أثار كتاب المترجم أحمد صلاح الدين "ورثة تالستوي على جسر كوزنيتسكي" (يورد الكاتب اسم تولستوى كما ينطق بالروسية) فور صدوره قبل أسابيع نقاشا في دوائر المتابعين حول انقطاع الصلة واحتراق الجسور بين عشاق الأدب الروسي في ظل جهلهم لطبيعة الوضع الأدبي الراهن في روسيا بعد تفتتها، وذلك بسبب وقوف المنطقة العربية إجمالًا عند إبداعات عمالقة الأدب السوفيتي أمثال تولستوي ودوستويفسكي وتشيخوف وجوركي وغيرهم؛ بسبب تباطؤ حركة الترجمة من الروسية إلى العربية، وبالتالي الجهل بأسماء المبدعين الروس الجدد، وعلى وجه الخصوص في فترة ما بعد بريسترويكا جورباتشوف التي كانت إحدى بوابات الخروج من معطف الاتحاد السوفيتي القديم وتفتته إلى جمهوريات عدة ما زالت منشغلة بكتابة تاريخها المعاصر. يعد "ورثة تولستوي" رغم عدم تجاوز صفحاته لمائتي وعشرين صفحة، بمثابة مشروع ضخم لمترجم شاب طموح، حيث عمل مؤلفه أحمد صلاح الدين - كاتب ومترجم مصري من مواليد القاهرة عام 973، حاصل على ليسانس اللغة الإنجليزية وآدابها من آداب عين شمس، وذلك قبل سفره لدراسة اللغة والأدب الروسي بالجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب في موسكو-، على تقديم بانوراما للمشهد الأدبي في روسيا وجيرانها من جمهورياتها السابقة من عصر توستوي ووصولًا إلى سفيتلانا أليكسفيتش الحاصلة على جائزة نوبل لعام 2015. يضم الكتاب نحو 14 قسمًا، يتناول في مقدمتها الوضع في روسيا السوفيتية في بداية القرن العشرين، وتأثيرات ثورة 1917 وحركة البلاشفة التي جعلت من الأدب بوقًا دعائيًا للدولة الشيوعية, ليتم الترويج لأدب ركيك كتبه سكرتيرو الحزب في مقابل أعمال لمبدعين حقيقيين أمثال: الروائي لويس باسترناك (وروايته دكتور زيفاجو الممنوعة فى روسيا إبان الفنرة السوفيتية)، والشاعرة آنا اخماتوفا (صاحبة القصيدة الأروع في الشعر الروسي المعاصر: قداس جنائزي). وإلى جانب الأسماء المنحوتة في تاريخ الأدب الروسي المعاصر والحديث، يستعرض الكتاب في سعي مشكور الأسماء الجديدة من الأبناء والأحفاد ورثة عمالقة الأدب الروسي الكبار، مع عدم إغفال تناول الظواهر الجديدة في سوق بيع الكتب الروسية، والإشارة إلى نجوم قوائم الكتب الأفضل مبيعًا المعاصرة، مع بعض نماذج من إبداعاتهم. وفي ندوة احتضنت إطلاق الكتاب في أتيليه القاهرة بوسط المدينة، أثنت الروائية سلوى بكر على مضمون الكتاب بما احتواه من معلومات مركزة عن المشهد الأدبي الروسي المعاصر، وخاصة بعد تقسيم الاتحاد السوفيتي، وما أعقبه من تخلي الدولة عن دورها في ترجمة وطبع وتوزيع أمهات الكتب. وأكدت سلوى بكر في معرض تعليقها أنها ما زالت تتذكر بهجتها بشراء أمهات كتب الأدب الروسي بقروش زهيدة في معرض القاهرة للكتاب في عقدي الستينيات والسبعينيات. وألقت سلوى بكر اللوم على مترجمي الروسية لتقاعسهم عن إلقاء الضوء على بانوراما الساحة الأدبية في روسيا، وهو ما نفاه المترجم د.انور إبراهيم أستاذ الأدب الروسي بكلية الألسن، الذي أشار إلى جهود حثيثة وإرادة لا يشوبها الملل لإنجاز ترجمات متميزة وإن كانت متخصصة، وصدور عدد من الكتب المترجمة في إطار مشروع الترجمة التابع للمجلس الأعلى للثقافة، وهي إصدارات لم تجد طريقها لدى المتابعين من الشباب الذي انساق أغلبهم وراء ثقافة هي غربية في توجهها بسبب الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وغواية الغزو الثقافي الأمريكي.