طفل بسيط يقف والسعادة ترتسم على وجهه معلنا للحاضرين بفرح شديد أنه حصل منذ خمسة أيام على شهادة محو الأمية، وينوى استكمال تعليمه حتى يتخرج فى كلية الحقوق ويعمل محاميا. مصدر الفرح والسعادة هنا أن الطفل نزيل بإحدى دور التربية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى، وهو ممن يطلق عليهم أطفال الشوارع، وكان منتهى أمله أن يجد فقط قوت يومه، لكن مشروع «أنا اخترت الأمل» الذى يقوم بتنفيذه المجلس العربي للطفولة والتنمية نجح فى تحويله إلى شخص آخر . والحاضرون هم مجلس أمناء المجلس العربى فى دورته الثانية عشرة التى عقدت بالقاهرة أمس الأول برئاسة الأمير طلال بن عبد العزيز، وعدد من الصحفيين والإعلاميين، ورغم أهمية الموضوعات الكثيرة التى نوقشت إلا أن هذا الموضوع لفت انتباه الكثيرين لأنه يمس مباشرة قضية أطفال الشوارع التى يعاني منها عديد من الدول العربية. فهذا الطفل ونماذج غيره كثيرة شاهدناها، هو نتاج بروتوكول تعاون مشترك وقعه الأمير طلال بن عبد العزيز مع الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي بشأن تنفيذ مشروع «تأهيل ودمج أطفال الشوارع من خلال تربية الأمل» في مصر، ويتولى المجلس العربى للطفولة والتنمية تنفيذه تحت شعار «أنا اخترت الأمل»؛ بهدف تقديم نموذج جديد فى تعزيز احترام الطفل وإيقاظ الذات، بحيث يكون هذا المشروع نموذجاً قابلاً للتعميم فى الدول العربية، وذلك بدعم من برنامج الخليج العربى للتنمية «أجفند»، وبالشراكة مع وزارتى التضامن والتربية والتعليم وعدد آخر من الشركاء، ويقوم على تأهيل ودمج ألف من أطفال الشوارع على مدى ثلاث سنوات داخل إحدى المؤسسات التابعة لوزارة التضامن . يدرك المجلس جيداً أن مسمى اأطفال الشوارعب هو المصطلح الصحيح الذي يشير إلى المفهوم بوضوح، إلا أن المجلس «وفق رؤيته» فى التعامل المباشر مع هؤلاء الأطفال، رأى استخدام مصطلح «أطفال الأمل» كدلالة ورمز للالتزام بالعمل على مواجهة هذه الظاهرة، والأمل في علاجها جذرياً. وبمبادرة رائدة من الأمير طلال بن عبد العزيز، كان المجلس من أولى المؤسسات العربية التي أولت اهتماما بهذه القضية منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضى، واعتمد فى ذلك على أكثر من توجه استراتيجى، استهدف تمكين أطفال الشوارع وحمايتهم، وتغيير النظرة السلبية حيالهم وفق أسس التشبيك والتنسيق والشراكة. وأجرى المجلس العربي في سبيل ذلك عديدا من الدراسات والأبحاث وعقد الملتقيات والمؤتمرات والورش، وأعد حزمة من الأدلة التدريبية، إلى جانب تنفيذ مشروع حماية أطفال الشوارع في خمس دول عربية: مصر - المغرب - السودان - اليمن - لبنان. ويعتمد المشروع على رؤية مفادها تأهيل ودمج أطفال الشوارع في حياة إنسانية كريمة في مسارات صحيحة تعليمياً ومهنياً وفنياً ورياضياً، عبر تطبيق حزمة من البرامج التي تعتمد على كسب الثقة وتربية الأمل واكتشاف الذات وتنمية مهارات الحياة المؤهلة للدمج الاجتماعى، وذلك كحق من حقوق الأطفال التي كفلتها المواثيق والاتفاقيات الدولية والعربية والدستور المصري، وهو مقوم أساسى في عملية التنشئة الشاملة المرتكزة على العدل الاجتماعى وبناء رأس المال البشرى الفاعل والمستنير. ويتم تنفيذ المشروع عبر خمس مراحل رئيسية هي مرحلة التهيئة واكتشاف الذات للأطفال باستخدام الفنون المختلفة (الموسيقى والمسرح والرسم والتصوير)، ومرحلة تمكين الأطفال من مهارات الحياة ومحو الأمية والتعليم ثم مرحلة الدمج فى مسارات محددة تعليميا أو مهنيا أو فنيا وأخيرا الدمج المجتمعى. والحقيقة أنه يحسب للأمير طلال بن عبد العزيز اهتمامه منذ سنوات بقضايا الطفولة العربية، وقوله الدائم: إن السبيل لمجابهة تحديات العصر وتخطى أمواجه العاتية سالمين، هو الاهتمام بتنشئة الأطفال ورعايتهم ثقافياً، واجتماعياً، وصحياً، وبذلك نضمن خلق أجيال قادرة على هضم المعطيات التكنولوجية المتقدمة والسيطرة عليها دون الاكتفاء باستيراد الجاهز منها، وأن نحافظ فى الوقت ذاته على تراثنا وقيمنا وأصالتنا العربية والإسلامية. أما الشخص الذى لقى إشادة كبيرة فى هذا المجال من جميع أعضاء مجلس الأمناء وعلى رأسهم الأمير طلال بن عبد العزيز نفسه، فهو الدكتور حسن البيلاوى الأمين العام للمجلس العربي للطفولة والتنمية الذى عمل بصمت ودأب شديد ليظهر هذا المشروع وغيره إلى النور، وكانت مفاجأته التالية خطة المجلس للعام الحالى، والتي تعتمد على بناء نموذج لتنشئة الطفل العربى للمستقبل يمكنه من المشاركة والمساهمة بفاعلية واقتدار في بناء وطنه وتنميته، والدخول إلى مجتمع المعرفة بخصائص معرفية ومهارية وسلوكية وقيمية، وقدرة على المشاركة والتفكير العلمي والإبداع والتجديد. ويتضمن برنامج عمل متكامل يشمل عدة مكونات رئيسية هى تربية الأمل لأطفال الشوارع، ومرصد إعلامى لحقوق الطفل فى البلدان العربية، وبناء نموذج جديد للتربية، وآخر لدمج الأطفال ذوى الإعاقات فى التعليم والمجتمع، والمجتمع المدنى العربى للطفولة، وتنمية المعرفة بسياسات التنشئة لدعم النموذج الجديد، وتنمية الطفولة المبكرة. وإذا كانت الخلافات السياسية قد أثرت على العمل العربى المشترك، فإن المجلس العربى للطفولة والتنمية نجح فى أن يقدم نموذجا متفردا فى هذا المجال، يثبت أن العرب قادرون عندما تتوافر الإرادة والكفاءة والإمكانات. لمزيد من مقالات فتحي محمود