كنت أجلس فى صالة تحرير الأهرام اليومى ذات نهار من ربيع عام 1990 كمتدرب يتنقل بين أقسام واحدة من أقدم صحف العالم التى مازالت تصدر حتى الآن وستكمل عامها الأربعين بعد المائة فى الخامس من أغسطس المقبل؛ حينئذ اقترب الأستاذ سمير صبحى نائب رئيس تحرير الأهرام اليومى وطلب منى الاجتماع به فى مكتبه ليخبرنى بأن مؤسسة الأهرام بصدد إصدار جريدة أسبوعية باللغة الإنجليزية وبأن الاختيار وقع على ضمن مجموعة من الشباب لنكون الجيل الذى يشارك فى التأسيس ويحمل راية الجريدة لسنوات قادمة. صدر العدد الأول يوم الخميس 28 فبراير 1991 ومرت سنوات طويلة حتى يومنا هذا لنسجل ربع قرن من الزمان، ففى تاريخ الأمم والصحافة هناك جرائد يكون قدرها أن تلعب هذا الدور ولا يمر عليها الزمان مرور الكرام. المشهد المصرى والإقليمى والدولى يوم 28 فبراير 1991 كان غامضا ملبدا بالغيوم وحالة عدم اليقين بسبب ما يدور فى الخليج العربى تسيطر على الجميع حيث عملية عاصفة الصحراء وقد صادف ذلك اليوم إعلان العراق قبول كل قرارات الأممالمتحدة المتعلقة بغزوه للكويت؛ وكان الجيش العراقى قام فى الثانى من أغسطس 1990 بغزو الكويت وتشكل تحالف دولى من 34 دولة بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية شاركت فيه عدد من الدول العربية. وكانت تلك اللحظات العصيبة بداية النهاية لنظام عربى هش بالأساس وزادت حدة الانقسامات والتآكل فى البنيان العربى وبدأ سقوط الفاعلين فيه الواحد تلو الآخر. فقد شهدت عاصفة الصحراء انهيار الجيش العراقى وخروجه مهزوما من الكويت وتم تدمير كل البنية التحتية للجيش العراقى وحرسه الجمهورى الذى كان يعد من أقوى جيوش المنطقة والعالم وخضعت العراق لحصار دام 13 عاما؛ كما شهدت تلك الأيام خروج أول صواريخ عربية عراقية من طراز سكود باتجاه تل أبيب والرياض ولكنها لم تكن مؤثرة بالمعنى العسكرى والإستراتيجي، إلا أن أبرز نتيجتين للحرب من وجهة نظرى إضافة لانهيار الجيش العراقى وحصاره، هما: أولا: الوجود الدائم لقوات أجنبية فى منطقة الخليج العربى وتركز وجودها فى الكويت والسعودية وقطر والبحرين. ثانيا: مؤتمر مدريد الذى عقد فى الثلث الأخير من العام؛ وهو مؤتمر للسلام عقد فى 30 أكتوبر 1991، وشمل مفاوضات سلام ثنائية بين إسرائيل وكل من: سوريا، ولبنان، والأردن، والفلسطينيين، وأخرى متعددة الأطراف تبحث الموضوعات التى يتطلب حلها تعاون كل الأطراف. يذكر تاريخ الصحافة أن الصحف التى تترك أثرا وتلعب دورا فى تاريخ المهنة وتاريخ الأمم تنشأ لتلبية حاجة لدى القارئ والمواطن والوطن ولعل ما سردناه من ملامح للمشهد السياسى كان مقدمة للشعور بالحاجة إلى جريدة وصحافة جديدة؛ ففى ذلك التوقيت أدركت مؤسسة الأهرام وعدد غير قليل من النخبة السياسية والثقافية فى مصر بأننا فى حاجة لجريدة جادة باللغة الإنجليزية تتوافر لها كل الإمكانات المهنية والمادية كى تخاطب الغرب وقراء الإنجليزية فى كل العالم تضع الرواية المصرية بين الروايات التى تنشر وتبث عن أوضاعنا الداخلية والأحداث الإقليمية بوجهة نظر مصرية موضوعية وبلغة راقية لا تقل عن مستوى الصحافة الإنجليزية والأمريكية، حيث تركت الساحة المصرية خالية أمام مراسلى وكالات الأنباء والفضائيات الغربية والدولية تنقل عن مصر والإقليم روايات فى معظمها تفتقد الدقة والمعلومة والتحليل والموضوعية. كان القرار بأن يصدر الأهرام ويكلي، وعهد إلى الراحل العظيم الأستاذ حسنى جندي، رئيس التحرير المؤسس بتشكيل فريق العمل ووضع السياسة التحريرية وأسلوب العمل بالتعاون مع فريق عمل ضم الأساتذة: سمير صبحى ومحمود مراد ومحمد سلماوى ومرسى سعد الدين وحسن فؤاد وبهجت بديع ومنى أنيس وجيل كامل وصوفى ثروت وفايزة حسن ووديع كيرولس وممدوح الجوهرى ولاحقا انضم هانى شكرالله ثم ممدوح الدخاخنى وموريس جندى وفريق عمل من الشباب حديثى التخرج وزملاء وزميلات الأجانب من جنسيات مختلفة. انضم لكتاب الرأى الأساتذة: محمد حسنين هيكل ونجيب محفوظ ومحمد سيد أحمد وادوارد سعيد وإقبال أحمد وسلامة أحمد سلامة وكلوفيس مقصود ومحمد السيد سعيد وعبد الوهاب المسيرى وأنور عبد الملك ونايف حواتمة وعزمى بشارة وحميد دباشى وجوزيف مسعد. منذ اليوم الأول للأعداد التجريبية كان القرار بأن الجريدة ستعمل وفق صيغة عمل قومية تعبر عن الدولة المصرية وليس النظام السياسى القائم وتعبر عن كل أطياف الفكر السياسى والثقافى والاجتماعى وكل مؤسسات الدولة والأحزاب والقوى السياسية والجمعيات والمنظمات الأهلية بدون تمييز وبأن دور الجريدة سيقتصر على نقل الواقع بكل موضوعية وبأن ليس دور الويكلى تجميل الصورة أو نشر أكاذيب تخالف الواقع حفاظا على مصداقية الجريدة الوليدة والتأكيد فى كل عدد أن انحيازها ثابت ودائم لقيم ومبادئ تجسد أغلبها فى خصال رئيس التحرير المؤسس وتوارثناها جيلا بعد جيل. التزمنا بهذا فى سياستنا التحريرية وأصبح للويكلى شخصية مميزة بين الصحف المصرية حتى تلك التى تصدر بالعربية شكلا وموضوعا والدليل أن الويكلى هى الجريدة الوحيدة التى لم تغير سياستها التحريرية ولم تعتذر ولم تتراجع عن شيء بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو لأنها لم تكن أبدا محسوبة على أحد. خاضت الأهرام ويكلى خلال مسيرتها معارك صحفية بصورة مباشرة وغير مباشرة فى سبيل الحفاظ على تلك الاستقلالية التى لا تمنح ولكن تنتزع بمهنية وموضوعية تكسبك مساحات غير مسبوقة فى الصحافة المصرية ساهمت فى بناء مصداقية الجريدة التى تخدم المصالح المصرية والعربية ونظرة على الدراسات ومراكز الأبحاث الغربية والدولية التى تهتم بالشرق الأوسط فقلما تجد دراسة أو بحثا منشورا لا يعتمد على مواد منشورة فى الأهرام ويكلى وكذلك النجوم من محرريها وكتابها ومراسليها المنتشرين على كل المواقع بمجرد البحث بأسمائهم على تلك المواقع. ارتبطت رحلة الويكلى ومسيرته بتداعيات هذا المشهد العبثى الذى سردناه لبداية انهيار النظام العربى 1991 وسقوط فاعليه واحدا تلو الأخر وتأكل كل الشرعيات الدستورية لعدد كبير من الحكام بسبب المشكلات التى تراكمت والفساد الذى استشرى وغياب العدل والقانون وانكسار الأمل فكان الغضب وقودا لاحتجاجات وإضرابات وثورات فى تطور درامى متلاحق واستقطاب وانقسام وانهيار كامل أدى بنا إلى ملامح المشهد الإقليمى الحالى حيث تقف مصر صامدة بين أطلال دول وممالك تهاوت ومثلها فى الطريق إلى ذات الهاوية وكأنه مصير محتوم لا فرار منه. هكذا يكون الوقوف أمام مشهد 28 فبراير 2016 وبعد ربع قرن ضروريا للبحث عن مخرج للأزمة وكذلك مراجعة لدور وأهداف جريدة ولدت واستمرت بداخلها تؤثر وتتأثر وتسجل وتدون وتحدث تراكما باللغة الإنجليزية عن مصر والمنطقة والعالم. رئيس تحرير الأهرام ويكلى لمزيد من مقالات جلال نصار