منذر الحايك المتحدث باسم حركة فتح في غزة ل"صوت الأمة": الرئيس السيسي لم يكتفِ بالمواقف السياسية.. وخطواته العملية كانت واضحة ووقفته معنا تاريخية مصر العمق الاستراتيجي لنا والداعم الأبرز لإعادة الإعمار.. ونجحت في وضع خطوط حمراء أمام مشاريع التهجير لا يمكن لأي دولة عربية أن تُقدِم على التطبيع ما لم تعترف إسرائيل بدولتنا المستقلة وتنسحب من الأراضى العربية المحتلة مستقبل حماس مرهون بقبولها بالعملية السياسية والمشاركة عبر صناديق الاقتراع.. ونزع سلاحها عقبة إسرائيلية مفتعلة نرفض الحلول الأمنية أو الاقتصادية كبدائل لحل الصراع.. وما نريده حل سياسي شامل يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس
في ظل تصاعد الأحداث في قطاع غزة، وتكرار خروقات الاحتلال الإسرائيلي لوقف إطلاق النار، تتعقّد الصورة الميدانية والسياسية يوماً بعد يوم، حيث تلوّح تل أبيب بمواصلة عملياتها العسكرية بذريعة الرد على "انتهاكات" حماس، في حين تتهم أطراف فلسطينية وإقليمية إسرائيل بمحاولة إفشال مسار التهدئة والعودة بالأوضاع إلى نقطة الصفر. وسط هذا المشهد المتوتر، تبرز تحديات كبرى تتعلق بمستقبل قطاع غزة، وعلى رأسها ملف نزع السلاح، وآليات إعادة الإعمار، ودور السلطة الفلسطينية، إلى جانب المواقف الإقليمية والدولية، كما يزداد الجدل حول فاعلية أي "قوة استقرار دولية" يُفترض أن تحل محل الاحتلال، وسط غموض حول طبيعتها ومهامها. في هذا الحوار مع المتحدث باسم حركة فتح في قطاع غزة منذر الحايك، نسلّط الضوء على أبرز هذه الملفات، ونناقش مستقبل الاتفاقات المطروحة، ودور الفاعلين الإقليميين والدوليين، والتوقعات بشأن مستقبل القطاع وحركة حماس، ومدى قدرة السلطة الفلسطينية على استعادة دورها كمرجعية شرعية.. وإلى نص الحوار.. كيف تنظر إلى تطورات الأوضاع في قطاع غزة، خاصة مع عودة الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار وتوجيه غارات جديدة على القطاع، مع تأكيد تل أبيب أن تلك الضربات جاءت كردّ على "انتهاك حماس للاتفاق"؟ بطبيعة الحال، الاحتلال الإسرائيلي دائمًا ما يزعم وجود خروقات من الجانب الفلسطيني، بينما هو في الحقيقة الطرف الذي يخرق التفاهمات في كل مرة، سواء تلك التي أُبرمت بوساطة إقليمية أو دولية. طوال السنوات الماضية، أثبتت التجارب أن الاحتلال يبحث باستمرار عن ذرائع لتبرير سياسات القتل، سواء من خلال الاغتيالات أو قصف المنازل والبنى التحتية. للأسف، لا يمكن الوثوق بتعهدات الاحتلال، وهو من يسعى عمدًا إلى إيجاد مبررات للعودة إلى حالة الحرب. نحن نشعر بالقلق من التصعيد المتكرر، لكن لا يبدو أن الأمور ذاهبة نحو حرب شاملة كما حدث سابقًا، بل سنشهد استمرارًا لسياسات الاستهداف والاغتيالات. الاحتلال لا يزال يهدف إلى القضاء على الوجود الفلسطيني في قطاع غزة، إلا أن صمود الشعب، إلى جانب الدعم العربي، خاصة من مصر والأردن، قد وضع خطوطًا حمراء أمام مشاريع التهجير. أما بخصوص التوقعات، فنعتقد أن المرحلة المقبلة ستشهد استمرارًا لمحاولات تقويض جهود الاتفاق. إسرائيل قد تتعنت، خاصة في ما يتعلق بملف "اليوم التالي" وموضوع نزع السلاح، وهي تسعى للإبقاء على الأوضاع كما هي، رغم انسحابها النسبي من 42% من أراضي القطاع، بينما لا تزال تحتل نحو 58% منه، وتحديدًا المناطق الشرقية بالكامل. لهذا، نطالب بدور فاعل من الوسطاء العرب والإقليميين، للضغط على الولاياتالمتحدة من أجل ضمان تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، بما يشمل نشر قوات الشرطة الفلسطينية التابعة للسلطة الوطنية، كي تضطلع بدورها في الإغاثة، وإعادة الإعمار، وبناء النظام السياسي والقضائي، وتوحيد الجغرافيا الفلسطينية.
وفي ضوء هذه التطورات، كيف تنظرون إلى زيارة الوفد الأمريكي إلى المنطقة برئاسة نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر؟ وهل تحد هذه الزيارة من التصعيد في غزة؟ من الواضح أن الإدارة الأمريكية الحالية حريصة على تثبيت وقف إطلاق النار. وقد قلنا في أكثر من مناسبة، لولا تدخُّل الرئيس الأمريكي، لما توقفت الحرب الأخيرة، وهو نفسه من صرح بأنه تمكن من كبح جماح نتنياهو والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية. لكننا نؤكد أن المطلوب ليس فقط وقف إطلاق النار، بل أيضًا الانخراط في حل سياسي عادل. نرفض الحلول الأمنية أو الاقتصادية كبدائل لحل الصراع. ما نريده هو حل سياسي شامل يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس. على الولاياتالمتحدة أن تترجم حرصها إلى أفعال، خاصة وأنها تعتبر نفسها صاحبة الولاية السياسية على إسرائيل، وقادرة على إلزامها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية.
ملف نزع سلاح حركة حماس يُعد من أعقد القضايا المطروحة، فنتنياهو اعتبر أن الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق التي تشمل نزع سلاح الحركة. كيف ترون هذا الطرح؟ وهل قد يؤدي الخلاف حوله إلى عرقلة المفاوضات؟ وما هو مستقبل حماس في ضوء التطورات الحالية؟ في الواقع، موضوع نزع السلاح تم إدخاله ضمن المفاوضات كعقبة متعمدة. لا يوجد في قطاع غزة سلاح ثقيل كطائرات أو بارجات. معظم الأسلحة المتوفرة محلية الصنع، مثل صواريخ القسام أو الياسين، وبعضها مما استولت عليه حماس خلال أحداث الانقسام. ما يجب أن نوضحه أن جزءًا كبيرًا من السلاح هو في الأصل ملك للسلطة الوطنية الفلسطينية. نحن نطالب حماس بتسليم الأسلحة الفردية إلى الجهات الشرعية، وأما السلاح الثقيل، فقد تم استخدامه في الحرب ولم يتبقَّ منه الكثير. نتنياهو يستخدم هذه القضية كوسيلة لعرقلة المرحلة الثانية من الاتفاق. نحن في حركة فتح نرى أن السلاح يجب أن يكون في يد السلطة الوطنية، لأنها الجهة الشرعية التي تمثل الشعب الفلسطيني. الخلاف في هذا الملف قد يعقّد المفاوضات، لكنه لا يلغي حقيقة أن حماس وافقت سابقًا على مقترحات أمريكية تضمنت هذا البند، وعلى رأسها المبادرة المكوّنة من 20 نقطة التي قدّمتها إدارة ترامب. والأكيد أن مستقبل حماس سيكون مرتبطًا بقبولها بالدخول في العملية السياسية. ننصحها بإعلان خروجها من المشهد التنفيذي، وتهيئة نفسها للانتخابات القادمة، فصناديق الاقتراع هي الطريق الشرعي والوحيد للمشاركة في الحكم، بشرط الالتزام ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية.
تزداد الأمور تعقيدًا مع ملف "قوة الاستقرار الدولية" المفترض أن تتولى الأمن بعد انسحاب إسرائيل، هل ترون أن هذه النقطة تثير الشكوك حول تطبيقها فعليًا؟ منذ البداية، دعونا إلى تشكيل قوة عربية داعمة لقوات الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة، بحيث تنتشر على الخط الفاصل بيننا وبين الاحتلال لضمان الأمن والاستقرار. لكن حتى الآن، لا يوجد وضوح بشأن طبيعة هذه القوة أو مهامها، مما يثير الكثير من الشكوك. نحن نرى أن المبادرة العربية – التي انطلقت من فلسطين وعُرضت على الشقيقة مصر ثم على القمة العربية – هي الإطار الوحيد القابل للتطبيق. تبدأ المبادرة بوقف فوري لإطلاق النار، ثم تسليم القطاع للسلطة الوطنية، وبسط سيطرتها الأمنية والإدارية. وجود قوة عربية داعمة، وبموافقة وطنية فلسطينية، مهم جدًا، خصوصًا لتفادي أي احتكاكات محتملة مع بعض الفصائل، وحتى نتمكن من الانتقال من مرحلة الدمار إلى مرحلة البناء، التي لن تأتي إلا عبر الجهة الشرعية: السلطة الوطنية الفلسطينية.
كيف يمكن للوسطاء والمجتمع الدولي ضمان عدم عودة التصعيد، خاصة في ظل لجهة أمريكية متباينة تجاه حماس واتهامها بالتخطيط لانتهاك وقف إطلاق النار؟ السبيل الوحيد لضمان عدم عودة التصعيد هو البدء الفعلي في تنفيذ النقاط الأمريكية العشرين، وعلى رأسها وقف الحرب، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، دون خطوط صفراء أو حمراء، ونشر القوات الفلسطينية في جميع أنحاء القطاع. والمطلوب اليوم هو فتح مسار سياسي جاد لحل القضية الفلسطينية، فبدون حل سياسي، ستبقى كل التهدئات مؤقتة وهشة. استمرار الاحتلال في انتهاك وقف إطلاق النار سيدفع الأمور إلى التصعيد من جديد، ما لم يكن هناك ضغط دولي حقيقي، خاصة من الولاياتالمتحدة، لإلزام إسرائيل بتنفيذ الاتفاق.
في ضوء مخرجات قمة شرم الشيخ واتفاق وقف إطلاق النار بغزة، هل تعتقد أن مسار العلاقات العربية الإسرائيلية سيتأثر إيجابًا أو سلبًا؟ و برأيك هل ستتخذ دول عربية خطوة الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل في حال تحقق تقدم حقيقي نحو حل الدولتين؟ مخرجات قمة شرم الشيخ تؤكد ضرورة وجود حل سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية قبل الحديث عن أي تطبيع، لا يمكن لأي دولة عربية أن تُقدِم على خطوات تطبيعية ما لم تعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، وتنسحب من الأراضي المحتلة عام 1967، بما في ذلك القدس. هذا كان موقف المملكة العربية السعودية، التي أكدت مرارًا أن لا تطبيع دون حل حقيقي. البند رقم 19 من مبادرة ترامب يشير إلى حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وهو بند جوهري يجب الالتزام به.
كيف ترون التحرك المصري والفلسطيني والدولي لبدء إعادة إعمار غزة؟ وهل هناك إرادة دولية حقيقية لدعم الملف ماليًا وسياسيًا؟ منذ البداية، كان الموقف المصري إيجابيًا وواضحًا، خاصة فيما يتعلق برفض التهجير. التصريحات الصادرة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزارة الخارجية المصرية والشعب المصري عمومًا أكدت أن مصر تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية. هناك إرادة دولية واضحة للمشاركة في إعادة الإعمار، لكننا نرفض أن يُختزل الحل في مساعدات إنسانية أو مشاريع اقتصادية. نريد دعمًا سياسيًا حقيقيًا لحل القضية من جذورها، وليس فقط لمعالجة آثار الحرب.
ولو تحدثنا عن التقديرات الفعلية لإعادة الإعمار في قطاع غزة؟ وما الذي تلمسونه على الأرض فيما يخص هذا الملف؟ حتى هذه اللحظة، لم نلمس أي تقدم فعلي في ملف إعادة الإعمار. ما حدث لا يتجاوز فتح بعض الطرق، ولم تدخل مواد البناء الأساسية مثل الإسمنت أو الحديد. الشاحنات التي دخلت حتى الآن تقتصر على المساعدات الإنسانية أو التجارية، بينما ملف الإعمار لا يزال مجمدًا بالكامل. وندرك تمامًا ضرورة عقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار، وقد طرحت الدولة المصرية هذه الفكرة، ونرحب بأن يُعقد المؤتمر في القاهرة، وأن تشرف عليه السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها الجهة الشرعية والمسؤولة عن إدارة العملية. الإعمار يبدأ بالإغاثة، يليه إعادة بناء المنازل والمساجد والمدارس والمستشفيات وكل ما يتعلق بمقومات الحياة. للأسف، إسرائيل دمرت كل شيء، حتى المعالم الأثرية والبنية التحتية الأساسية. الواقع المؤلم هو أن ما نراه على الأرض لا يتجاوز إنشاء بعض المخيمات المؤقتة، وهذا لا يُعد بأي حال من الأحوال إعمارًا حقيقيًا. نحن ننتظر أن تبدأ الجرافات بالدخول، وأن تبدأ الشركات والعمال بإعادة بناء ما تهدم في الأحياء الغزية، فغزة بحاجة ماسة إلى إعادة الحياة من جديد، ولا يمكن الانتظار أكثر.
ما الدور المنتظر للسلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة؟ وهل يمكن أن تستعيد موقعها كجهة شرعية مسؤولة عن إدارة القطاع ضمن ترتيبات السلام الجديدة؟ السلطة الوطنية الفلسطينية مطالبة، بل ومن المفترض أن تبدأ فورًا بنشر قوات الشرطة في قطاع غزة، وأن تتولى الدعوة إلى مؤتمر دولي لإعادة الإعمار يُعقد في جمهورية مصر العربية، بمشاركة الأطراف المانحة والجهات المعنية. الدور المنتظر من السلطة هو البدء بعملية إغاثة المواطنين أولًا، بالتعاون مع الدول العربية والإسلامية، وكذلك الشركاء الدوليين، ثم الانطلاق نحو الإعمار الحقيقي. الأهم من ذلك هو أن تُظهر السلطة نفسها باعتبارها الجهة الشرعية الوحيدة، من خلال توحيد الجغرافيا الفلسطينية والنظام السياسي، وتفعيل المؤسسات الرسمية، كالقضاء، والأمن، والصحة، والتعليم، على امتداد الضفة الغربية وقطاع غزة. لأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام أو حل دائم إلا من خلال سلطة موحدة قادرة على تمثيل الشعب الفلسطيني بأكمله، والتحضير الجدي لمؤتمر دولي يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.
كيف تنظرون إلى تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن مصر لن تتوقف عن دعم غزة، وتكليفه الحكومة بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات المعنية لإنشاء آلية وطنية لجمع تبرعات لصالح إعادة الإعمار؟ ننظر إلى مصر الشقيقة باعتبارها العمق الاستراتيجي لقطاع غزة، وأمن غزة من أمن مصر، والعكس صحيح. تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي جاءت دائمًا داعمة للقضية الفلسطينية، وكان له موقف حازم ومشرف في رفض سياسة التهجير، التي حاول الاحتلال فرضها. وكلنا كفلسطينيين نُقدّر عاليًا قرار الرئيس السيسي بتكليف الحكومة المصرية بالتنسيق مع المجتمع المدني لإطلاق آلية وطنية لدعم إعادة الإعمار، ونرى فيه دلالة قوية على استمرار التزام مصر الثابت تجاه غزة، خاصة في مواجهة مشاريع التهجير والاقتلاع. الرئيس السيسي لم يكتفِ بالمواقف السياسية، بل كانت له خطوات عملية واضحة، نثمنها بكل تقدير، ونؤكد أننا بحاجة إلى استمرار هذه الوقفة التاريخية، ليس فقط لتثبيت وقف إطلاق النار، بل لدعوة الدول المانحة للمشاركة في إعمار غزة، وتمكين السلطة الوطنية الفلسطينية من أداء مهامها. كما نجدد مطالبتنا بدعم مصر الكامل للسلطة في سعيها لتوحيد الجغرافيا الفلسطينية، والربط بين الضفة والقطاع والقدس، حتى نوصل رسالة واضحة للعالم: لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة. أرضنا المحتلة عام 1967 هي أرض دولة فلسطين. نوجه تحية تقدير لمصر، قيادةً وحكومةً وشعبًا، وتحية خاصة من حركة فتح لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، على دعمه الثابت والمبدئي للقضية الفلسطينية.