عندما قام المرحوم ممدوح سالم، رئيس الوزراء الأسبق، بضم وزارتى الزراعة والرى وأسندهما إلى وزير واحد فى منتصف السبعينيات، لم يستمر هذا الضم سوى عشرة أشهر ونصف الشهر، انفصلت بعدها الوزارتان، واصبحتا جزيرتين منعزلتين، فانعكس ذلك بالسلب على الاقتصاد المصرى والفلاح المصري. والحقيقة أن الهدف لم يكن مجرد الضم فى حد ذاته، وإنما كان التنسيق والتكامل، وهو ما نجح فى تفعيله فيما بعد وزير الرى الأسبق محمود أبو زيد، عندما قام باشراك وزارة الزراعة وست وزارات معنية أخرى فى وضع الخطة القومية للموارد المائية حتى عام 2017، والاستعانة بمئات الخبراء المصريين والأجانب، وكان لى شرف الاشراف عليها منذ سنوات، وعلى الرغم من أنها خطة شاملة وغير مسبوقة، توفر المياه السطحية والجوفية، وتمنع تلوثها وترشد استهلاكها، وتعظم الاستفادة منها، إلا أنه قد حدث تعتيم إعلامى عليها بعد خروج أبوزيد من الوزارة فى عام 2009، ضمن منظومة «إهالة التراب على إنجازات من سبقونا»، والمرجو من السيد وزير الرى الإعلان بشفافية عن موقف تنفيذ تلك الخطة الفريدة حتى الآن. إشكالية الجزر المنعزلة بين الزراعة والرى تحولت بعد ذلك إلى اشكالية جزر متراشقة، فعندما وضعت وزارة الزراعة فى عام 2009 استراتيجية زراعية حتى عام 2030 دون اشراك وزارة الري، ردت عليها وزارة الرى فى العام التالى بوضع استراتيجية مائية حتى عام 2050 دون اشراك وزارة الزراعة، وكأنهما فى حالة خصومة أو صراع، والخطير فى الأمر أن البيانات الموجودة فى كل منهما تختلف عن الموجودة فى الأخري، والمطلوب على الأقل وضع استراتيجية موحدة للزراعة والرى معا على وجه السرعة. وقد لا يعلم الكثيرون أن السبب الرئيسى فى انفاق مشروع توشكى هو غياب التنسيق بين وزارتى الزراعة والري، فبينما قامت وزارة الرى بتنفيذ معظم الأعمال المطلوبة منها على الوجه الأكمل، وفى التوقيتات المحددة، بتكلفة بلغت أكثر من ستة مليارات جنيه (بأسعار عام 1998) نجد أن وزارة الزراعة سارت فى طريق مغاير تماما، حيث قامت ببيع أراضى المشروع للمستثمرين بأسعار زهيدة للغاية، وبعقود جائرة أهدرت حقوق مصر فى المشروع بالكامل، ولم يقوموا باستصلاح وزراعة سوى مساحات هزيلة من الأراضى الشاسعة التى خصصت لهم. والمطلوب منا الآن عدم الوقوع فى أخطاء توشكى مرة ثانية، وبصفة خاصة فى مشروع والمليون ونصف المليون فدان، والذى سيروى معظمه على المياه الجوفية، وعلى وزارة الرى اعادة النظر فى حفر الآبار على نفقة الدولة، والتى ستتكلف عشرات المليارات، وهى تكلفة، باهظة، لابد أن يشارك المستثمرون فى تحملها، مع غيرها من تكاليف البنية الأساسية والخدمات اللوجستية، وعلى وزارة الرى أيضا للتنسيق مع وزارة الزراعة لعمل دراسات جدوى لمناطق المشروع المختلفة بأسلوب علمي، قبل إبرام أى تعاقدات مع المستثمرين، عن طريق تحليل الفوائد بالنسبة للتكاليف فى سيناريوهات متعددة، ودراسة مدى تأثر اقتصاديات المشروع بأى متغيرات قد تحدث أثناء التنفيذ أو بعده، فيما يعرف ب «اختبار الحساسية» اخذين فى الاعتبار أن عامل الوقت، وتحديد سنة الأساس للاسعار هى من الأمور المهمة للغاية فى دراسة الجدوى لأى مشروع، وأن هناك فروقات كبيرة بين الدراسة الاقتصادية للمشروع وبين الدراسة المالية له، وأن الخلط بينهما هو خطأ جسيم لا يزال يقع فيه العديد من المسئولين حتى الآن. لمزيد من مقالات م . عادل انور خفاجى