- نعيم مصران: 7 أكتوبر أظهرت الوجه الحقيقي للاحتلال.. ومعتقلو غزة عُذبوا بطرق لم يتخيلها العقل البشري - فقدت 41 كيلوجرامًا من وزني بعد 7 أكتوبر بعد الانتهاكات التي طالت طعامنا وشرابنا - قبلتي ستكون للعمل السياسي وليس العسكري بعد خروجي من سجون الاحتلال - مصر قدمت كل أشكال الدعم لأهل غزة.. وشعبها عودنا أن يكون حاضنًا للقضية الفلسطينية - أتمنى أن يكون هناك حكومة تكنوقراط تجمع جميع الفصائل الفلسطينية تتولى إدارة حكم غزة بعد ما يقرب من ربع قرن من الزمن، لامس الأسير الفلسطيني نعيم مصران شعاع النور على أريكته وفي شوارع بلده، فقد تخلص من القيود المكبلة بين يديه ومن السجان الذي جثم على صدره، ليخرج إلى بلده الطامحة لأن تتخلص من قيود الاحتلال وتتحرر بشكل تام وتبني دولتها المستقلة. وبعد حربٍ دامية شنها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، أُرغم أخيرًا على أن يُفرج على المئات من الأسرى الفلسطينيين من سجونهم والقابعين منذ سنوات عديدة وقد تجاوز غالبيتهم العقدين من الزمن داخل أسوار سجونه يتعرضون للانتهاكات والجرائم المرتكبة خلف الحديد والقضبان دون رقيب أو حسيب. وبعد أيام قليلة من تحرره وخروجه من سجون الاحتلال خلال صفقة تبادل الأسرى، التي جرت ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، أجرت "بوابة أخبار اليوم" حوارًا مطولًا مع الأسير المحرر نعيم مصران، أحد قادة كتائب شهداء الأقصى وحركة فتح في قطاع غزة، ليسرد لنا تفاصيل ما جرى معه ورفاقه من الأسرى في سجون الاحتلال ورؤيته للأوضاع في غزة في مرحلة ما بعد الحرب. - في البداية.. اسرد لنا تفاصيل الإفراج عنك من سجون الاحتلال في صفقة التبادل الأخيرة.. وفي أي سجن كنت تقبع؟ أنا نعيم جهاد نعيم مصران من مدينة رفح بقطاع غزة.. معتقل منذ 7 مايو/ أيار 2022، وقضيت 23 عامًا ونصف العام في داخل سجون الاحتلال، وكان محكومًا عليَّ بالسجن مدى الحياة ل6 مرات. يوم الجمعة 10 أكتوبر (تشرين الأأول) تلقيت خبر الإفراج عني في الساعة الخامسة مساءً، وكنت أقبع في سجن نفحة الصحراوي وتم نقلي يوم الجمعة من الساعة الثانية فجرًا إلى سجن النقب الصحراوي، وهناك استمريت في قسم منعزل. تم تجميعنا نحن 250 معتقلًا، منهم 195 أسيرًا محكومًا عليهم بالسجن مدى الحياة، في هذا القسم، ومكثنا فيه من يوم الجمعة حتى يوم الاثنين، حيث تم الإفراج عنا من سجن النقب، حيث تم نقلنا في حافلات إسرائيلية إلى معبر كرم أبو سالم، ومن ثم نقلنا إلى حافلات مصرية نقلتها إلى قطاع غزة وإلى مدينة خان يونس تحديدًا. - كيف عايشت ما يقرب من 25 سنة في سجون الاحتلال؟ وكيف كانت أوضاع الحركة الأسيرة في السجون منذ 7 أكتوبر 2023؟ يصعب وصف 25 عامًا من المعاناة داخل السجون.. كانت سنين طويلة مرت عليَّ بما فيها من آلام وتعذيب وقهر وحرمان، ولكن استطعت التغلب على هذه المشاكل من خلال التحاقي بعدة جامعات، حيث درست في جامعة الأقصى وحصلت على بكالوريوس في التاريخ، ودرست في الجامعة العبرية، واستطعت الحصول على شهادة العلوم السياسية، ومن ثم أكملت المسيرة التعليمية في جامعة القدس، وكان ذلك بمثابة نقلة نوعية بالنسبة لي وتطوير ذاتي، إلى جانب القراءة داخل السجون حتى لا تكون أوقاتي مليئة بالملل والفراغ. ولكن السجون منذ 7 أكتوبر عام 2023 انقلبت رأسًا على عقب، حيث كنا من قبلها نعيش حالة من الاستقرار، ولكن بعد 7 أكتوبر تم إظهار الوجه الحقيقي لهذا العدو الغاشم، حيث كنا نعيش حربًا مثل التي كانت يعيشها أهل غزة، ولكن بشكل مصغر.. حاربونا بكل شيءٍ.. في غذائنا وأكلنا وشرابنا.. قطعوا عنا جميع التواصل مع العالم الخارجي، وكنا لا ندري ولا نعلم ماذا يحدث مع أهلنا في غزة، وكنا قلقين على أهلنا في قطاع غزة، وكان لا يرد إلينا أي نوع من الأخبار، وماذا حدث في غزة من دمار. صُعقنا جدًا عندما قدمنا ورأينا ما حدث في قطاع غزة من الدمار والتخريب والقتل، ولكن إن شاء الله تقودنا هذه الحرب إلى مشروع التحرير ومشروع الدولة الإنسانية. بعد تحريري اكتشفت أنني فقدت أحد إخواني بعد عامين من الحرب، حينما سألت عنه فأهلي أبلغوني أن أخاك قد استشهد وارتقى خلال الحرب. اقرأ أيضًا: خاص| بعد صفقة التبادل.. مسؤول يكشف عدد الأسرى المتبقين في سجون الاحتلال وأصحاب المؤبدات - كيف كانت معاملة أسرى غزة تحديدًا في سجون الاحتلال بعد 7 أكتوبر؟ وهل صادفت مجموعة من أسرى غزة المعتقلين حديثًا في سجن نفحة؟ كنا نحن أسرى قطاع غزة من بين كل الأسرى الذين تعرضوا لحملة شرسة بعد 7 أكتوبر من التعذيب والتنكيل بنا لأننا كنا نحمل هوية الانتماء لقطاع غزة، فكانوا يعذبوننا وينهالون علينا بالهراوات، وكانوا يرشون غاز الفلفل علينا بشكل يومي، وكنا نعترض لجميع أنواع الحرمان من التواصل مع المحامين أو الحقوقيين أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكنا الأكثر تعرضًا للتعذيب. العديد من الأسرى التقيت بهم ممن اعتُقلوا بعد 7 أكتوبر.. وهؤلاء الأسرى تم تعذيبهم بشكل كبير جدًا بطرق لم يتخيلها العقل البشري.. هناك أسرى تم بتر قدميهم الاثنين، وهناك أسرى تم بتر يديهم الاثنين، وهناك أسرى تم تعذيبهم والتنكيل بهم في أماكن إصاباتهم، وكانوا لا يتلقون العلاج، وكانوا يصرون على إيذائهم. وهناك العديد من الأسرى، الذين تم اعتقالهم من غزة بعد 7 أكتوبر، تم وضعهم في غزة منعزلة، وتم تكبيل أيديهم منذ 7 أكتوبر وإلى يومنا هذا، ولم يتم الإفراج عنهم وهم مكبلون على مدار سنتين كاملتين، وهناك أسرى تم تكبيل أياديهم كل اثنين مع بعضهما البعض منذ 7 أكتوبر إلى يومنا هذا، فالاثنان ينامان مع بعضهما ويقضيان حاجتهما مع بعضهما أيضًا دون السماح بفصلهما عن بعض. أسرى قطاع غزة تعرضوا إلى جميع أنواع العذاب وجميع أنواع التنكيل، وحرمونا من الطعام.. لا تستطيع أن تتخيل أن الأسير الفلسطيني داخل السجن تلقى في اليوم 4 شرائح من الخبز وما يُعادل 3 معالق من الأرز في اليوم، وما يُعادل 10 جرامات من اللحوم.. وهذا كان غذاؤنا في اليوم.. أقل أسير فقد من وزنه ما لا يقل عن 30 كيلوجرامًا. بالنسبة لي تعرضت لكسر الضلوع 4 مرات، وفقدت من الوزن 41 كيلوجرامًا منذ السابع من أكتوبر وحتى خروجي من السجن. - هل صادفت أن التقيت بالأسير مروان البرغوثي في الأسر بأحد سجون الاحتلال؟ نعم بالفعل التقيت أنا والأخ مروان البرغوثي في سجن هداريم لفترة طويلة كنت معه في هذا السجن، وهو من الذين لهم فضل عليَّ، وهو أشرف على إتمام دراستي للماجستير، وكان هو الدكتور الذي أشرف على رسالتي، التي قدمتها في العلوم السياسية مروان البرغوثي هو قائد فلسطيني وقائد وطني ومناضل.. أتمنى له الإفراج وأن يتم الإفراج عنه قريبًا، وهو من أحد الأصدقاء في مرحلة ما قبل الاعتقال، حيث كان من الذين لهم اتصالات معي بشكل مبكر في مسألة تأسيس كتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، وهو رمز من رموز الشعب الفلسطيني وقائد بأتم معنى الكلمة، وعليه إجماع وطني في داخل السجون وخارجها، وأتمنى له الإفراج وأن يكون له دور في قيادة الشعب الفلسطيني. - هل لا زلت تنتمي لحركة فتح باعتبارك من مؤسسي كتائب شهداء الأقصى؟ وأين دور الكتائب الآن؟ أنا لا زلت أنتمي لحركة فتح، ومن كوادر الحركة في قطاع غزة. أما فيما يتعلق بدور كتائب شهداء الأقصى فقد تم تجميده منذ أعوام طويلة، والآن قبلتي ستكون للعمل السياسي وليس العسكري. - كيف تنظر حضرتك لمستقبل غزة؟ وهل إبعاد حركة حماس عن الحكم في القطاع هو الأمثل من وجهة نظرك؟ أتمنى لمستقبل قطاع غزة أتمنى أن يتم إعادة إعمار القطاع في أقرب وقت ممكن.. حجم المعاناة والمأساة التي تعرض لها شعبنا العظيم في هذه الحرب لم يرى مثلها التاريخ، فكانت حرب قاسية من دمار وقتل وهدم للبيوت وتشريد للمواطنين، والمواطنون اليوم في قطاع غزة أصبحوا بلا مأوى. عندما دخلت إلى قطاع غزة ورأيت حجم المأساة استحضرتني الذاكرة بعام النكبة في 1948.. اليوم نعيش في 2025 ونتعرض للتهجير والعالم كان ينظر لشعبنا ولم يحرك ساكنًا طوال عامين من الحرب، فأتمنى أن يتم إعادة بناء قطاع غزة بأسرع وقت ممكن. أما بالنسبة لحكم قطاع غزة، فأتمنى أن يكون هناك حكومة تجمع كل الفلسطينيين وتجمع جميع الفصائل الوطنية وتكون حكومة تكنوقراط تقودنا إلى انتخابات وطنية شاملة تشارك فيها جميع الفصائل الفلسطينية، وأن يكون الحكم حكمًا وطنيًا شاملًا وليس محكومًا بتنظيم معين أو بفئة معينة أو بجهة معينة. - كيف تنظر للدور المصري في إنهاء حرب غزة وفي إتمام عملية الإفراج عن الأسرى والذين كنت من بينهم؟ نتوجه بالشكر العظيم للشعب المصري العظيم، الذي دائمًا عودنا أن يكون حاضنًا للقضية الفلسطينية في جميع مراحلها، والحروب التي تعرضت لها غزة، فكان الشعب المصري دائمًا واقفًا إلى جانب الشعب الفلسطيني وهو يستحق منا كل الشكر وكان هو الأكثر وفاءً من بين شعوب الأمة العربية، وهو كان حاضنًا دائمًا للقضية الفلسطينية في جميع مراحلها وجميع الأزمات التي كانت تحل على أبناء شعبنا في قطاع غزة. كما نوجه بالشكر العظيم إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة المصرية من أعماق قلوبنا، وهم وقفوا إلى جانبنا وإلى جانب القضية الفلسطينية، وشكرًا إلى اللجنة المصرية التي وقفت إلى جانب شعب غزة من خلال تقديم المساعدات الإنسانية وإقامة مخيمات اللجوء. - في الختام.. هل متفائل بأن ما حدث في 7 أكتوبر ينتهي به المسار إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؟ نتمنى ما بعد حرب استمرت عامين أن تنتهي معاناة شعبنا، وأن تكون هذه الحرب هي التي تقودنا إلى مشروع التحرير ومشروع إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ونحن لن نفقد الأمل وسنعمل بكل ما أوتينا من قوةٍ عبر النضال السياسي أو غيره من أجل إقامة الدولة الفلسطينية. نحن مصرّون على أرضنا وعلى أن يكون لنا دولة وأن نكون شعبًا قاتل وناضل من أجل تحرير أرضه ومقدساته، فنأمل أن نرى دولتنا المستقلة في القريب العاجل