لحظر التجارب النووية التابعة للأمم المتحدة والتى تم إطلاقها منذ 20 عاما أملا فى أن تتحول الاتفاقية إلى منظمة دولية لها كافة صلاحيات الرقابة والتفتيش الخاصة بالتجارب النووية. وعلى مدار تلك السنوات، رصدت المحطات العديد من الأحداث الهامة مثل التجارب النووية الأربع التى قامت بها كوريا الشمالية، كما تم الاستفادة بالمعلومات التى ترصدها المحطات فى أمور أخرى مثل الإنذار المبكر لموجات التسونامى ورصد ظواهر التغير المناخى بالقطب الشمالى وحتى حوادث سقوط الطائرات فى البحار. كل هذه البيانات عن الظواهر الطبيعية والحوادث والتى تقدر بنحو 10 جيجابايت يوميا من المعلومات يتم رصدها وقراءتها وحفظها بمستودع لحفظ ألف تيرابيت من المعلومات بالأممالمتحدة بفيينا كى تستفيد منها الدول والمراكز البحثية.وقد بدا المشهد بالغ الحيوية خلال فعاليات ورشة العمل عن العلم والدبلوماسية لتعزيز السلام والأمن والتى أقامتها الاتفاقية الإطارية لحظر التجارب النووية بفيينا.حيث شارك العديد من العلماء والسياسيين من مختلف دول العالم لتبادل الخبرات حول تقنيات رصد التجارب النووية والتفتيش الموقعى والتقنيات المستقبلية لتعزيز آليات الرصد مثل الأقمار الصناعية وكذلك الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعى فى تعزيز المشاركة المجتمعية فى عمليات الرصد. وخلال كلمته أشار د.لاسينا زيربو المدير التنفيذى لاتفاقية حظر التجارب النووية لأهمية الاستفادة من الاتفاق النووى الإيرانى والتجربة النووية الأخيرة لكوريا الشمالية لتأكيد فاعلية منظومة رصد التجارب النووية وتعزيز التعاون الدولى وبناء الثقة للحد من التجارب النووية. ورغم صدق النوايا وإعلانها عن عقد مؤتمر دولى منتصف هذا العام لحث الدول على التصديق على الاتفاقية ودخولها حيز النفاذ إلا أن نقاشات لورشة العمل صعوبة تحقيق هذا الأمر على المدى القريب خاصة فى ظل عدم تصديق دول كبرى على الاتفاقية مثل الولاياتالمتحدة الداعية لإنشائها والتى أجرت على مدار تاريخها أكثر من ألف تجربة نووية أى نصف عدد التجارب النووية التى أجريت بالعالم، كما لم تصدق أيضا على الاتفاقية دول أخرى مثل الصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإيران وإسرائيل. وبالنسبة لمصر فعلى الرغم من وجودنا ضمن مجموعة الدول الثمانى السابق ذكرها والتى يجب تصديقها على الاتفاقية لدخولها حيز النفاذ فإن الدولة المصرية ترى أنه من غير المجدى الفصل مابين اتفاقية حظر التجارب النووية واتفاقية حظر التسلح النووى والمصدقة عليها حيث تعد الأخيرة التزام أشمل وأعم من الدولة المصرية إزاء ملف الأمن النووى وخلو منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. قمة الأمن النووى بواشنطن من المؤكد أن الأمن النووى هو الهاجس الأكبر لدول العالم المتقدم خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر، وإذا كانت منظومة الأممالمتحدة عبر الاتفاقية الإطارية لحظر التجارب النووية أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية لها آليات للمراقبة والتفتيش على الدول لحظر أى نشاط نووى غير سلمى إلا أن الأمر يبدو أكثر صعوبة فى حالة امتلاك الجماعات الإرهابية للعناصر النووية أو الإشعاعية. لذلك من المقرر مع نهاية شهر مارس الحالى أن تستضيف واشنطن القمة الدولية الرابعة والأخيرة للأمن النووى سعيا لتفعيل آليات رقابية على عمليات تداول العناصر الإشعاعية وبحث سبل زيادة عوامل التأمين للمنشآت والمحطات التى تستخدم تلك العناصر ومخازن النفايات النووية من أى هجمات محتملة من الجماعات الإرهابية. فصل المواد المشعة آليا بميناء روتردام بهولندا وكما أوضحت خبيرة الأمن النووى أنيتا نيلسون للصحفيين الدوليين خلال ورشة عمل بروتردام بهولندا فإن 85% من العناصر النووية فى يد الدول الخمس النووية الكبرى إلا أن ذلك الأمر لاينفى احتمالية وصول الجماعات الإرهابية لعناصر إشعاعية أخرى متداولة فى العديد من المؤسسات مثل مراكز العلاج الإشعاعى والمفاعلات البحثية والمفاعلات النووية لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه، إضافة إلى مخازن المخلفات النووية حيث من الممكن حال امتلاكها لهذه العناصر أن تصنع قنابل إشعاعية أو dirty bombs وهى عبارة عن قنبلة عادية محاطة بعناصر مشعة تنتشرعلى نطاق واسع حال وقوع الانفجار ولها أضرار صحية وبيئية، وإن كانت بالطبع أقل بكثير من القنابل النووية. وكما أوضح باحث الأمن النووى بريخت فولدر بجامعة انتويرب ببلجيكا فإن هناك العديد من الدراسات التى أشارت إلى احتمالية امتلاك داعش للمواد الإشعاعية خاصة بعد احتلالها للموصل وسيطرتها على المراكز البحثية والطبية هناك. الملفت فى الأمر أنه على مدار قمم الأمن النووى السابقة لم تتفق الدول النووية على آليات تعزيز الرقابة والتداول على العناصر الإشعاعية المستخدمة للأغراض السلمية، كما أعلنت روسيا عدم مشاركتها فى فعاليات قمة واشنطن المقبلة بدعوى أن نتائج القمم السابقة كافية. وبعيدا عن السياسة فإن القارة الأوروبية تفعل عددا من الآليات لمراقبة تداول العناصر الإشعاعية وخير مثال على ذلك ميناء روتردام بهولندا كونه لميناء الأهم والأكبر بالقارة الأوروبية وضمن أهم 10 موانئ على مستوى العالم.فنظرا للعدد الهائل من الحاويات والخدمات اللوجستية التى تتم فقد تطلب ذلك تطوير آليات الرقابة والرصد لأى بضائع تحوى مواد نووية أو إشعاعية، ولذلك تم تزويد جميع المداخل ببوابات الكترونية لرصد أى إشعاعات تبثها الحاويات أو سيارات نقل البضائع. وكما يوضح رينيه دى جويد مسؤول الرقابة الإشعاعية بالميناء فإن هناك عدة مراحل تعتمدها سلطات الميناء مثل الرقابة التليفزيونية لكافة الحاويات الداخلة والخارجة للميناء وبوابات خاصة والتى بمجرد رصدها لأى إشعاعات نووية يتم توجيه الشاحانات للفحص باستخدام أشعة أكس وذلك للتعرف على نوعية المحتوى بداخلها وطريقة توزيعه ثم يتم أخذ عينات من البضائع المشعة لإجراء الفحوص والتحليلات اللازمة. وسعيا لزيادة عوامل الرصد فإنه عند استيراد شحنات الحديد الخردة من دول جنوب شرق آسيا، فإنه يتم نقلها بالميناء باستخدام آلات خاصة مزودة بأجهزة استشعار للمواد المشعة مما يسهل من الفصل آليا لأى أجسام مشتبه بها دون تعطيل عمليات النقل. ومن الحالات التى تم رصدها بعض الشحنات الزراعية المشعة بنسب ضئيلة نسبيا والقادمة من الولاياتالمتحدة وبمراجعة الأوراق تبين أنه تم زراعتها بأراضى أجريت بها تجارب نووية فى السابق إلا أن نسب الإشعاع كانت متدنية وتم السماح باستقبال الشحنات. ويضيف أنه عند التشكك من الجرعات الإشعاعية الزائدة للشحنات يتم أخذ عينات منها وإرسالها للتحليل معهد سلامة الصحة العامة والبيئة الهولندية حيث أظهرت بعض التجارب السابقة أنه بسبب بعض العيوب الفنية فى مراحل التصنيع وغياب آليات المراجعة تم اكتشاف عينات لأحذية ودراجات قادمة من جنوب شرق آسيا ضمن مكوناتها عناصر مشعة تم إضافتها بطريقة الخطأ. إضافة لذلك، فإنه يتم التنسيق مع معهد متخصص تابع للاتحاد الأوروبىللتقصى العلمى لمصادر العناصر الإشعاعية المكتشفةوهو ما تم بالفعل خلال عمليات ضبط بعض المعادن بالميناء. وتقول كارولين ماكنزى الباحثة فى مجال السلامة الإشعاعية بجامعة كاليفورنيا بالولاياتالمتحدة أنه بشكل عام فإن الإنسان يتعرض يوميا لجرعات متفاوتة وضئيلة من الإشعاع سواء من التربة أو البيئة المحيطة بنا كما أن هناك العديد من الصناعات المحيطة بنا التى تبث جرعات ضئيلة ومقبولة من الإشعاع مثل منتجات الفخار والصناعات الكيميائية والطلاء. كما أن الكثير من الأجهزة الطبية اليوم تستخدم اليوم عناصر مشعة لعلاج الأورام أو تشخيص الإصابات أو حتى لتعقيم الأدوات الطبية، ولذلك من المهم أن تعي المجتمعات أن الاستخدامات للعناصر الإشعاعية هو أمر يومى وروتينى وتقنين آليات الاستخدام وتعزيز عوامل الأمن والأمان النووى هو أمر بالغ الأهمية. وبصورة عامة، ومع اهتمام دول الشرق الأوسط والعالم النامى بإقامة محطات طاقة نووية لإنتاج الكهرباء مثل مصر والإمارات وتركيا وفى ظل انتشار الجماعات الإرهابية بالعديد من دول المنطقة فإن تعزيز سياسات وتكنولوجيات الأمن النووى هى مطلب ملح وضرورى للحد من أى احتمالات لسرقة العناصر الإشعاعية، وهو ما يمكن تحقيقه بتطوير آليات الرقابة والنظم التكنولوجية للرصد وضمان تحقيق الاستخدامات السلمية المنشودة من الطاقة النووية.