بعد فترة وصفها المتحدث باسم حركة "فتح" منذر الحايك ب"أهوال يوم القيامة" التي عاشها سكان غزة لمدة عامين منذ بدء حرب 7 أكتوبر 2023، أكد أن السلطة الفلسطينية رحبت بتوقيع المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وإسرائيل لإنهاء حرب غزة. في 29 سبتمبر 2025 أعلن ترامب خطة جديدة لإنهاء معاناة غزة بشكل نهائي، مكونة من 20 بندًا رئيسيًا تركز على إعادة إعمار القطاع ونزع سلاح الفصائل المسلحة وخاصة من حركة حماس، وقفًا فوريًا لإطلاق النار وانسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية من القطاع، إلى جانب إطلاق سراح جميع والأسرى، وإدخال مساعدات إنسانية عاجلة بإشراف دولي. "أنها تحمل عنوانًا مهمًا وهو وقف نزيف الدم وإنهاء الحرب والاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين"، هكذا علق منذر الحايك خلال تصريحات خاصة لموقع "مصراوي"، على نتائج المرحلة الأولى من الخطة التي لعبت خلالها مصر دورًا كبيرًا من أجل حقن دماء الفلسطيني، حيث استضافت مدينة شرم الشيخ مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس، بمشاركة وفد قطري وتركي وأمريكي. يوضح متحدث فتح أن هذه المرحلة تضمنت نقطتين مهمتين، الأولى هي وقف الحرب فورًا، وأما الثانية تتمثل في وقف سياسات التهجير القسري التي حاول الاحتلال فرضها خلال الحرب، مؤكدًا أن مصر والأردن لعبتا دورًا محوريًا في منع تنفيذ هذه المخططات والحفاظ على بقاء الفلسطينيين في أرضهم. ويشير المتحدث باسم حركة فتح، إلى أن هناك بندًا ثالثا غير مذكور في النقاط العشرين للاتفاق، لكنه في غاية الأهمية وهو منع ضم الضفة الغربية أو المساس بها ضمن أي ترتيبات سياسية مستقبلية لتظل تحت قيادة السلطة الفلسطينية. رغم ذلك، يؤكد متحدث فتح أن توقيع اتفاق خطة ترامب لن يوقف إسرائيل عن مواصلة مضايقاتها للسلطة الفلسطينية، التي تأسست قبل 30 عامًا في مدينة رام الله عام 1994، تنفيذًا لاتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، والذي نصّ على إدارة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة والضفة الغربية تمهيدًا لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. إلا أن السلطة الفلسطينية واجهت بعد سنوات قليلة من تأسيسها أزمات متلاحقة، بدأت بانهيار التعاون الأمني مع إسرائيل عقب اندلاع الانتفاضة الثانية في أواخر سبتمبر 2000، والتي استمرت حتى فبراير 2005، وانتهت بتدمير واسع للبنى التحتية الفلسطينية، ويقول الحايك إن تل أبيب لا ترغب بوجود كيان سياسي فلسطيني معترف به دوليًا، خشية أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967. ظهر الانقسام الحقيقي في صفوف السلطة الفلسطينية عام 2006 بعد فوز حركة حماس بأغلبية في الانتخابات التشريعية، ما أدى إلى صراع مع فتح انتهى بانقسام السلطة بين الضفة الغربية، التي خضعت لسيطرة فتح، وقطاع غزة الذي خضع لحكم حماس، وهو ما استغلته إسرائيل لتوسيع انتشارها وتعميق الانقسام. ويشير الحايك إلى أن نتنياهو يدعم هذا الانقسام بهدف تكريس الفصل الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى لا تقوم وحدة جغرافية تسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة. كما أثرت الحروب الإسرائيلية على غزة في أعوام 2008–2009، و2012، و2014، و2021، على السلطة الفلسطينية، من خلال الضغوط الاقتصادية والإنسانية، التي زادت من اعتمادها على المساعدات الدولية. وبعد طوفان الأقصى في عام 2023، تعرضت السلطة لاحقًا لعقوبات إسرائيلية، من بينها خصم أموال الضرائب ما أدى إلى تأخير صرف رواتب الموظفين وخفضها، وفي 2025 كان هناك أزمة اقتصادية خانقة في الضفة الغربية. ويرى المتحدث باسم فتح أن مضايقات إسرائيل للسلطة ستتواصل، خاصة في ملف أموال المقاصة واعتداءات المستوطنين على ممتلكات الفلسطينيين في الضفة الغربية، في محاولة لإظهار السلطة الوطنية كجسم ضعيف غير قادر على أداء مهامه. واستشهد الحايك بقول نتنياهو: "لا فتح ستان ولا حماس ستان ولا سلطة وطنية فلسطينية"، معتبرًا ذلك "إشارة واضحة على استمرار تل أبيب في سياساتها". وبحسب متحدث فتح، فإن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم يستسلم لضغوطات إسرائيل حيث أصدر عدة تصريحات وأرسل رسائل للمجتمع الدولي، وخاصة للإدارة الأمريكية، يؤكد من خلال لها أن السلطة الوطنية تقوم بإصلاحات مهمة، وأنها ستكون نموذجًا يُحتذى به، وقادرة على فرض ولايتها القانونية في قطاع غزة كما هي في الضفة الغربية، لتوحيد النظام السياسي والإداري والقضائي والأمني في شطري الوطن. وعن إمكانية عودة السلطة الفلسطينية إلى الواجهة بعد اتفاق حماس وإسرائيل، يقول متحدث فتح، إن النقطة التاسعة عشرة من النقاط العشرين تتحدث عن عودة السلطة الوطنية إلى قطاع غزة، وهو ما يمثل رسالة من القادة العرب والدول العربية والإسلامية، بأن لا وجود في غزة إلا للسلطة الوطنية الفلسطينية، مشيدًا بالموقف العربي والإسلامي، والدول الغربية الداعمة لعودة السلطة الوطنية الفلسطينية. ويؤكد أن عودة السلطة مرهونة بما سيفعله الرئيس ترامب في المرحلة الثانية من خطته، وبكيفية سير المفاوضات ومضمونها، مشددًا على أن السلطة الفلسطينية هي الجهة الشرعية والوطنية الوحيدة القادرة على تجنيد الدعم الدولي للإغاثة والإعمار وتمثل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. ويرى منذر الحايك أن موقف الإدارة الأمريكية من السلطة الفلسطينية "لا يزال ضبابيًا"، موضحًا أنها طالبت بإجراء إصلاحات، وأن عباس أرسل رسالة عبر الصحافة يؤكد فيها بدء إصلاحات جدية، خاصة في ملفات رواتب الشهداء والجرحى والأسرى، إضافة إلى النظام الإداري والأمني والمناهج التعليمية. وينوه على أهمية رسالة عباس وعلى ضرورة أن تسمعها الولاياتالمتحدة، مؤكدًا أن جاري التنسيق معها في هذا الإطار. كما يشدد منذر الحايك على ضرورة التزام إسرائيل بالقانون الدولي والاتفاقيات الشرعية، خاصة اتفاق أوسلو الذي نص على السيادة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالي فإن استثناء السلطة الوطنية أمر يتنافى مع كل الاتفاقيات الموقعة. أكد الحايك أن الخسائر الاقتصادية التي خلفتها حرب غزة كبيرة جدًا، مشيرًا إلى تدمير جميع المؤسسات والمنازل والبنى التحتية وشبكات الكهرباء والمياه وآبارها، موضحًا: "تم تدمير أكثر من 650 ألف شقة سكنية، إسرائيل دمرت مساجدنا ومستشفياتنا، فيما القطاع الصحي مدمر تقريبًا بالكامل كما دمرت البنى التحتية وآبار المياه وشركة الكهرباء، إضافة إلى المصانع والتجارة والقطاع الزراعي الذي أتلفت معظم أراضيه". وأضاف المتحدث أن "خسائرنا حقيقية وتقدر بالمليارات ونحن بحاجة إلى تجنيد دول العالم لإغاثتنا وإعادة إعمار بيوتنا ومدارسنا ومؤسساتنا الوطنية". ورغم عدم وجود موفدين من السلطة الفلسطينية في مفاوضات شرم الشيخ، يؤكد متحدث فتح أن هناك تواصلًا مستمرًا بين السلطة الوطنية الفلسطينية والوسطاء، وخاصة جمهورية مصر العربية، مشيرًا إلى وجود تنسيق كامل مع القاهرة في جميع القضايا المتعلقة بالشأن الفلسطيني، وخصوصًا فيما يتعلق بالحرب ووقفها وكذلك ما بعد الحرب. وطالب الحايك المجتمعين الدولي والعربي بتثبيت السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة لضمان عدم تهميش القضية الفلسطينية، مشددًا على أهمية انتشار الشرطة الفلسطينية التي تتدرب في مصر وضرورة فتح مسار سياسي واضح. ومن جانبه يحذر مدير مركز القدس للدراسات الدكتور أحمد رفيق عوض، على استمرار إسرائيل في محاصرة حكومة عباس بسبب رفض تل أبيب لحل الدولتين، مؤكدًا أن السلطة الفلسطينية هي أحد العناوين الرئيسية لقيام الدولة الفلسطينية. ويؤكد عوض خلال حديثه ل"مصراوي"، أن استمرار إسرائيل في سياساتها يهدف إلى الاستفادة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ومواصلة الاستيطان، التي اقره الكنيست الإسرائيلي في يوليو الماضي، موضحًا أن هناك مسعى إسرائيليًا لتقويض السلطة يقابله مسعى عربي لتعزيزها، متسائلًا: "من الذي سيربح؟ الأيام كفيلة بالإجابة". وأشار إلى أن دور السلطة في "خطة ترامب" غير واضح، إذ تفترض الخطة أن على السلطة تنفيذ إصلاحات وتطويرات صعبة دون أن تتضمن إقامة دولة فلسطينية، مما يتطلب ضغطًا عربيًا وأوروبيًا لإيجاد مكان للسلطة في خطة العمل. وبيّن أن بقاء السلطة في غزة خلال المرحلة المقبلة يعتمد على الدور الدبلوماسي لمصر والدول العربية، مؤكدًا على ضرورة دعم السلطة الفلسطينية وترسيخ وجودها في القطاع، لان إسرائيل لا ترغب في عودتها إلى غزة، وتسعى إلى صياغة حل خاص بالضفة وآخر مختلف للقطاع، في محاولة لإسقاط حل الدولتين.