لم يكن الرئيس الفرنسى فرنسوا اولاند مبالغا عندما وصف اتفاقية باريس حول التغيرات المناخية التى تم التوصل إليها فى 13 ديسمبر الماضى بأنها اتفاقية تاريخية. ففى المره الاولى فى التاريخ ينعقد اجماع شامل بين كل دول العالم على ضرورة توحيد الصفوف واتخاذ الاجراءات الحاسمة من اجل خفض استخدام الطاقات المتسببة فى الاحتباس الحراري. و الفكرة الاساسية من اتفاقية باريس التى تعد الأولى من نوعها هى تحويل استخدام الطاقات اللازمة للصناعات ولحياة الانسان اليومية من الطاقات المسماه بالاحفورية وتتكون اساسا من البترول والفحم والغاز الى طاقات طبيعية متجدده اهمها الشمس والماء والهواء , حيث ان الطاقات الاحفورية تؤدى الى انبعثات كميات كبيرة من ثانى اكسيد الكربون المتسبب فى الاحتباس الحرارى وبالتالى إلى سخونه كوكب الارض. وتشكل الطاقات الأحفورية 80% من استخدامات الطاقة فى عالمنا اليوم. ولعل أهم نتائج اتفاقية باريس حول التغييرات المناخية هى انها فتحت الباب على مصراعيه لعالم ما بعد البترول. فخلال نصف القرن القادم سيقل استخدام البترول بنسب كبيرة لمصلحة الطاقات النظيفة وعلى رأسها الطاقة الشمسية. ولأن مصر قد أنعم عليها الله بأشعة الشمس الوفيرة فإن نتائج مؤتمر باريس قد تكون له آثار إيجابية ضخمة على مصر إذا نجحت فى استغلال الحاجة إلى الطاقة الشمسية فى العالم. وقد لعبت مصر دورا كبيرا فى الكواليس بصفتها رئيسة المجموعة الافريقية والدولة المعتدلة القادرة على حماية حقوق شعوب العالم الثالث التى تعتبر الضحية الاولى للتغير المناخي. و من الواضح ان الدول النامية قد نجحت فى تنظيم الصفوف من أجل مواجهة اطماع الدول الغنية وتبلورت افكار المواجهة داخل مجموعة 77 التى تتحالف معها مجموعة الصين والدول الحليفة لها وتضم المجموعتان اكثر من 130 دولة تمثل شعوبها 80 % من سكان العالم , اما الدول الصناعية التى يبلغ عددها 42 دولة فقد أظهرت تضامنا كبيرا للدفاع عن مصالحها ولخوض المعركة فى قمة باريس حول القضية الكبرى وهى قضية تمويل مكافحة الاحتباس الحرارى وآثاره المدمرة فى العالم. و الحجة الأساسية التى اعتمدت عليها دول العالم النامية هى ان الدول الصناعية هى المتسبب الرئيسى فى التغيرات المناخية والاحتباس الحرارى من خلال الافراط فى استخدام الطاقات غير المتجددة وعلى رأسها البترول والغاز. وتعتبر الدول النامية ان تمويل الدول الصناعية الكبرى ومساعداتها المالية من أجل مواجهة الاحتباس الحرارى هى فى واقع الأمر تعويضات مشروعة عن الاضرار البيئية التى تسببت فيها الدول الغنية وكان ضحيتها دول الجنوب التى تعانى من الأزمات الاقتصادية . وكانت الدول الصناعية قد تعهدت فى مؤتمر كوبنهاجن فى 2009 بسداد 100 مليار دولار سنويا للدول النامية بدءا من 2020 لكنها تراجعت عن هذا التعهد مما اثار غضب واحتجاج الدول النامية . وكان لتقرير نشرة صندوق النقد الدولى فى بداية شهر نوفمبر مفعول القنبلة المدوية حيث يؤكد هذا التقرير ان الدول الغنية تنفق نحو 10 ملايين دولار فى الدقيقة الواحدة من اجل تمويل الطاقات التقليدية غير البديلة والتى تؤثر سلبا فى مناخ الكرة الارضية ويكشف التقرير أن انفاق الدول الصناعية على الطاقات البديلة من خلال مساعدات مباشرة وغير مباشرة يرتفع الى 5 ترليونات دولار سنويا .. ويؤكد التقرير ان هذا المبلغ الضخم يفوق كل ماتنفقه الدول الصناعية فى مجال الصحة والرعاية الصحية , وقد اوضح أحد كبار علماء المناخ فى العالم البرفسور البريطانى نيكولا سترن ان دراسة صندوق النقد الدولى تحطم الخرافة التى عاش عليها العالم طوال العقود الماضية بان الطاقات الاحفورية غير البديلة هى طاقات رخيصة ولا تمثل عبئا على اقتصاديات العالم ويؤكد التقرير ان مجرد وقف الدعم التى تقدمة الدول الصناعية لانتاج الطاقات غير البديلة سيؤدى الى خفض انبعاثات ثانى اوكسيد الكربون فى الغلاف الجوى بنسبة 20 % ومن المتوقع ان يؤدى هذا الانخفاض الى خفض عدد المتوفين نتيجة التلوث المناخى فى العالم بنسبة 50 % حيث يصل هذا العدد الان على صعيد الانسانية الى 6ر1 مليون يموتون سنويا بسب التلوث البيئى. وقد قامت منظمة التجارة والتنمية الاقتصادية التى تتحكم فيها الدول الغربية بهجوم مضاد تحسبا لمؤتمر باريس والمواجهة مع الدول النامية وقامت باصدار دراسة مفادها ان الدول الصناعية الغنية سددت بالفعل 62 مليار دولار للدول النامية فى العام الماضى من اجل مساعدتها على مواجهه الاثار السلبية للتغيرات المناخية والعمل على التحول إلى الطاقات المتجددة وعلى راسها الشمس والماء والهواء. لكن دول العالم النامى شككت فى صحة هذه الدراسة وامانتها واتهمت الدول الغنية بانها تخلط بين المساعدات والمنح التى تحظى بها الدول النامية بموجب اتفاقيات ثنائية وجماعية من جهة وبين التمويل المخصص لمواجهه التغيرات المناخية واكدت رئيسة مجموعه 77 وهى رئيسة وفد جنوب أفريقيا ان مبلغ 62 مليار دولار الذى تزعم منظمة التجارة والتنمية الاقتصادية انة كان موجها كتعويضات عن التغيرات المناخية يتضمن تمويلات لمشروعات مشتركة وقروض سوف ترد الى الدول الصناعية وبالتالى فان هذه الدراسة هى خدعة جديدة من قبل الدول الصناعية التى تتحمل المسئولية القانونية عن تسمم المناخ فى كوكب الارض والدمار الذى يلحق بالدول النامية من جراء التغيرات المناخية . وكان مؤتمر باريس مسرحا لصراع خفى بين الدول الغنية والدول الفقيرة تفجرت فيه قضية مسئولية الدول الغربية فى الانهيارات التى تشهدها الدول النامية وخاصة فى منطقة الشرق الاوسط وضرورة ان تتحمل الدول الغربية مسئوليتها تجاة الدول النامية بعد قرون من استغلال موارد الدول الفقيرة الطيبيعية من قبل الدول الغربية.