ما بين التشاؤم والتفاؤل انطلقت الإثنين الماضى فعاليات قمة باريس للمناخ، فشعوب العالم أصابها الإحباط من فشل قادة الدول الصناعية الكبرى خلال السنوات الماضية فى التوصل لاتفاق جديد للمناخ للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، التى بدأت آثارها الكارثية على المناخ تبدو جلية للجميع، لكنهم فى الوقت نفسه يعقدون الآمال على أن تختتم القمة الحالية أعمالها بالتوصل إلى الاتفاق المنتظر والذى حذر خبراء المناخ من أنه ما لم يتم إبرامه سيكون الوضع كارثيا على العالم أجمع.وبحضور أكثر من 150 رئيس دولة وحكومة، انطلقت فعاليات مؤتمر الأممالمتحدة ال21 للمناخ، فى ضاحية لو بورجيه شمال باريس، بهدف التوصل بنهاية المؤتمر فى 11 ديسمبر الجارى إلى اتفاق عالمى جديد ملزم للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض دون سقف الدرجتين المئويتين، بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، وذلك من خلال خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، وعلى رأسها غاز ثانى أكسيد الكربون، علما بأن الحرارة العالمية ارتفعت بمعدل 0,8 درجة مئوية منذ بداية الثورة الصناعية، وارتفع مستوى سطح البحر 19 سنتيمترا بين 1901 و2010، أى بمعدل 1.7 مليمتر سنويا، بينما تتوقع الأممالمتحدة زيادة درجات الحرارة العالمية بنحو أربع إلى ست درجات مئوية، وارتفاع مستوى مياه البحر بنحو 88 سنتيمترا، بحلول عام 2100. وتأتى قمة باريس بعد سنوات طويلة من المفاوضات الشاقة منذ اعتماد اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ فى عام 1992، وبعدها اتفاق كيوتو عام 1997، وتزامنا مع انطلاق القمة شهدت عدة مدن فى العالم تظاهرات حاشدة للضغط من أجل اتخاذ إجراءات للتصدى للتغيرات المناخية، وفى سيدنى حمل الكثيرون لافتات مكتوباً عليها على سبيل المثال «لا يوجد كوكب ب». وفى هونج كونج، حمل محتجون نماذج للدب القطبى ولافتات كتب عليها «مشرد وجوعان، رجاء المساعدة» فى إشارة إلى ذوبان الجليد فى القطب الشمالى بفعل الاحتباس الحرارى. أما فى باريس فقد وضع المحتجون فى ساحة الجمهورية نحو عشرين ألف زوج من الأحذية، فى إشارة إلى أن الكثيرين لم يتمكنوا من المشاركة فى التظاهرات والمسيرات، بسبب الإجراءات الأمنية، وكان من بين الأحذية التى صفت زوج من الأحذية أرسل به الفاتيكان نيابة عن البابا فرانسيس، الذى حذر من أن الاحتباس الحرارى يضع العالم «على شفير الانتحار». تفكك «لارسن بى» ويحذر معظم العلماء من أن الإخفاق فى الاتفاق على إجراءات قوية فى باريس سيجعل العالم يشهد متوسط درجات حرارة مرتفعة بشكل لم يحدث من قبل وهو ما سيجلب معه عواصف أكثر فتكاً، وفيضانات كبرى، وموجات جفاف متكررة، وموجات حر مدمرة، وارتفاع منسوب مياه البحر بسبب ذوبان القمم الجليدية القطبية. وقال تقرير للأمم المتحدة إن الكوارث الطبيعية المتعلقة بالطقس حدثت بشكل شبه يومى خلال السنوات العشر الأخيرة، أى ضعف ما كان يحدث خلال العقدين السابقين، فيما كانت قارة آسيا المنطقة الأشد تضررا، وقال التقرير إنه منذ عام 1995 قتلت الكوارث الطبيعية المتعلقة بالمناخ 606 آلاف شخص، وأصبح 4,1 مليار شخص بين مصاب ومشرد أو فى أمس الحاجة للمعونة. وقد حذرت دراسة جديدة لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) من أن الجرف الجليدى بالقارة القطبية الجنوبية المعروف باسم «لارسن بى» فى طريقه إلى التفكك تماما فى غضون السنوات الخمس المقبلة، وذلك بعد ملاحظتهم علامات تحذيرية منها تصدعات ناشئة كبيرة وأنهار جليدية رافدة متسارعة التدفق. أما القطب الشمالى فقد تسبب تغير المناخ بانكماشه، وتقول التقديرات الأخيرة إن المحيط المتجمد الشمالى من المحتمل إنه سيكون خاليا من الجليد ما بين عامى 2059 و2078 . أفريقيا الأكثر تضررا وبينما تتصدر الصين بنسبة 25% والولاياتالمتحدة بنسبة 15% والاتحاد الأوروبى بنسبة 10% والهند بنسبة 6% وروسيا بنسبة 5% قائمة أكثر دول العالم فى الانبعاثات الغازية الضارة بالبيئة، فإن أفريقيا لا تشارك إلا بنسبة 3 فى المائة من حجم الانبعاثات الحرارية فى العالم، ورغم ذلك فهى الأكثر تضررا من تداعيات تغير المناخ، وتوصلت أبحاث البنك الدولى إلى أنه، بدون الإجراءات المطلوبة لمساعدة الدول الأفريقية على الاستعداد لمواجهة التغير المناخى، فإن نحو 43 مليون شخص، معظمهم فى إثيوبيا ونيجيريا وتنزانيا وأنجولا وأوغندا، ستسوء أحوالهم إلى حد الوصول إلى الفقر المدقع بحلول عام 2030. وفى نفس الإطار، فإن الدول العربية لا تساهم فى الانبعاثات الغازية الضارة بأكثر من 5% إلا أن تقريرًا لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة يقول إن المنطقة العربية ستكون الأكثر تضررا من هذه الظاهرة اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا، ونبه الخبراء إلى أن ارتفاع درجات الحرارة فى الصيف سيؤثر على امدادات المياه ويزيد الحاجة إلى إمدادات الطاقة لأجهزة التبريد، كما أنه سيؤثر فى ارتفاع أو انخفاض مناسيب مياه الأنهار فى العراق وسوريا ولبنان. وأكد التقرير أن ارتفاع مناسيب المياه بالبحار سيجعل الدول الساحلية المطلة على البحرين المتوسط والأحمر، والخليج العربى والأطلسى، الأكثر عرضة للخطر، وقد تتفاقم المشكلة مع زيادة عدد السكان وسوء استخدام المياه. وحذرت أيضا دراسة أمريكية، قام بها علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، من أن الاحترار العالمى قد يؤدى إلى ارتفاع درجات الحرارة فى بعض المناطق، أبرزها منطقة الخليج، لتصل إلى مستوى لا يمكن أن يتحمله الإنسان فى الأماكن المفتوحة. أعاصير استوائية كما توقعت دراسة أمريكية نشرت فى دورية «نيتشر كلايميت تشينج» تشكل أعاصير استوائية للمرة الأولى فى الخليج العربى جراء التغير المناخى وكآثار جانبية لظاهرة الاحتباس الحرارى. وبحسب منظمة «أوكسفام» فإن فاتورة التغير المناخى ستكون ثقيلة بالنسبة للبلدان النامية فى عام 2050، فى حال ارتفعت الحرارة بمعدل 3 درجات مئوية، بالمقارنة مع العصر ما قبل الصناعى، حيث حذرت المنظمة من أن «البلدان النامية ربما تواجه تكاليف تكيف بقيمة 800 بليون دولار فى السنة تقريباً، وخسائر اقتصادية أكبر بمرتين، فى حال لم تعزز التزامات تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة». من جانبه، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة «بان كى مون» أنه متفائل بشكل عقلانى ومقتنع بأن زعماء العالم سيتبنون اتفاق عالمى طموح جدا فى مؤتمر المناخ ال21، مؤكدا أن «زعماء العالم يدركون أنه يجب عليهم اتخاذ الإجراءات اللازمة التى ستساعدنا فى جهدنا المشترك لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة ووضع حد للفقر العالمى. وتعقد آمال كبيرة على قمة باريس فى ضوء الاستعداد الذى تبديه الولاياتالمتحدةالأمريكيةوالصين، المسئولتين عن 40% من الانبعاثات، للتوصل إلى اتفاق، وتعهدهما سابقا بخفض الانبعاثات بواقع الثلث بحلول عام 2030. كما أنه خلال الاجتماعات التحضيرية الأخيرة للمؤتمر، والتى عقدت فى مدينة بون الألمانية فى أكتوبر الماضى، نجحت الوفود التفاوضية الممثلة ل196 دولة فى التوصل إلى مسودة اتفاق طموحة مكونة من 55 ورقة لتكون محورا للمحادثات خلال المؤتمر، بالإضافة إلى أن الكثير من الدبلوماسيين، وفقا لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، يرون أن انعقاد المؤتمر بعد نحو أسبوعين من هجمات باريس الإرهابية حفز قادة العالم على إظهار التضامن، وهو ما يزيد من فرص النجاح على جبهة المناخ، وبالرغم من ذلك، فإنه من المتوقع أن تكون المفاوضات شاقة لأن هناك، بحسب المراقبين، عدة عقبات رئيسية لم يتم حسمها حتى الآن مثل إلزامية الاتفاق الذى يفترض أن تتوصل إليه القمة، وهو ما تعارضه واشنطن، وحصة كل دولة من الأعباء، والخلافات بين الدول الصناعية الكبرى والدول الناهضة بشأن تمويل الدول النامية والفقيرة لمساعدتها على مكافحة التغير المناخى، وكذلك بشأن الالتزام بسقف التعهدات للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث ترى الدول الناهضة أن من حقها استكمال مسيرتها فى التصنيع دون تحمل أعباء مكافحة التغير المناخى. كما يرى الخبراء أنه من الصعب حصر الاحتباس الحرارى بزيادة لا تتعدى حدود الدرجتين المئويتين، بسبب عدم قدرة الدول النامية والفقيرة على الالتزام لاعتبارات متعلقة بحجم أزماتها الاقتصادية المتزايدة، وهو ما يصعب من قدرتها على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة والتحول من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة النظيفة. وترفض دول الشمال الغنية تحمل المسئولية كاملة فيما يخص المساعدات المالية لدول الجنوب لتمويل سياساتها المناخية، وترى أن الدول التى تعرف ازدهارا اقتصاديا كبيرا مثل الصين والبرازيل والهند وجنوب افريقيا يجب عليها هى الأخرى أن ترفع من مساهماتها المالية. وفى المقابل، لا تريد، الدول الناهضة، مثل الهند، إثقال كاهلها بالتزامات مالية، وتعارض مخطط طويل المدى لتخليص الاقتصاد من الفحم، فبالنسبة لها على البلدان الغنية أن تتحمل الجزء الأكبر من الجهود. وفى هذا الإطار، يرى رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى أنه يتعين السماح للدول النامية بأن تستمر فى استخدام الطاقة المتسببة بغازات الاحتباس الحرارى من أجل استمرار نموها الاقتصادى. معارضة الجمهوريين كما أن خطة أوباما بشأن فرض قيود على محطات الفحم والاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة تثير جدلا حادا فى الولاياتالمتحدة حيث إن محطات الطاقة التى تعمل بالفحم مازالت تنتج 37% من احتياجات البلاد من الكهرباء، كما أن الخطة تواجه اعتراضات من قبل الحزب الجمهورى باعتبارها ذات عواقب مدمرة على الاقتصاد الأمريكى. ومن ناحية أخرى، ترفض الإدارة الأمريكية اتفاقا ملزما لأنه لن يكون من السهل تمريره فى الكونجرس الذى يسيطر عليه الجمهوريون. وبالرغم من أن الصين قبلت فكرة التقييم الشامل لما قامت به الدول فى مجال البيئة قبل 2020 (تاريخ دخول الاتفاق المنتظر حيز التنفيذ)، إلا أنها تعارض المراجعة الجبرية للرفع من التزامات الدول لتخفيض الانبعاثات.