بين قرنين, ولدت الأهرام ويكلي قبل1000 أسبوع وأسبوع ليصبح قدرها أن تدشن تجربة مختلفة في شارع الصحافة المصرية.. وبما بدا معه أنها تعرف طريقها من أول خطوة, قبل حتي أن تجيد المشي. والذين لايزالون يتذكرون الملابسات التي صدر فيها العدد الأول للويكلي في اليوم الأخير من فبراير1991, وتابعوا مشوارها بعد ذلك, ربما يشهدون لها الآن بأنها ولسبعة آلاف يوم تالية, حاولت بقدر ما هو ممكن عمليا ومهنيا وانسانيا أن تتمسك بصيغة احترافية شديدة المصرية جمعت بين التوازن والليبرالية وسبقت بها الجميع بأعوام لتمد جسرا إلي الآخر_ قاريء الانجليزية في مصر وأي مكان_ في سعي لم يتوقف للفهم و للتحاور والالتقاء علي أرض مشتركة. وسواء كان التوقيت الذي حدده الزميل الكبير ابراهيم نافع لبدء صدور الويكلي محض مصادفة أو اختيارا أملته ظروف انتهاء حرب الخليج الأولي, فإنه كان أيضا ابحارا في مياه بلا خرائط وتحديا صعبا لكل من اختار أن ينضم إلي طاقم السفينة وبالذات في تلك المرحلة الفارقة في انتظار قرن قادم مجهول وفي وداع قرن مثخن بالجراح, كان قد بدأ يشهد نهايات عالم قديم صاخب ومتوحش وزمن عبقري تقاطعت فيه أعاجيب العلم وحسابات السياسة ومفاجآت الاقتصاد مع قعقعة السلاح وصيحات المنتصرين وأنات الخاسرين. بعدها استمرت الرحلة بنفس الايقاع العاقل والنفس الطويل وابتسامة الصبر التي كانت أهم ما يميز حسني جندي رئيس التحرير المؤسس الراحل في وقفته خلف الدفة قرابة12 سنة. وبفضل حوار ممتد مع ملاحي السفينة: هاني شكر الله الذي تولي المسئولية من بعده باقتدار ومعه مني أنيس و غيرهما من العشرات الذين اقتربوا منه, وتراكم خبرة حراس المهنة القدامي: سلامة أحمد سلامة, سمير صبحي, حسن فؤاد, محمد سلماوي, محمود مراد, تيمور عبد الحسيب وآخرين كثيرين مدوا أيديهم بالمساعدة, ظل الويكلي مع حسني جندي و بعده يواصل مسيرة طويلة كان هدفه أن يقدم فيها ما وصفه الكثيرون بأنه صحافة مختلفة لزمن مختلف.. مسيرة أخذته من عصر ارسال التقارير بالفاكس أو املائها بالتليفون الأرضي والبحث عن المعلومات في ملفات أرشيف ورقية, وكتابة القصص الإخبارية علي أزرار كمبيوتر بدائي.. لتنقله مع كل الشباب من محرريه الذين كبروا تحت سقفه, عبر19 عاما إلي زمن الفضائيات و جوجل والمحمول ذي الكاميرا والبريد الالكتروني. وبالتوازي كانت هناك تغيرات بلا حصر في القضايا والاهتمامات وتكنولوجيا الطباعة وسوق القراءة ومزاج القراء وطبائع المجتمع و أحوال المنطقة والعالم التي كان يتعين علي أي صحيفة في مكان الويكلي أن تظل تلاحقها بلا توقف. هذه التحولات هي التي تجعل كل شيء الآن في هذه المهنة مختلفا إلي حد يبدو معه أن ذلك العالم القديم الذي صدر فيه عددنا الأول اختفي بالكامل ولم يبق منه إلا ذلك الخط الذي اختارته الجريدة لنفسها طوال الوقت مهما كانت مشقة الملاحة في البحر الثائر. فتحنا عيوننا علي القرن العشرين وهو يستعد للحظة الاحتضار_ قبل9 سنوات كاملة من نهايته الرسمية_ مع انهيار الاتحاد السوفيتي في26 ديسمبر1991 ليسجل بسقوطه ولادة نظام عالمي جديد تقوده قوة عظمي وحيدة تحاول فرض ارادتها علي عالم توحد برغم أي شيء بفضل اختراع الانترنت الذي جعل الwww أهم حروف في تاريخ اللغة, وبالمثل كانت أفكارالعولمة والميديا الجديدة وعدوي الديمقراطية و حرية الأسواق وبوادر الرخاء ترفع راياتها علي بقاع جديدة من العالم, بينما ظلت المناطق الأقل نموا وفرصا والأكثر تعاسة تندب حظهاوقلة حيلتها و حماقة بعض أبنائها. طوال الوقت كان لدي الويكلي إذن ما يكفيه وزيادة وهو يتابع أسبوعا بعد أسبوع ما يدور هنا في مصر وفي المنطقة من حولها والعالم علي اتساعه من تفاعلات وتطورات وصدامات بلا حصر: كم حربا وكم نزاعا. كم انقلابا وكم فاجعة. كم فرحة وكم لوعة. كم سؤالا وكم قضية. كم صورة وكم عنوان يمكن أن تمر علي صحيفة ظلت تصدر بانتظام قرابة20 عاما, وأمامها قائمة بلا نهاية من النقاط المشتعلة في كل ركن وعلي امتداد البصر دون أن تتوقف يوما دائرة العنف والخلاف والعناد. أفردنا صفحات وصفحات لمتابعة انقلاب يلتسن واتفاق أوسلو واغتيال رابين ورحيل ديانا ونهاية العنصرية في جنوب افريقيا وموجات الهجرة اليهودية الي اسرائيل وقدوم الألفية الثالثة ومن بعدها لطمة11 سبتمبر والحرب علي الإرهاب ومحنة العراق و غزو أفغانستان و اجتياح لبنان وتدمير غزة والانقسام الفلسطيني وفصول العجز العربي و ظاهرة أوباما. لكن مصر بقيت دائما شاغلنا الأول و همنا الأكبر برغم أي اهتمام مبرر وواجب بمنطقتنا ودنيانا: لم تكن برامج التوك شو بكل تأثيرها وضوضائها قد ظهرت, ولا كان أحد قد سمع عن المحمول والsms والمولات و تعديلات الدستور, وسوزان تميم ومارينا و نجومfm وأمانة السياسات والمفتش كرومبو وأبوتريكه و النقاب و هيفاء وهبي والصحف الخاصة والبرادعي و حزب الله و شعبولا والfacebook و التوك توك و0900 والعشوائيات و كفاية... إلي آخر المفردات التي تستحق كل واحدة منها كلاما كثيرا يثبت كم من الصعب أن تلخص ألف أسبوع في ألف كلمة و يجعلك تفهم بسهولة لماذا يقال دائما إن أسبوعا في السياسة والصحافة بالضرورة هو عمر بأكمله, أو تتعجب لتأثير الزمن الذي تبدو معه مصر الآن وكأنها بلد آخر مختلف تماما إلي الحد الذي يدفع شاعرا متميزا مثل فاروق جويدة لأن يقول هذه بلاد لم تعد كبلادي وسياسيا بحجم أحمد عز لأن يتحدث بفخر و ثقة عن حجم ما تحقق في مصر. وبما يؤكد أن الفجوة واسعة بين من لا يري أي وجه للشبه بين مصر الآن و مصر التسعينيات ومن يؤكد في المقابل أنها لم تتحرك شبرا مالم تكن قد تراجعت أشبارا, ومع ذلك فربما يكون الأدق أن نقر بأن مصر تغيرت ولم تتغير معا أو أنها تغيرت كثيرا دون أن نحس! وأيا كان تقييمك لمحصلة ماجري أو لم يجر في التسعينيات و ما بعدها بما في ذلك تأثيرات الميديا الجديدة وما طرأ علي علاقة الدولة بالناس وثقافة الاحتجاج وسقف الكلام فإن وجود هذا الجدل في حد ذاته يعني أن هواء جديدا دخل من النوافذ حاملا معه تحولات و أفكار اصلاح في السياسة و الاقتصاد و شواهد حراك للمجتمع و مثقفيه, وفي ذلك كله كانت الويكلي دائما حاضرة و مشاركة و شاهدة علي الطريقة التي يتفاعل بها المصريون مع ما يجري حولهم, وأحوالهم وأحلامهم و أفكارهم. وبقدر ما استطاعت فإنها كانت علي امتداد مسيرة الألف عدد تلزم نفسها بأن تعكس بصدق صورة مصر, دون أن تحسب علي المعارضين ولا المؤيدين كما يجب أن تفعل أي جريدة قومية بحق. وبالتوازي كانت تعيد تقديم العالم والمنطقة وقضاياهما برؤية مصرية تصحح عيوب الإبصار لدي الكثيرين في الغرب الذين استسهلوا أو تعمدوا تبني مفاهيم مغلوطة وصور نمطية بقيت علي زيفها لسنوات دون ان يتصدي لها أحد. بهذه الروح, وبرهان علي المستقبل تشغل الويكلي نفسها الآن بمشروع طموح تطل معه علي قارئها في شكل وحجم ومضمون مختلف يعكس التحولات الجذرية في ساحة الإعلام وتلبي احتياجات دنيا جديدة تتغير بلا توقف, لكن الشيء المؤكد الذي نعرفه هو أن الألف اسبوع التالية ستحمل المزيد والمزيد من الأسئلة والاختبارات في المهنية والموضوعية والواجب. وحده وعدها بتقديم صحافة يحترمها الناس تليق بهم و بإسمها سيبقي دائما هو البوصلة التي تقودها بسلام إلي بر الأمان مهما تكن الأمواج عاتية والرحلة صعبة.