في ظل تفاقم حدة «الإسلاموفوبيا» في أعقاب أحداث باريس، وتنامي الممارسات العدائية ضد المسلمين في كثير من الدول الغربية بعد تصاعد الخطاب العنصري والتمييز ضد الجالية المسلمة في أوروبا تحت وقع التأويل المغلوط لآيات القرآن الكريم. تتواتر الادعاءات الكاذبة ضد الإسلام صاحب الرسالة العالمية بأنه محرض هؤلاء القتلة على كل الجرائم التى اقترفوها ضد البشرية والحضارة الإنسانية. لمن يدعى زورا أنه يمثل الإسلام بوجه قبيح ظالم، ولا يستسيغون قتل الأبرياء وترويع الآمنين. وفى مبادرة لتصحيح صورة الإسلام فى الخارج، وتنفيذاً لتوصيات المؤتمر الذى نظمته وزارة الأوقاف حول رؤية الأئمة لتجديد الخطاب الدينى وتفكيك الفكر المتطرف، جاء انطلاق أكاديمية الأوقاف باللغات الأجنبية، ليمثل نقلة حقيقية فى مواجهة التطرف ونشر الوسطية، من خلال علماء الوزارة خريجى كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر، وذلك فى إطار خطة الوزارة لمواجهة الأفكار الهدامة، والتواصل مع الغرب، وتصحيح صورة الإسلام فى الخارج، من خلال إيفاد الأئمة المتميزين وترجمة المطبوعات باللغات المختلفة. وتعد الأكاديمية نقطة انطلاق حقيقية ونقلة نوعية فى مجال الدعوة، لدورها فى تأهيل وتدريب الأئمة والدعاة، سواء فى مجال تعليم اللغات الأجنبية أو العلوم الشرعية وقضايا العصر، وتطوير قدرات الأئمة، وتدريبهم على استخدام وسائل العصر، من خلال دورات متخصصة يشارك فيها كبار العلماء المتخصصين، لأن الهدف تخريج جيل من الدعاة قادر على الحوار مع الغرب بلغتهم، لتصحيح صورة الإسلام. يقول الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن تأهيل وتدريب الدعاة أهم أولويات الوزارة، وذلك بهدف تصحيح المفاهيم ومواجهة الدعوات الهدامة، ونشر سماحة الإسلام وسعة أفقه، من خلال التواصل مع الخارج، ولذلك كان إنشاء أكاديمية لتدريب الدعاة على اللغات المختلفة، وتم وضع خطة شاملة لتأهيل الأئمة وعلماء الوزارة، من خلال اختيار الدعاة الذين يجيدون اللغات الأجنبية وخريجى كلية اللغات والترجمة، الذين يمثلون نخبة متميزة من علماء الأوقاف، وسيتم الاعتماد عليهم فى القيام بمهمة التواصل مع الخارج.لأن الداعية الذى يجيد اللغات الأجنبية، يستطيع أن يتواصل مع الخارج، كما أن الغرب عندما يجد إماما أزهريا يتحدث بلغتهم، هذا يمثل نقطة فارقة فى التواصل والحوار، لأن الطالب الأزهرى الذى درس العلوم الشرعية واللغة العربية، يكون عند الترجمة قادرا على نقل المعنى الصحيح ولا ينقل المعنى الحرفى فقط. كما تستهدف الأكاديمية تأهيل جيل من العلماء والدعاة المفكرين والمثقفين، ليكون إمام الأوقاف نموذجا فريدا فى الداخل والخارج، وذلك بالتوسع فى الدورات التى تقدم فى الأكاديمية، وأن إدارة التدريب سوف تستعين بالعديد من العلماء المتخصصين فى هذه الدورات، بهدف أن يكون هناك تأهيل وتدريب متميز للأئمة فى الأكاديمية، وأن هذا التدريب والتأهيل سيكون له دور كبير فى التصدى لكثير من الدعوات الهدامة، من خلال الدعاة الذين تم تأهيلهم بطريقة عصرية. من جانبه يؤكد الشيخ محمد عبد الرازق، رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف، أن الأكاديمية تمثل خطوة مهمة ونقطة انطلاق فى مجال تأهيل الدعاة، وملف تأهيل وتدريب الدعاة يعد أهم الملفات التى تحظى باهتمام الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، ولذلك قامت الوزارة بوضع خطة شاملة فى هذا المجال، وتم التركيز على اللغات الأجنبية، لأن هناك عددا متميزا من الأئمة والدعاة من خريجى كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر، والفترة الأخيرة شهدت ترجمة العديد من الكتب والمطبوعات للغات الأجنبية المختلفة، وذلك للتواصل مع الغرب، وطالب الأئمة والدعاة بضرورة الاجتهاد فى الدورات التى تعقدها الأكاديمية، مؤكدا أن الوزارة سوف توفر لهم جميع الوسائل، وهذه فرصة متميزة، لأن التدريب والتأهيل سيتم على يد عدد من العلماء والخبراء المتخصصين. وفى سياق متصل أشاد الدكتور سعيد عطية، عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، بجهود الوزارة للنهوض بالدعوة والدعاة وتجديد الخطاب الديني، وتفعيل الهدف الذى من أجله أسست كلية اللغات والترجمة، حيث رأت وزارة الأوقاف أن لكلية اللغات والترجمة دورًا داخل مصر وخارجها، وهى مهمة قومية تدعم حوار الحضارات لا التصادم معها. وأوضح أن الكلية منذ عام 1965 تخرج المتخصصين فى اللغات المختلفة، لكنهم لم يقتحموا مجال الدعوة بالشكل المطلوب، مشيرا إلى أن الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، رأى أن كلية اللغات والترجمة لها دور مهم فى الدعوة، وهذه الرسالة تهم الإسلام والمسلمين فى جميع أنحاء العالم، لأن التواصل مع الغرب بلغتهم أمر ضروري، لتصحيح صورة الإسلام والتواصل مع المسلمين فى الخارج، ولابد أن نعرف كيف يفكر الغرب، وذلك بهدف التواصل والحوار فالإسلام دين الحوار وليس دين الصدام. وأضاف: إن الإمام والداعية الذى يذهب للخارج وهو لا يجيد اللغات الأجنبية، يُنظر له نظرة مختلفة عن الداعية الذى يجيد لغة هذه البلاد، ولذلك لابد من تعلم اللغات الأجنبية، وإن من يعمل فى الدعوة لابد أن يجيد لغة الآخرين، بهدف أن يتحاور معهم، ويعرف كيف يفكرون، وكيف يتعامل معهم، وينقل لهم سماحة الإسلام، ولذلك لابد من التركيز على اللغات الأجنبية فى هذه الدورات التى تقدمها الأكاديمية، والوزارة تقدم فرصة جيدة بالفعل للأئمة والدعاة، خصوصا من خريجى كلية اللغات والترجمة، للقيام بدورهم فى الترجمة والتواصل مع الغرب. وفى سياق متصل قال الشيخ أحمد ترك مدير عام التدريب بوزارة الأوقاف، إن الهدف الأساسى للأكاديمية تخريج الداعية المعاصر، الذى يجيد اللغات الأجنبية، ويعرف الواقع وقضايا العصر، والدورات لن تكون فى اللغات الأجنبية فقط، بل سيكون هناك تأهيل وتدريب شامل للأئمة والدعاة المشاركين، لأنه إذا صلحت الدعوة فى مصر صلحت فى العالم الإسلامي. ويرى الشيخ محمد عبد المنعم إمام بأوقاف أكتوبر وخريج كلية لغات وترجمة «فرنسى» أن توصيل رسالة الإسلام باللغات المختلفة مسئولية كبري، وأن تعليم اللغات بالنسبة للداعية أمر مفيد للغاية، لتصحيح المفاهيم والتواصل مع الغرب، وبيان حقيقة وجوهر الإسلام، وأن الدورات التى سوف تعقدها الأكاديمية سيكون لها دور مهم فى تأهيل الدعاة، وسوف نجتهد فى التحصيل خلال هذه الدورات، لأننا نجد أن هناك رعاية واهتماما كبيرا من جانب المسئولين فى الوزارة. الأمر نفسه أكده الشيخ محمد عبد العزيز، إمام بأوقاف القاهرة وخريج كلية اللغات والترجمة قسم اللغة الألمانية، مشيرا إلى أن الدورات بالأكاديمية ستكون مؤهلة للإيفاد للخارج، خصوصا أن التدريب سيكون على يد نخبة من العلماء المتخصصين، وليس فقط فى مجال اللغات، موضحا أن هذا الاهتمام من جانب المسئولين فى الوزارة، جعل هناك مسئولية كبرى على عاتق الأئمة المشاركين فى هذه الدورات، لأن المجموعة الأولى من الأئمة سيكون لهم دور كبير فى نجاح هذه الفكرة.